519

«والأوفق بالقواعد أن يقال: أمّا الشرط والجزء فلا فرق بينهما من حيث لزوم الغرر بالجهالة»(1).

أمّا السيّد الخوئي رحمه الله فقد أفاد _ في المقام حول كلام العلّامة(قدس سره) _ ما مفاده: الإنصاف أن يفصّل في ذلك بين ما لو كان مدرك اعتبار العلم بالمبيع حديث: نهي النبي(صل الله عليه وآله) عن بيع الغرر(2)، فعليه لا يفرّق الحال بين الجهل بالمبيع والجهل بالشرط؛ لأنّ الجهل بالشرط وإن لم يستلزم الجهل بالمبيع إلّا أنّ البيع بهذا الشرط غرري؛ لأنّه التزام في التزام وهو مجهول غرري وهو باطل، وأمّا لو ناقشنا في دلالة ذلك وسنده _ كما ناقشنا في محلّه _ وقلنا: إنّ المدرك في مانعية الجهل هو الإجماع فعندئذٍ نقول: لا إجماع على البطلان فيما إذا كان المجهول هو الشرط مع العلم بكلّ واحد من الثمن والمثمن، وإنّما الإجماع قام على بطلان المعاملة التي يكون المبيع أو الثمن مجهولاً فيها، والمفروض أنّهما معلومان في المقام، وعليه يتمّ ما أفاده العلّامة(قدس سره): من التفصيل في كون المجهول هو الشرط أو الجزء(3).

أقول: إنّ دليلنا على شرط المعلومية ليس هو الإجماع؛ لأنّه مدركي قطعاً أو _ على الأقلّ _ احتمالاً، وإنّما دليلنا على ذلك روايات الوزن والكيل والعدّ كما مضى بالتعدّي من مواردها إلى غير مواردها، وكذلك نتعدّى أيضاً من فرض الجزء إلى الشرط، ولا يبقى مورد لتفصيل العلّامة رحمه الله.

الإندار للظروف(4)

قال الشيخ الأنصاري رحمه الله: «يجوز أن يُندر لظرف ما يوزن مع ظرفه مقدار يحتمل الزيادة والنقيصة على المشهور، بل لا خلاف فيه في الجملة، بل عن فخر الإسلام


(1) کتاب المکاسب، ج4، ص320.

(2) وسائل الشيعة، ج17، ص448، الباب 40 من أبواب آداب التجارة، ح3.

(3) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص479.

(4) أندر من الحساب كذا: أسقطه.

520

التصريح بدعوى الإجماع، قال فيما حكي عنه: نصّ الأصحاب على أنّه يجوز الإندار للظروف بما يحتمل الزيادة والنقيصة، فقد استثني من المبيع أمر مجهول، واستثناء المجهول مبطل للبيع إلّا في هذه الصورة، فإنّه لا يبطل إجماعاً انتهى. والظاهر أنّ إطلاق الاستثناء باعتبار خروجه عن المبيع ولو من أوّل الأمر، بل الاستثناء الحقيقي من المبيع يرجع إلى هذا أيضاً...»(1).

أقول: كأنّ مقصوده رحمه الله بذيل العبارة أنّ الاستثناء الحقيقي من المبيع لا معنى له إلّا معنى خروجه عن المبيع من أوّل الأمر.

وعلى أيّ حال فالإندار تارة يفترض في مقام الوفاء بعد فرض تحقّق المعاملة صحيحةً كما لو باع دُهناً في ظرفه على أنّ كلّ رطل منه بدرهم فتحقّقت المعاملة على وجه صحيح؛ إذ لا يوجد أيّ جزاف في ذلك لا في طرف الثمن ولا في طرف المثمن، وأُخرى يفترض الإندار لتعيين ما يريدون بيعه كما لو أرادا بيع دُهن في ظرفه ولم يعلما مقداره؛ لأنّهما وزنا مجموع الظرف والمظروف فأرادا إندار مقدار في مقابل الظرف كي يعيّنا مقدار ما يریدان التعامل عليه.

ومقتضى القاعدة في القسم الثاني هو بطلان البيع ما لم يعلما مقدار الظرف؛ لأنّ ما يندرانه في مقابل الظرف لو لم يثقا بمساواته للظرف ولو مع فرق يسير يتسامح فيه في معرفة الوزن عرفاً، فالجهل هنا يسري إلى مقدار ما يريدان التعامل عليه، فيبطل البيع.

في حين أنّه في القسم الأوّل قد فرضنا صحّة البيع، فلا يبقى إشكال في الإندار، فإنّ المقدار الذي يندرانه في مقابل الظرف وإن لم يعلما بمساواته للظرف لكن ماداما معاً متراضيين على ذلك لم يقع شيء محرّم.

هذا هو الحال بمقتضى القاعدة.


(1) کتاب المكاسب، ج4، ص321.

521

أمّا الروايات فأفضلها سنداً هي الصحيحة التي رواها في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل(1) عن حنّان(2) قال: «كنت جالساً عند أبي عبدالله عليه السلام فقال له معمّر الزيّات: إنّا نشتري الزيت في زقاقه(3) فيُحسب(4) لنا نقصان فيه لمكان الزقاق؟ فقال: إن كان يزيد وينقص فلا بأس، وإن كان يزيد ولا ينقص فلا تقربه»(5).

وقوله: «فيحسب لنا النقصان...» ظاهر في أنّ الإندار والحساب كان بعد تحقّق الشراء والبيع وأنّ هذا كان في مقام الأداء بعد افتراض صحّة البيع، أي: أنّه ظاهر في القسم الأوّل، وقد مضى أنّ صحّة ذلك وجواز الإندار بالتراضي من الطرفين في القسم الأوّل ثابت على القاعدة.

ولكن يبقى الكلام في أنّ الإمام عليه السلام لماذا فصّل بين ما إذا كان مقدار الإندار يزيد وينقص عن وزن الظرف فقال: «لا بأس به» وما إذا كان يزيد ولا ينقص فقال: «لا تقربه»؟

ويمكن الجواب على ذلك بأنّه لو كان يزيد تارة وينقص أُخرى فقد أحرزنا عادة رضا المالك بذلك، أو قل: إنّ الأمارة العرفية تدلّ على رضاه، وإن كان يزيد ولا ينقص والمالك غافل عن ذلك، أو كان البائع غير المالك ولم يكن يهمّه ضرر المالك فلا نستطيع إحراز رضا المالك بذلك، والرواية تنصرف بمناسبة الحكم والموضوع عن صورة ثالثة، وهي فرض أنّ البائع هو المالك وهو راض على إندار الزيادة في مقام الوفاء لوضوح


(1) يعني ابن بزيع.

(2) ثقة.

(3) هو السقاء والقربة.

(4) في وسائل الشیعة، ج17، ص367، الباب20 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح4: «ويحسب». والظاهر هو أنّه خطأ؛ لما عرفت من أنّه في المصدر _ وهو الكافي _ ورد: «فيحسب».

(5) الکافي،ج5، ص183، باب فضل الكيل والموازين من کتاب المعيشة، ح4

522

جواز أخذ الزيادة عندئذٍ بالرضا القطعي للمالك، أو قل بهبته لمقدار الزيادة، فالرواية منصرفة عن فرض عدم إحراز رضا المالك.

ثم إنّ قصّة معمّر الزيّات نقلت في رواية أُخرى، وهي ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن محمد بن سماعة(1) عن عبدالله بن جبلة(2) عن علي بن أبي حمزة قال: «سمعت معمّر الزيّات يسأل أبا عبدالله عليه السلام فقال: جعلت فداك إنّي رجل أبيع الزيت يأتيني من الشام فآخذ لنفسي مما أبيع؟ قال: ما أُحبّ لك ذلك. قال: إنّي لست أُنقص نفسي شيئاً ممّا أبيع(3). قال: بعه من غيرك، ولا تأخذ منه شيئاً، أرأيت لو أنّ الرجل قال لك: لا أُنقصك رطلاً من دينار كيف كنت تصنع؟! ألا تقربه. قال له: جعلت فداك فإنّه يطرح ظروف السمن والزيت لكلّ ظرف كذا وكذا رطلاً فربّما زاد وربّما نقص؟ قال: إذا كان ذلك عن تراض منكم فلا بأس»(4).

والمظنون أنّ المقصود بعليّ بن أبي حمزة علي بن أبي حمزة الثمالي، أعني: ابن راوي دعاء أبي حمزة لسحر شهر رمضان لا علي بن أبي حمزة البطائني، وذلك بقرينة روايته مباشرة عن الإمام الصادق(عليه السلام)، وهو ثقة بشهادة حمدويه بن نصير على ما نقل عنه الكشّي(5).

أمّا من حيث الدلالة فالظاهر أنّها أيضاً تنظر إلى القسم الأوّل، أعني: فرض صحّة البيع في نفسه، لا فرض تصحيحه بالإندار؛ لأنّه نهاه الإمام عليه السلام عن أخذ الزيت لنفسه حذراً من عدم قبول البائع الإندار في حين أنّه لم يمنعه من إعطائه لغيره، وهذا معناه


(1) واقفي موثّق.

(2) واقفي موثّق.

(3) كأنّ المقصود أنّ الذي أبيعه لماذا أحرم نفسي منه؟! فنصحه الإمام(عليه السلام) بأنّ البائع قد لا يقبل بالإندار فتتضرّر بحسب مقياس الإندار المتعارف.

(4) تهذيب الأحکام، ج7، ص128، الباب9 من کتاب التجارات،‌ ح29.

(5) رجال الکشي، ص406

523

أنّ البيع لا يبطل بعدم قبول البائع للإندار، إذاً فهذه الرواية أيضاً مطابقة للقاعدة.

بقيت رواية ثالثة في الباب وهي ما رواه عبدالله بن جعفر في قرب الإسناد عن عبدالله بن الحسن عن جدّه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(عليه السلام): قال: «سألته عن الرجل يشتري المتاع وزناً في الناسية والجوالق فيقول: ادفع للناسية رطلاً أو أقلّ أو أكثر من ذلك، أيحلّ ذلك البيع؟ قال: إذا لم يعلم وزن الناسية والجوالق فلا بأس إذا تراضيا»(1).

فإن فسّرنا قوله: «أيحلّ ذلك البيع؟» بمعنى السؤال عن صحّة البيع وفسّرنا الجواب بمعنى شرط التراضي بالإندار في صحّة البيع أصبحت الرواية على خلاف القاعدة.

أمّا لو فسّرنا حلّية البيع والجواب بشرط التراضي بمعنى أوّل البيع إلى إندار حرام إلّا بالتراضي لم تدلّ هذه الرواية على أمر مخالف للقاعدة، وعلى كلّ حال فهذه الرواية لا تؤثّر شيئاً في المقام؛ لعدم الدليل على وثاقة عبدالله بن الحسن الذي يروي عن جدّه علي بن جعفر.

والمتخلّص من كلّ ما ذكرناه أنّنا نبقى في باب الإندار على ما تقتضيه القاعدة، ولم يثبت من الروايات ما يوجب مخالفة القاعدة، والإندار ليس مصحّحاً للبيع، ويجوز الإندار مع التراضي في مورد البيع الصحيح.

بيع المظروف وظرفه على نحو المجموع

نسب الشيخ رحمه الله في المكاسب إلى المشهور أنّه يجوز بيع المظروف مع ظرفه الموزون معه وإن لم يعلم إلّا بوزن المجموع، قال رحمه الله: «بل لم يوجد قائل بخلافه من الخاصة إلّا ما أرسله في الروضة ونسب في التذكرة إلى بعض العامّة استناداً إلى أنّ وزن ما يباع وزناً غير معلوم، والظرف لا يباع وزناً، بل لو كان موزوناً لم ينفع مع جهالة وزن


(1) وسائل الشيعة، ج17، ص367، الباب20 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح3. وكأنّ الجوالق معرّب لما يسمّى بالفارسية بـ «جوال».

524

كلّ واحد واختلاف قيمتهما، فالغرر الحاصل في بيع الجزاف حاصل هنا»(1).

ثم جعل الشيخ رحمه الله البحث في فرضين: أحدهما فرض الظرف والمظروف، والثاني فرض بيع شيئين بالانضمام من دون أن يكون أحدهما ظرفاً والآخر مظروفاً؛ وذلك اعتقاداً منه بأنّ لفرض الظرف والمظروف خصوصية غير موجودة لفرض انضمام شيئين في البيع من دون كون أحدهما ظرفاً والآخر مظروفاً، وتلك الخصوصية عبارة عن أنّه في فرض الظرف والمظروف قد انحلّت مشكلة مجهولية مقدار المظروف بمسألة الإندار، فقال رحمه الله ما مفاده بأدنى تغيير في العبارة: الذي يقتضيه النظر فيما نحن فيه ممّا جُوّز شرعاً بيعه منفرداً عن الظرف مع جهالة وزنه هو القطع بجواز البيع منضمّاً إلى ظرفه؛ إذ لم يحصل بالانضمام مانع ولا ارتفع شرط(2).

أقول: قد اتّضح من بحثنا السابق أنّه لا يوجد لدينا مورد يصحّح بيع مجهول المقدار بطريقة الإندار لظرفه.

والآن فلنفترض الإيمان بصحّة ذلك بالإجماع مثلاً أو ببعض الروايات حتّى ينفتح الطريق لاستدلال الشيخ على صحّة البيع بأنّه مادام أنّ بيع المظروف المجهول المقدار منفرداً كان صحيحاً فنحن نقطع بالجواز لدى انضمام الظرف؛ لأنّه لم يحصل بالانضمام مانع، ولا ارتفع شرط.

وأورد على ذلك الشيخ الإصفهاني رحمه الله بأنّه لم يكن الكلام في بطلان بيع المظروف بسبب انضمام الظرف إليه حتّى يقال: إنّ الانضمام لا يوجب فقد شرط أو وجود مانع مع وجود المقتضي للصحّة، بل الكلام في صحّة بيع المجموع وعدمها، ولا يتمّ القول بصحّة بيع المجموع إلّا بافتراض وجود المقتضي لصحّة بيع المجموع، وأنّ شرطه _ وهو العلم بمقدار المبيع وعوضه _ موجود والغرر مفقود(3).


(1) کتاب المكاسب، ج4، ص333.

(2) المصدر السابق.

(3) حاشية کتاب المكاسب(للإصفهاني)، ج3، ص405.

525

أقول: وهنا لو فرضنا أنّ الظرف والمظروف سنخ ظرف ومظروف لا يأبى العرف عن عدّهما موزوناً واحداً كما هو الحال في مثل السمن وقربته لم يبق إشكال في صحّة البيع.

ثم شرع الشيخ رحمه الله بذكر أحكام الفرض الثاني وهو فرض بيع شيئين بالانضمام من دون أن يكون أحدهما ظرفاً والآخر مظروفاً:

فأوّل ما فرضه في المقام هو فرض أن لا تكون معرفة وزن المجموع كافية لرفع الغرر، ومثّل لذلك ببيع سبيكة من ذهب مردّدٍ وزنه ما بين مائة مثقال وألف مع قطعة من رصاص قد بلغ وزنهما ألفي مثقال، فحكم رحمه الله ببطلان هذا البيع؛ فإنّ بيع سبيكة مثلاً من ذهب من دون وزن مردّدة بين مائة مثقال وألف واضح البطلان؛ لجهالة الوزن، وكذلك الحال في بيعها منضمّةً إلى قطعة الرصاص البالغ وزنهما ألفي مثقال؛ فإنّ الإقدام على هذا البيع إقدام على ما فيه الخطر يستحقّ لأجله اللوم من العقلاء؛ لأنّ الغرر موجود(1).

وأورد على ذلك السيّد الخوئي رحمه الله بأنّ كون القيمة المسمّاة للمبيع مطابقة للقيمة السوقية أو أقلّ منها وإن كان يؤثّر في عدم الخيار للبائع؛ لأنّه يوجب عدم كونه مغبوناً، ولكنّه ليس شرطاً في صحّة البيع، وعليه فإذا باع السبيكة الذهبية في ظرف من الفضّة المجهول مقدار كلّ واحد من الذهب والفضّة والمعلوم وزن المجموع منهما على أنّ كلّ مثقال منهما بكذا لا يلزم فيه غرر بوجه، وعليه فلا وجه لتفصيل شيخنا الأنصاري(قدس سره) في المقام بين استلزام البيع الغرر وعدمه؛ إذ لا نجد مورداً يكون البيع فيه غرريّاً، فإنّ الغرر على تقدير اعتبار عدمه إنّما يعني الجهل بوجود المبيع وعدمه أو الجهل بأوصافه التي لها دخل في قيمته كالأوصاف النوعية من الإنسانية والحيوانية(2).

أقول: من حقّ الشيخ الأنصاري رحمه الله أن يجيب على هذا الإشكال بأنّ الجهل بكون سبيكة الذهب مائة مثقال والفضّة أو قطعة الرصاص ألف وتسعمائة مثقال أو كون


(1) کتاب المكاسب، ج4، ص334.

(2) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص489 _ 490.

526

سبيكة الذهب ألف مثقال والفضّة أو الرصاص أيضاً ألف مثقال لا يقلّ عن الجهل بالإنسانية والحيوانية؛ فإنّ هذا جهل بشأن مقدار مهم من وزن المبيع وتردّده بين الذهب من ناحية والفضّة أو الرصاص من ناحية أُخرى، والفرق بين الذهب والفضّة أو الرصاص يكون تماماً كالفرق بين الإنسان والحيوان، ومجرّد رؤية كلّ من سبيكة الذهب مع الفضّة أو الرصاص بالعين لا ترفع الغرر العرفي أو الجزاف والجهالة المانعة عن صحّة البيع.

ثم انتقل الشيخ رحمه الله إلى فرض انتفاء الغرر بوزن المجموع وانحصار المانع في النصّ الدالّ على لزوم الاعتبار بالكيل والوزن أو الإجماع المنعقد على بطلان البيع إذا كان المبيع مجهول المقدار في المكيل والموزون، وأفتى رحمه الله هنا بالقطع بالجواز؛ لأنّ النصّ والإجماع إنّما دلّا على لزوم اعتبار وزن المبيع لا كلّ جزء منه(1).

ومثّل السيّد الخوئي رحمه الله لذلك بمثالين:

أحدهما: ما إذا كان هناك مقدار من الرصاص(2) مردّد بين الألف ومائة وكان مقدار آخر من الصفر(3) مردّد بین الألف والألف وتسعمائة وعلمنا أنّ مقدارهما معاً هو الألفان وفرضنا أنّ قيمة الرصاص والصفر متساويتان، فالعلم بوزن المجموع يكفي في صحّة البيع.

والثاني: بيع الأُرز مع الماش المتساويين في القيمة بكذا، فيكتفی بالعلم بوزن المجموع منهما وإن كان وزن كلّ واحد منهما مجهولاً. قال رحمه الله: وهذا متداول بين الناس كما هو ظاهر(4).

ثم أفاد الشيخ رحمه الله ما نصّه: «ولو كان أحد الموزونين يجوز بيعه منفرداً مع معرفة وزن المجموع دون الآخر كما لو فرضنا جواز بيع الفضّة المحشّی بالشمع وعدم جواز بيع


(1) کتاب المكاسب، ج4، ص334.

(2) وبالفارسية: «سُرب»

(3) وبالفارسية: «مِس».

(4) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص487.

527

الشمع كذلك، فإن فرضنا الشمع تابعاً لا يضرّ جهالته، وإلّا فلا»(1). والعبارة لا تخلو من غموض وأظنّ أنّ المقصود ما يلي:

لو كان أحد الموزونين تعارف بيعه منفرداً مع معرفة وزن المجموع من قبيل الخلخال للمرأة(2) الذي تعارف صنعه من الفضّة المحشوّة بالشمع، فيوزن المجموع من الظرف والمظروف، ولكنّ الثمن الذي يعطى يفترض ثمناً للفضّة(3)، ولا توجد قيمة يُهتمّ بها للشمع المحشّى في الخلخال، فإن فرضنا أنّ العرف يحسب الشمع تابعاً للخلخال فلا يهتمّ بجهالة مقداره، لم تضرّ جهالته، وإلّا لم يجز.

وهذا هو التفسير الذي يوحي إليه التعبير الوارد في تقرير الشيخ التوحيدي لبحث السيّد الخوئي(4). وهذا من امتيازات تقرير الشيخ التوحيدي على التنقيح، فما ورد في التنقيح(5) غير مقصود يقيناً.

هذا، ولا يخفى أنّ مثال الخلخال ليس رجوعاً إلى مسألة ضمّ الظرف إلى المظروف بدلاً عن الإندار والذي كان هو الفرض الأوّل من فرضي الشيخ رحمه الله؛ لأنّ المقصود الأصلي من البيع هنا هو نفس الظرف، وهو الخلخال، فهذا في واقعه داخل في الفرض الثاني من فرضيه، وهو ضمّ شيء إلى شيء.

ثم انتقل الشيخ رحمه الله مرّة أُخرى إلى بيع المظروف مع الظرف لكي يتكلّم في ذلك من زاوية أُخرى غير زاوية صحّة البيع، وهي زاوية كيفية تقسيط الثمن على الظرف والمظروف؛ إذ قد تقع الحاجة إلى معرفة كيفية التقسيط عليهما، كما لو وقع تقايل بين البائع والمشتري للمعاملة بلحاظ الظرف فحسب فأُريد إرجاع ثمن الظرف إلى


(1) کتاب المكاسب، ج4، ص333.

(2) زينةٌ متعارفة للمرأة تلبسها في رِجلها نسبتها إلى الرِجل كنسبة السوار إلى اليد.

(3) ويمكن افتراضه ثمناً لمجموع الفضّة والشمع المحشّى فيها.

(4) مصباح الفقاهة، ج5، ص471.

(5) راجع ما أشرنا إليه قريباً من موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص487

528

المشتري واسترجاع الظرف، وكما لو ثبتت مغصوبية الظرف فكان على البائع إرجاع ثمن الظرف إلى المشتري.

کيفية تقسيط الثمن علی الظرف والمظروف

وذكر رحمه الله لكيفية تقسيط الثمن عليهما ثلاث صور للبيع:

الصورة الأُولى: أن يبيع المظروف مع ظرفه بعشرة مثلاً، فلتعيين ثمن الظرف يجب أن تُعيّن القيمة السوقية للظرف وللمظروف، فإذا قيل: قيمة الظرف درهم وقيمة المظروف تسعة(1) كان للظرف عشر الثمن.

والصورة الثانية: أن يبيعه مع ظرفه بكذا على أنّ كلّ رطل من المظروف بكذا، فيحتاج إلى إندار مقدار للظرف(2)، ويكون ثمن الظرف ما بقي بعد ذلك، وهذا في معنى بيع كلّ منهما منفرداً.

والصورة الثالثة: أن يبيع المظروف مع الظرف كلّ رطل بكذا على أن يكون التسعير للظرف والمظروف، وطريقة التقسيط في هذه الصورة لو احتيج إليه _ كما في المسالك _ : أن يوزن الظرف منفرداً وينسب إلى الجملة ويؤخذ له من الثمن بتلك النسبة، وتبعه على هذا غير واحد، ومقتضاه أنّه لو كان الظرف رطلين والمجموع عشرة أُخذ له خمس الثمن.

والوجه في ذلك ملاحظة الظرف والمظروف شيئاً واحداً حتّى أنّه يجوز أن يفرض تمام الظرف كسراً مشاعاً من المجموع ليساوي ثمن المظروف، فالمبيع كلّ رطل من هذا المجموع، وهذا بخلاف الصورة الأُولى، ففي الصورة الأُولی إذا باع المظروف مع ظرفه بدرهم مثلاً وزّع الدرهم على الظرف والمظروف بحسب قيمة مثلهما(3). انتهى


(1) بعد تعيين وزنهما.

(2) هذا لو آمنّا بمسألة الإندار، وإلّا فلابدّ من تعيين أرطال المظروف بالوزن حتّى يتعيّن

الثمن الذي وقع في مقابل الظرف.

(3) کتاب المكاسب، ج4، ص334 _ 336.

529

كلام الشيخ رحمه الله مع بعض التغييرات في العبارة من قبلنا.

بقيت الإشارة إلى فرضية ذكرها السيّد الخوئي رحمه الله، وهي فرضية ما إذا لم يكن الظرف من الموزون، كما إذا كان المظروف سمناً وظرفه من الخزف والسفال(1).

والحكم هنا هو أنّه لابدّ في صحّة بيع المظروف المكيل أو الموزون من العلم بمقداره، ولا فائدة في العلم بوزن المجموع منه وممّا هو من المعدود أو غيره ممّا هو خارج عن الموزون، فمثلاً لو علمنا بوزن مقدار من الأُرز وكتاب الوسائل لم يكف ذلك في صحّة بيع المجموع.

ثم إنّ الشيخ الأنصاري رحمه الله انتقل هنا إلى البحث عن مسألة التفقّه في مسائل الحلال والحرام المتعلّقة بالتجارات ليعرف صحيح العقد من فاسده ويسلم من الربا(2).

ولعلّ السبب لاختيار الشيخ رحمه الله هذا المكان لهذا البحث رغم أنّ هذا البحث على العموم سار في تمام أبواب الفقه هو كثرة الابتلاء بضمان أموال الناس لمن لا يعرف مسائل التجارة.

ولكنّنا نحذف هذا البحث من هنا اختصاراً، فمن أراد الاطّلاع على ما ذكروه في هذا المكان رجع إلى المطوّلات كنفس كتاب المكاسب وتنقيح السيّد الخوئي.

والوجه في هذا الاختصار هو أنّ المكان الأنسب لهذا البحث وبوجهه العام هو مبحث شرائط الأُصول العملية التي تبحث في علم الأُصول حيث قد يقال هناك: إنّ إجراء الأُصول العملية في الشبهات الحكمية مشروط بالفحص عن الأحكام الفقهية، فنحن نحيل البحث المفصّل حول المسألة إلى ذاك الباب. كي ننتقل هنا إلى مبحث تلقّي الركبان فنقول:


(1) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص487 _ 488.

(2) کتاب المكاسب، ج4، ص337 _ 348.

530

حكم تلقّي الركبان

قال الشيخ رحمه الله في مكاسبه: لا خلاف في مرجوحية تلقّي الركبان بالشروط الآتية، واختلفوا في حرمته وكراهته، فعن التقي والقاضي والحلّي والعلّامة في المنتهى الحرمة، وهو المحكي عن ظاهر الدروس وحواشي المحقّق الثاني... ومستند التحريم ظواهر الأخبار»(1).

أقول: لنبدأ بنقل الروايات قبل الشروع في البحث. فقد روى في الوسائل عدّة روايات في المقام وهي:

1_ محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عبدالرحمن ابن الحجّاج(2) عن منهال القصّاب(3) قال: «قال أبو عبدالله(عليه السلام): لا تلقّ، فإنّ رسول الله(صل الله عليه وآله) نهي عن التلقّي. قال: وما حدّ التلقّي؟ قال: ما دون غدوة أو روحة. قلت: وكم الغدوة والروحة؟ قال: أربعة فراسخ. قال ابن أبي عمير: وما فوق ذلك فليس بتلقّ»(4). ورواه الشيخ بإسناده عن علي بن إبراهيم(5).

2_ محمد بن يعقوب عن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد وأحمد بن محمد(6) جميعاً عن ابن محبوب عن مثنّى الحنّاط(7) عن منهال القصّاب عن أبي عبدالله عليه السلام


(1) کتاب المكاسب، ج4، ص349 _ 350.

(2) قال النجاشي، ص238، عنه: وكان ثقة ثقة ثبتاً وجهاً.

(3) لم نجد دليلاً على توثيقه.

(4) وسائل الشيعة، ج17، ص442، الباب36 من أبواب آداب التجارة، ح1.

(5) تهذيب الأحکام، ج7، ص158، باب التلقي والحکرة من کتاب التجارات، ح4

(6) سواء كان هو ابن خالد أو ابن عيسى فهو ثقة.

(7) إن كان هو المثنّى بن راشد فقد روى منه ابن أبي عمير في من لا يحضره الفقيه، ج4، ص164، ح570، وقد غفل الشيخ عرفانيان(رحمه الله) عن ذكر ذلك في كتابه مشايخ الثقاة. وإن كان هو عبارة عن المثنّى بن الوليد أو المثنّى بن عبدالسلام فقد روى الكشّي عن محمد بن مسعود عن علي بن الحسن:«سلام ←

531

«قال: قال: لا تلقّ، ولا تشتر ما تلقّى، ولا تأكل منه»(1).

ورواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد(2).

3_ ورواه الصدوق(3) بإسناده عن منهال القصّاب(4) «أنّه سأل أبا عبدالله عليه السلام عن تلقّي الغنم؟ فقال: لا تلقّ، ولا تشتر ما تُلُقّي، ولا تأكل من لحم ما تُلقّي»(5).

4_ الكليني(6) عن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد وأحمد بن محمد جميعاً عن ابن محبوب عن عبدالله بن يحيى الكاهلي(7) عن منهال القصّاب قال: «قلت له: ما حدّ التلقّي؟ قال: روحة»(8).

ورواه الشيخ بإسناده عن ابن محبوب.

5_ وعن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبدالجبّار عن أحمد بن النضر(9) عن


والمثنّى بن الوليد والمثنّى بن عبدالسلام كلّهم حنّاطون كوفيّون لا بأس بهم» (رجال الکشي، ص338). هذا. وخصوص المثنّى بن عبدالسلام روى عنه البجلي والبزنطي، وإنّما لم نتمسّك في تصحيح مثنّى الحنّاط مباشرةً برواية الأزدي والبزنطي عن مثنّى الحنّاط لتردّده بين من عرفت من هؤلاء الثلاثة، فلا نعلم أنّ المقصود به هو المقصود بمثنّى الحنّاط في روايتنا.

(1) وسائل الشيعة، ج17، ص442، الباب36 من أبواب آداب التجارة، ح2.

(2) تهذيب الأحکام، ج7، ص158، باب التلقي والحکرة من کتاب التجارات، ح1.

(3) من لا يحضره الفقيه، ج3، ص273، باب التلقي من کتاب المعيشة،‌ح3989.

(4) السند صحيح ولكن المنهال مجهول.

(5) وسائل الشيعة، ج17، ص443، الباب36 من أبواب آداب التجارة، ح3

(6) الکافي، ج5، ص168، باب التلقي من أبواب آداب التجارة، ح3.

(7) قال النجاشي: «وكان عبدالله وجهاً عند أبي الحسن(عليه السلام)، ووصّى به علي بن يقطين، فقال له: اضمن لي الكاهلي وعياله أضمن لك الجنّة» رجال النجاشي، ص222.

(8) وسائل الشيعة، ج17، ص443، الباب36 من أبواب آداب التجارة، ح4.

(9) ثقة.

532

عمرو بن شمر(1) عن عروة بن عبدالله(2) عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله(صل الله عليه وآله): لا يتلقّى أحدكم تجارة خارجاً من المصر»(3).

ورواه الصدوق مرسلاً إلّا أنّه قال: أحدكم طعاماً(4).

ورواه الشيخ بإسناده عن أبي علي الأشعري(5).

6_ محمد بن علي بن الحسين قال: «روي أنّ حدّ التلقّي روحة، فإذا صار أربع فراسخ فهو جلب»(6).

وهذه الروايات جميعاً ضعيفة السند، ويحتمل رجوعها _ باستثناء الرواية الخامسة التي هي في غاية السقوط _ إلى رواية واحدة باعتبارها جميعاً منتهية بمنهال القصّاب والذي هو رجل مجهول. نعم، مرسلة الصدوق لم تذكر الراوي المباشر، ولكن احتمال كونها ناظرة لبعض الروايات الأُخرى المنتهية إلى منهال وارد.

وهناك عدّة طرق لتصحيح السند:

الطريق الأوّل: أن تضاف إلى الروايات الماضية روايات عامية نبوية جمعها البيهقي في السنن الكبرى(7) ضمن عشر روايات عن ابن مسعود وعبدالله بن عمر وابن عبّاس وأبي هريرة وهشام القردوسي عن رسول الله(صل الله عليه وآله)، وقاسمها المشترك النهي عن التلقّي، فيدّعی أنّه بإضافة هذه الروايات تصبح روايات النهي عن التلقّي واصلة إلى حدّ الاستفاضة فتورث الاطمئنان.


(1) قال النجاشي: ضعيف جدّاً. رجال النجاشي، ص287.

(2) لا دليل على وثاقته.

(3) وسائل الشيعة، ج17، ص443، الباب36 من أبواب آداب التجارة، ح5.

(4) من لا يحضره الفقيه، ج3، ص273، باب التلقي من کتاب المعيشة،‌ح3989.

(5) تهذيب الأحکام، ج7، ص158، باب التلقي والحکرة من کتاب التجارات، ح2

(6) وسائل الشيعة، ج17، ص444، الباب36 من أبواب آداب التجارة، ح6.

(7) السنن الکبری(للبيهقي)، ج5، ص568 _ 570.

533

إلّا أنّك ترى أنّ هذه الروايات العامية لا قيمة لها، فهذا الطريق باطل.

والطريق الثاني: أن يقال: إنّ أسانيد هذه الروايات الوارد عدد منها في الكافي للكليني(1) منجبرة بعمل الأصحاب؛ لأنّ الشيخ الأنصاري رحمه الله نقل في المكاسب: «لا خلاف في مرجوحية تلقّي الركبان بالشروط الآتية، واختلفوا في حرمته وكراهته... وعن الشيخ وابن زهرة: لا يجوز، وأوّل في المختلف عبارة الشيخ بالكراهة وهي [أي الكراهة] مذهب الأكثر، بل عن إيضاح النافع: أنّ الشيخ ادّعى الإجماع على عدم التحريم، وعن نهاية الأحكام: تلقّي الركبان مكروه عند أكثر علمائنا، وليس حراماً إجماعاً»(2). فإذا كان المشهور قد أفتوا بالكراهة فقد انجبر سند الأحاديث بعمل الأصحاب.

ويرد عليه _ لو آمنّا في علم الأُصول بجابرية عمل الأصحاب لسند الحديث _ : أنّ عمل الأصحاب بهذه الأحاديث غير واضح؛ إذ من المحتمل أن يكونوا تمسّكوا بقاعدة «من بلغ»، وأن يكونوا قد عطفوا بلوغ النهي والتنزيه ببلوغ الثواب، في حين أنّنا لا نؤمن أساساً بتلك القاعدة، وإنّما نؤمن بأنّ قاعدة «من بلغ» تنظر إلى نفس ثواب العمل بالرجاء.

والطريق الثالث: ما أفاده الشيخ الإصفهاني رحمه الله(3): من أنّه قد وقع في بعض طرق الرواية المنتهية إلى منهال القصّاب ابن أبي عمير وفي بعضها الحسن بن محبوب، وهما ممّن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه، وبهذا تنجبر مجهولية منهال القصّاب.

ويرد عليه: أنّنا لا نفهم من إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عن جماعة إلّا نفس كون هؤلاء الجماعة في منتهى درجات الوثاقة، لا حجّية خبر من أخبروا عنه أو غضّ النظر عن مجهولية من وقع بينهم وبين الإمام.


(1) الکافي، ج5، ص168، باب التلقي من کتاب المعيشة.

(2) کتاب المكاسب، ج4، ص349 _ 350.

(3) حاشية کتاب المكاسب(للإصفهاني)، ج3، ص411.

534

والطريق الرابع: وقوع ابن أبي عمير في سند من أسانيد حديث منهال القصّاب، وهو ممّن لا يروي ولا يرسل إلّا عن ثقة بحسب شهادة الشيخ الطوسي رحمه الله(1).

والجواب: أنّ هذه القاعدة لا تدلّ عندنا على أكثر من وثاقة من روی عنه ابن أبي عمير مباشرة وهو عبدالرحمن بن الحجّاج، وهو ممّن لا شكّ في وثاقته حتّى بغضّ النظر عن رواية ابن أبي عمير عنه؛ لأنّ النجاشي شهد بكونه ثقة ثقة ثبتاً وجهاً(2)، ولا تدلّ على وثاقة منهال القصّاب.

ثم إنّ الرواية الخامسة من الروايات الماضية التي رواها الكليني عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبدالجبّار عن أحمد بن النضر عن عمرو بن شمر(3) عن عروة بن عبدالله(4) عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله(صل الله عليه وآله): «لا يبيع حاضر لباد، والمسلمون يرزق الله بعضهم من بعض»(5). ورواه الشيخ بإسناده عن أبي علي الأشعري(6). ورواه الصدوق مرسلاً إلّا أنّه قال: ذروا المسلمين(7). والسند ضعيف، وفي معناه روايتان أُخريان(8) ضعيفتان.


(1) الفهرست، ص142.

(2) رجال النجاشي، ص238.

(3) قال النجاشي: ضعيف جدّاً. رجال النجاشي، ص287.

(4) لا دليل على وثاقته.

(5) وسائل الشيعة، ج17، ص444، الباب37 من أبواب آداب التجارة، ح1

(6) تهذيب الأحکام، ج7، ص158، باب التلقي والحکرة من کتاب التجارات، ح2.

(7) من لا يحضره الفقيه، ج3، ص273، باب التلقي من کتاب المعيشة،‌ح3989.

(8) وسائل الشيعة، ج17، ص445، الباب38 من أبواب آداب التجارة، ح2 و3: فالحديث الثاني هو ما رواه محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مرار عن يونس قال: «تفسير قول النبي(صل الله عليه وآله): لا يبيعنّ حاضر لباد، أنّ الفواكه وجميع أصناف الغلّات إذا حملت من القرى إلى السوق فلا يجوز أن يبيع أهل السوق لهم من الناس، ينبغي أن يبيعه حاملوه من القرى والسواد، فأمّا ←

535

ومعنى الحديث هو النهي عن بيع الحاضر في البلد للركب الذي جاء من البادية بسبب أنّ الحاضر باعتبار اطّلاعه على السعر الرائج في البلد سوف يبيعه لهم بذاك السعر، في حين أنّه لو كان البيع على يد نفس الركب فسيبيع عادة بالثمن الرخيص فيستفيد أهل البلد من ذلك والمسلمون يرزق الله بعض من بعض.

هذا، ومسألة النهي عن بيع حاضر لباد لا علاقة لها بمسألة النهي عن تلقّي الركبان، کما هو واضح.

وعلى أيّ حال فبما أنّ أصل الحكم في مرجوحية تلقّي الركبان لم يثبت عندنا فنحن نحذف التفاصيل الكثيرة المبحوثة في الكتب الفقهية في المقام محيلين لمن أرادها على الكتب المفصّلة في المقام من قبيل نفس كتاب المكاسب للشيخ رحمه الله والتنقيح للسيّد الخوئي(قدس سره).


من يحمل من مدينة إلى مدينة فإنّه يجوز ويجري مجرى التجارة». والسند _ كما تراه _ مقطوع. نعم، ناقله يونس بن عبدالرحمن وهو ثقة ولكن الناقل عن يونس بن عبدالرحمن هو إسماعيل بن مرار ولم تثبت وثاقته.

والحديث الثالث ما رواه الحسن بن محمد الطوسي في مجالسه عن أبيه عن ابن بشران عن إسماعيل بن محمد الصفّار عن جعفر بن محمد الصفّار عن جعفر بن محمد الورّاق عن عاصم عن قيس بن الربيع عن سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله(صل الله عليه وآله): «لا يبيع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض».

ونحن لم نعرف ابن بشران ولا إسماعيل بن محمد الصفّار ولا جعفر بن محمد الورّاق ولا عاصم. ولم تثبت وثاقة قيس بن الربيع ولا سفيان بن عيينة ولا أبي الزبير. وأظنّ أنّ المقصود بجابر هو جابر بن عبدالله الأنصاري.

536

حكم النجش

قال الشيخ رحمه الله: «يحرم النجش على المشهور كما في الحدائق، بل عن المنتهى وجامع المقاصد أنّه محرّم إجماعاً؛ لرواية ابن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «قال رسول الله(صل الله عليه وآله): الواشمة والمتوشمة والناجش والمنجوش ملعونون على لسان محمد(صل الله عليه وآله)»(1). وفي النبوي المحكي عن معاني الأخبار: «لا تناجشوا ولا تدابروا»(2) قال: ومعناه أن يزيد الرجل في ثمن السلعة وهو لا يريد شراءها ليسمع غيره فيزيد بزيادته والناجش خائن، والتدابر الهجران(3). انتهى كلام الصدوق. والظاهر أنّ المراد بزيادة الناجش مؤاطاة البائع المنجوش له»(4).

وقال الشيخ أيضاً في بحث المكاسب المحرّمة: «النجش _ بالنون المفتوحة والجيم الساكنة أو المفتوحة _ حرام؛ لما في النبوي المنجبر بالإجماع المنقول عن جامع المقاصد والمنتهى من لعن الناجش والمنجوش له وقوله(صل الله عليه وآله): «ولا تناجشوا»، ويدلّ على قبحه العقل؛ لأنّه غشّ وتلبيس وإضرار.

وهو كما عن جماعة أن يزيد الرجل في ثمن السلعة وهو لا يريد شراءها ليسمعه غيره فيزيد لزيادته بشرط المواطاة مع البائع أو لا بشرطها كما حكي عن بعض، وحكي تفسيره أيضاً بأن يمدح السلعة في البيع لينفقها ويروّجها لمواطاة بينه وبين البائع أو لا معها، وحرمته بالتفسير الثاني خصوصاً لا مع المواطاة يحتاج إلى دليل،


(1) وسائل الشيعة، ج17، ص458، الباب49 من أبواب آداب التجارة، ح2. والسند ضعيف بمحمد ابن سنان الذي روى هذا الحديث عن عبدالله بن سنان.

(2) المصدر السابق، ص459، ح4.

(3) تفسير النجش والتدابر من كلام الصدوق(رحمه الله) في معاني الأخبار، ص284. وقال محقّق كتاب الوسائل، ج17، ص459: «في المصدر: وأمّا التدابر فالمصارمة والهجران».

(4) کتاب المكاسب، ج4، ص355 _ 356.

537

وحكي الكراهة عن بعض»(1). انتهى كلام الشيخ رحمه الله.

أقول: لا أعرف كيف يجبر الإجماع المنقول سند رواية ضعيفة؟! وكذلك لم يثبت لدينا في علم الأُصول أنّ الشهرة الفتوائية تجبر ضعف السند وإن ثبت لدينا أنّ الإعراض يكسر السند؛ لأنّه يسلب الوثوق.

ثم لم يعلم كون مصدر رأي المشهور هي الرواية الضعيفة السند، فلعلّ مصدرهم ما ذكره الشيخ من فرض دلالة العقل على قبحه؛ لأنّه غشّ وتلبيس وإضرار. فالمهمّ أن نبحث في المقام مسألة الغشّ والتلبيس والإضرار.

فنقول: إن فسّر النجش بمعنى مدح السلعة في البيع لينفقها ويروّجها فهذا المدح إن كان كاذباً كفى في ثبوت حرمته دليل حرمة الكذب سواء فرض صدق الغشّ والتلبيس والإضرار أو لا، والظاهر صدق الغشّ أيضاً إن وقعت المعاملة على أساسه، فيحرم بحكم العقل وبروايات حرمة غشّ المسلم(2)، وإن لم يكن كاذباً لم يكن غشّ ولا تلبيس ولا إضرار.

وإن فسّر النجش بمعنى أن يزيد الرجل في ثمن السلعة وهو لا يريد شراءها، فإن صدق عرفاً على ذلك الكذب أو التورية _ الملحقة عندنا بالكذب _ لأنّه يوهم بأنّه أحد المشترين في حين أنّه ليس كذلك تكفي في حرمته حرمة الكذب، والظاهر صدق الغشّ أيضاً، وإن لم يصدق عرفاً ذلك فلا غشّ ولا تلبيس ولا إضرار. والمشتري الذي يشتري هذه السلعة بعد زيادة الناجش في السعر إنّما يفعل ذلك بمحض اختياره.


(1) المصدر السابق، ج2، ص61 _ 62.

(2) راجع وسائل الشيعة، ج17، ص279 _ 284، الباب86 من أبواب ما يكتسب به.

538

إذا دفع مالاً إلی غيره ليصرفه في محلّه

قال الشيخ؟ره؟ «إذا دفع إنسان إلی غيره مالاً ليصرفه في قبيل يکون المدفوع إليه منهم، ولم يحصل للمدفوع إليه ولاية علی ذلك المال من دون الدافع _ کمال الإمام أو ردّ المظالم المدفوع إلی الحاکم(1) _ فله صور»(2). ونقطة البحث في کلام الشيخ؟ره؟ أنّه هل يجوز للمدفوع إلیه أن يأخذ لنفسه مع انطباق العنوان علیه من هذا المال بما لا يزید علی ما یعطيه للآخرین أو حتی بما يزید أو لا؟

أقول: الکلام في ذلك قد يقع وفقاً لمقتضی القاعدة وأُخری بإدخال النصوص الخاصّة الواردة في الحساب:

أمّا الکلام وفق مقتضی القاعدة فهو أنّه متی ما کانت ولاية الصرف بذاته للمدفوع إلیه ولا يکسب الاختیار في الصرف من قِبل الدافع فله أن يتصرف في المال وفق ما يری ولا قيمة لرأي الدافع في المقام حتی في‌ما لو فرضنا أنّ الدافع یعتقد عدم ولاية المدفوع إليه، کما لو اعتقد الدافع أنّ ولاية سهم الإمام ليست بید الفقيه أو أنّ المدفوع إليه لیس بفقيه في حين أنّ المدفوع إليه يعتقد أنّه فقيه وأنّ ولاية مال الإمام بيد الفقيه.

ولا ينبغي أن يتوهّم أنّ الدافع إذا جعل مال الإمام أمانةً عنده لكي يصرفه في مصاريف معيّنة وجب عليه الوفاء بالأمانة؛ فإنّ اختيار تعيين المصاريف لم يكن بيد الدافع حتّى يجب على الفقيه المدفوع إليه الالتزام به.

نعم، قد يتّفق أنّ الدافع كان فقيهاً أيضاً وكان الرأي أنّ كلّ فقيه جامع للشرائط له حقّ تعيين مصرف سهم الإمام، وكان الرأي أيضاً أنّ أوّل فقيه جامع للشرائط كان بيده المال لو عيّن مصرفه تعيّن فعندئذٍ يجب على الفقيه الثاني الذي انتقل المال


(1) هذا مثال للمنفي لا للنفي، يعني أنّ مال الإمام ولايـته بید حاکم الشرع سواء شاء الدافع أو لا، وکذلك ردّ المظالم بناء علی الرأي القائل بأنّ ولايـته بید حاکم الشرع.

(2) کتاب المكاسب، ج4، ص357.

539

إليه عن طريق الفقيه الأوّل أن يفي بمقتضى الأمانة. والمفروض أن تبحث مباني ذلك في بحث ولاية الفقيه.

ومتى ما لم تكن الولاية أساساً بيد المدفوع إليه، وإنّما تحقّق له جواز الصرف من قبل الدافع، فمقتضى القاعدة الالتزام بتعاليم الدافع، فمع ظهور كلام الدافع ولو بالإطلاق في جواز أخذ المدفوع إليه المنطبق عليه العنوان يجوز له الأخذ بالمقدار الذي يتمّ فيه الظهور ولو الإطلاقي، ومع الظهور في الخلاف لا يجوز له ذلك، ومع الإجمال أيضاً لا يجوز له ذلك.

وقد يتّفق أن يكون منشأ الظهور في الخلاف أو الإجمال اعتقاد الدافع أو احتمال اعتقاده بعدم انطباق العنوان عليه، كما يتّفق أنّه حتّى مع هذا الاعتقاد من قِبل الدافع يكون ظاهر كلامه جعل المقياس واقع انطباق العنوان عليه، فيجوز له الأخذ لدى الانطباق.

روایات الباب

وأمّا أخبار الباب فقد قسّمت إلى طائفتين متعارضتين:

الطائفة الأُولى: ما دلّت على المنع عن الأخذ لنفسه وهي رواية واحدة:

وهي ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن عبدالرحمن بن الحجّاج قال: «سألته عن رجل أعطاه رجل مالاً ليقسمه في محاويج أو في مساكين وهو محتاج، أيأخذ منه لنفسه ولا يعلمه؟ قال: لا يأخذ منه شيئاً حتّى يأذن له صاحبه»(1).

وهذه الرواية مطابقة للقاعدة؛ لأنّ التقابل بين الموزّع والموزَّع عليه في ظاهر التعبير _ الذي يظهر أنّه تعبير المعطي _ يمنع عن فهم العرف الإطلاق من عنوان «محاويج» أو «مساكين»، وهو أمين فيما أُعطي، فيحرم عليه أن يأخذ من المال


(1) تهذيب الأحکام، ج6، ص352، باب المکاسب من کتاب المکاسب، ح121.

540

شيئاً حتّى يأذن له صاحبه.

الطائفة الثانية: ما دلّت على جواز الأخذ منه لنفسه مع فارق يسير فيما بينها في دائرة التصريح بالجواز وهي عبارة عن أربع روايات فرضت معارضة للطائفة الأُولى:

الرواية الأُولى: ما رواه محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن أبان بن عثمان عن سعيد بن يسار قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): الرجل يعطى الزكاة فيقسّمها في أصحابه، أيأخذ منها شيئاً؟ قال: نعم» (1).

ونحن نرى أنّ هذه الروايات لم تثبت معارضتها للقاعدة، ولم تثبت معارضتها للطائفة الأُولى، أعني: صحيحة ابن الحجّاج السابقة؛ إذ من المحتمل أن لا يكون مقصوده من قوله: «فيقسّمها بين أصحابه» فرض المعطي تقابلاً بين الموزَّع والموزَّع عليهم حتّى يمنع ذلك عن انعقاد إطلاق لعنوان «أهل الزكاة» لشمول نفس المعطى. هذا بناء على نسخة الوسائل.

وأمّا بناء على نسخة الكافي فحرف الفاء غير موجود على كلمة «يقسّمها»، فورد التعبير هكذا: «يعطى الزكاة يقسّمها في أصحابه»(2)، وهذه العبارة أيضاً لم يظهر منها أنّ التقابل بين الموزَّع والموزَّع عليهم كان موجوداً في لسان المعطي، وغاية ما هو موجود في العبارة هي أنّه وصف المعطى بوصفين: أحدهما أنّه يعطى الزكاة، والآخر أنّه يقسّمها في أصحابه.

وهذه هي النكتة فيما نقوله من عدم ثبوت التعارض بين الروايتين ولا بينها وبين مقتضى القاعدة، وليست النكتة في ذلك كون المال في الرواية الأُولى أمانة بيد المعطى فحَكَم الإمام عليه السلام بعدم جواز الأخذ لنفسه إلّا بإذن من المستأمن، وفي الرواية الثانية


(1) وسائل الشيعة، ج17، ص277، الباب84 من أبواب ما يكتسب به ، ح1؛ وأيضاً ورد في ج9، ص288، الباب40 من أبواب مستحقّين للزكاة، ح1.

(2) الكافي، ج3، ص555، باب الرجل يدفع إليه الشيء يفرّقه وهو محتاج إليه يأخذ لنفسه، ح1.

541

زكاةً والمعطى أيضاً كان مستحقّاً للزكاة فحَكَمَ الإمام عليه السلام بجواز الأخذ منه لنفسه؛ فإنّ هذا البيان يرد عليه أنّ المال في الرواية الثانية أيضاً أمانة رغم أنّه زكاة؛ لأنّ التحكّم في صرف الزكاة في مواردها يكون بيد صاحب الزكاة، لا بيد من اجتمعت عنده.

الرواية الثانية: ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن عبدالرحمن _ يعني ابن الحجّاج _ عن أبي عبدالله عليه السلام «في رجل أعطاه رجل مالاً ليقسّمه في المساكين وله عيال محتاجون، أيعطيهم منه من غير أن يستأذن صاحبه؟ قال: نعم»(1).

ونحن نعتقد أنّ هذه الرواية أيضاً لا هي معارضة للقاعدة ولا هي معارضة للطائفة الأُولى؛ لأنّ التقابل بين الموزَِّع والموزَّع عليهم إن كان يمنع عن انعقاد الإطلاق لنفس المعطى _ لأنّه الموزّع _ فما ذنب عياله الذين هم مصاديق للمساكين، وليسوا هم المعطى الموزَّع!!

الرواية الثالثة: ما رواه محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن الحسين بن عثمان عن أبي إبراهيم عليه السلام «في رجل أُعطي مالاً يفرّقه فيمن يحلّ له، أله أن يأخذ منه شيئاً لنفسه وإن لم يسمّ له؟ قال: يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره»(2).

وهذه الرواية بظاهرها الأوّلي تخالف القاعدة وتعارض الطائفة الأُولى، أعني: صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج الأُولى؛ لأنّها ظاهرة في التقابل في لسان المعطي بين الموزَّع والموزَّع عليهم؛ إذ لا قرينة يفهم منها المعطى أنّ هناك من يحلّ له شرعاً هذا المال وهناك من لا يحلّ له، إلّا أن تكون جملة: «يفرّقه في من يحلّ له» كلاماً


(1) وسائل الشيعة، ج17، ص277، الباب84 من أبواب ما يكتسب به، ح2.

(2) الکافي، ج3، ص555، باب الرجل يدفع إليه الشيء يفرّقه وهو محتاج إليه يأخذ لنفسه، ح2.

542

جری على لسان المعطي(1)، والتقابل في لسان المعطي بين الموزَّع والموزَّع عليهم يمنع عن انعقاد الإطلاق لشمول نفس المعطي:

أمّا مخالفتها للقاعدة فلا تضرّها، فما أكثر الروايات المخالفة للقاعدة، فهي تقدّم طبعاً على القاعدة.

وأمّا مخالفتها لصحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج الأُولى _ أعني الطائفة الأُولى _ فتعالج بتقديم هذه على الصحيحة الأُولى لابن الحجّاج من باب تقديم الخاصّ على العامّ؛ لأنّ صحيحة ابن الحجّاج وردت في رجل أعطاه رجل مالاً ليقسّمه في محاويج أو في مساكين، وهذا أعمّ من أن يكون المال حقّاً شرعيّاً أو يكون ملكاً للمعطي، في حين أنّ هذه الرواية مخصوصة بفرض الحقّ الشرعيّ؛ إذ عبّرت بتعبير: «في رجل أُعطي مالاً يفرّقه في من يحلّ له».

الرواية الرابعة: ما رواه محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس(2) عن عبدالرحمن بن الحجّاج قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسّمها ويضعها في مواضعها وهو ممّن تحلّ له؟ قال: لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره، قال: ولا يجوز له أن يأخذه إذا أمره أن يضعها في مواضع مسمّاة إلّا بإذنه»(3).

وهذه الرواية حالها حال الرواية السابقة، فهي بظاهرها الأوّلي تخالف القاعدة وتعارض صحيحة ابن الحجّاج الأُولى التي ذكرناها بعنوان الطائفة الأُولى؛ لأنّ التقابل في لسان المعطي بين الموزَّع والموزَّع عليهم يمنع عن انعقاد الإطلاق لشمول


(1) وهذا بخلاف الرواية الأُولى؛ فإنّ المصرّح فيها منذ البدء كان أنّ المال زكاة، وهذا لا يشهد على أكثر من تصريح المعطي بأنّه زكاة، أمّا لحاظ المعطي التقابل بين الموزَِّع والموزَّع عليهم فغير مفهوم من الكلام.

(2) الظاهر أنّه يونس بن عبدالرحمن.

(3) وسائل الشيعة، ج9، ص288، الباب40 من أبواب المستحقين للزکاة ووقت التسليم والنية، ح3.

543

نفس المعطي، فهي تقدّم على القاعدة، وأيضاً تقدّم على صحيحة ابن الحجّاج الأُولى بالأخصّية؛ لأنّ صحيحة ابن الحجّاج تشمل المال الذي يكون ملکاً طلقاً للمعطي، وهذه تختصّ بالمال الشرعي بقرينة قوله: «وهو ممّن تحلّ له» واستثنت هذه الرواية فرض ما إذا أمره المعطي أن يضعها في مواضع مسمّاة، فلا يجوز له أن يأخذ له شيئاً منه لنفسه إلّا بإذنه.

والنتيجة: أنّه متى ما كان المال ملكاً طلقاً للمعطي لم يجز للمعطى له أن يأخذ منه شيئاً لنفسه إلّا إذا دلّت القرينة الحالية أو المقالية أو ذكرٌ للمعطي ونحو ذلك على أنّ له ذلك، ومتى ما كان المال حقّاً شرعيّاً لعنوان منطبق على المعطى له جاز للمعطى له أن يأخذ لنفسه بمقدار ما يعطي لغيره إلّا إذا أمره المعطي أن يضعها في مواضع مسمّاة، فلا يجوز له أن يأخذ شيئاً منه لنفسه إلّا بإذنه.

كلّ هذا في ما إذا لم تكن أصل ولاية الأمر للمعطى له، وإلّا فهو يعمل وفق ولايته، كما هو واضح.