إسلام الزوجة الكتابيّة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين.
لو أسلمت الكتابيّة وزوجها يهودي أو مسيحي فهل تبين عنه من حين الإسلام أو بعد العدّة أو لا تبين؟
تدلّ على أصل البينونة صحيحة البزنطي قال: سألت الرضا عن الرجل تكون له الزوجة النصرانيّة فتسلم هل يحلّ لها أن تقيم معه؟ قال: «إذا أسلمت لم تحلّ له. قلت: فإنّ الزوج أسلم بعد ذلك أيكونان على النكاح؟ قال: لا، بتزويج جديد»(1).
وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله قال: «إذا أسلمت امرأة وزوجها على غير الإسلام فرّق بينهما»(2).
إلّا أنّنا نحمل ذلك على البينونة بعد العدّة بقرينة صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عن رجل مجوسي أو مشرك من غير أهل الكتاب كانت تحته امرأة فأسلم أو أسلمت؟ قال: «ينتظر بذلك انقضاء عدّتها، وإن هو أسلم أو أسلمت قبل أن تنقضي عدّتها فهما على نكاحهما الأوّل، وإن هو لم يسلم حتى تنقضي العدّة فقد بانت منه»(3).
ونحوها روايات واردة في خصوص المجوسي(4).
فلئن كان المجوسي والمشرك لا تبين امرأتهما التي أسلمت بينونة باتّة إلّا بعد العدّة فاليهودي والنصراني مثلهما أو أولى منهما بذلك.
وفي مقابل ما دلّ على البينونة ولو بعد العدّة روايات دالّة على عدم البينونة، من قبيل:
1 ـ ما رواه جميل بن درّاج عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما السلام): انّه قال: في اليهودي والنصراني والمجوسي إذا أسلمت امرأته ولم يسلم. قال: «هما على نكاحهما الأوّل، ولا يفرّق بينهما، ولا يترك أن يخرج بها من دار الإسلام إلى دار الكفر»(5).
2 ـ ما رواه علي بن إبراهيم عن أبيه عن بعض أصحابه عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر قال: إنّ أهل الكتاب وجميع من له ذمّة إذا أسلم أحد الزوجين فهما على نكاحهما، وليس له أن يخرجها من دار الإسلام إلى غيرها ولا يبيت معها، ولكنّه يأتيها بالنهار. وأمّا المشركون مثل مشركي العرب وغيرهم فهم على نكاحهم إلى انقضاء العدّة...»(6).
3 ـ رواية الكليني عن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمّد بن عيسى عن يونس قال: الذمّي تكون عنده المرأة الذميّة فتسلم امرأته قال: «هي امرأته يكون عندها بالنهار، ولا يكون عندها بالليل. قال: فإن أسلم الرجل ولم تسلم المرأة يكون الرجل عندها بالليل والنهار»(7).
وقد نقل عن الشيخ في النهاية والتهذيبين الإفتاء بعدم انفساخ النكاح بانقضاء العدّة إن كان الزوج قائماً بشرائط الذمة غير أنّه لا يمكّن من الدخول عليها ليلاً، ولا من الخلوة بها نهاراً، ولا من إخراجها إلى دار الحرب(1).
إلّا أنّ هذه الروايات كلّها ضعيفة السند، والأخيرة غير منتهية إلى المعصوم.
4 ـ رواية عبد الملك بن عمير القبطي عن أمير المؤمنين أنّه قال: للنصراني الذي أسلمت زوجته: «بضعها في يدك، ولا ميراث بينكما».(2)
إلّا أنّها أيضاً ساقطة سنداً.
5 ـ رواية عبد الرحمن البصري قال: قال أبو عبد الله: «قضى أمير المؤمنين في نصراني اختارت زوجته الإسلام ودار الهجرة أنّها في دار الإسلام لا تخرج منها، وأنّ بضعها في يد زوجها النصراني، وأنّها لا ترثه ولا يرثها»(3).
وعيب السند عبارة عن الغمز الموجود في سند الشيخ إلى علي بن الحسن بن فضّال.
والنتيجة إذاً هي الحكم بالبينونة بعد العدّة؛ لضعف الروايات المعارضة.
ثمّ إنّ توقّف البينونة الكاملة على العدّة مختصّ طبعاً بمن لها عدّة، فلا يشمل ذلك اليائس، ولا غير المدخول بها. وقد ورد في غير المدخول بها التصريح بذلك في بعض روايات الباب، وهي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن في نصراني تزوّج نصرانيّة فأسلمت قبل أن يدخل بها. قال: «قد انقطعت عصمتها منه، ولا مهر لها، ولا عدّة عليها منه»(4).
6 ـ بقيت في المقام صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر قال: سألته عن امرأة أسلمت ثمّ أسلم زوجها هل تحلّ له؟ قال: «هو أحقّ بها ما لم تتزوّج، ولكنّها تخيّر، فلها ما اختارت»(5).
والظاهر أنّ الرواية لا علاقة لها برجوع الزوج إليها ما لم تتزوّج رغم انتهاء العدّة، بل لعلّها تدلّ أيضاً على البينونة؛ فإنّ معنى «هل تحلّ له؟» أنّها هل أصبحت محرّمة عليه أو هي من النساء المحلّلات؟ فيقول الإمام: أنّها لا زالت من المحلّلات له، بل له ما لم تتزوّج نوع من الأولوية والأحقّيّة باعتباره زوجها الأوّل، إلّا أنّ هذه الأولوية ليست إلى حدّ الوجوب والتعيّن، فلها ما اختارت فإن شاءت تزوّجت به وإن شاءت تزوّجت بغيره أو لم تتزوّج.
وقد اتّضح بكلّ ما ذكرناه إلى الآن أنّ الصحيح ما عليه المشهور من أنّ الكتابيّة لو أسلمت بانت من زوجها الكتابي، ولكن بينهما العدّة، فلو أسلم قبل انقضاء العدّة رجع اليها، ولو لم يسلم إلّا بعد انقضاء العدّة كان خاطباً من الخطّاب.
إلّا أنّ للنظر فيما انتهينا إليه من النتيجة مجالاً؛ وذلك لأنّ ما مضت في البحث من الرواية الثانية من روايات عدم البينونة إنّما فرضنا عدم تمامية سندها بحسب ما ورد في متن الكافي حيث قال: علي بن ابراهيم عن أبيه(1) عن بعض أصحابه عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (2).
ولكن الوارد في التهذيب(3) والاستبصار(4) هكذا: ما رواه محمّد بن يعقوب عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن محمّد بن مسلم (فيتمّ السند) عن أبي جعفر قال: «إنّ أهل الكتاب وجميع من له ذمّة إذا أسلم أحد الزوجين فهما على نكاحهما، وليس له أن يخرجها من دار الإسلام إلى غيرها ولا يبيت معها، ولكنّه يأتيها بالنهار. وأمّا المشركون مثل مشركي العرب وغيرهم فهم على نكاحهم إلى انقضاء العدّة، فإن أسلمت المرأة ثمّ أسلم الرجل قبل انقضاء عدّتها فهي امرأته، وإن لم يسلم إلّا بعد انقضاء العدّة فقد بانت منه، ولا سبيل له عليها، وكذلك جميع من لا ذمّة له. ولا ينبغي للمسلم أن يتزوّج يهودية ولا نصرانيّة وهو يجد حرّة أو أمة».
وعليه، فيجب استئناف البحث أوّلا عن مدى إمكان إثبات صحة نسخة التهذيب والاستبصار وترجيحهما على نسخة الكافي بواسطة ملاحظة حال الطبقات، وأنّ إبراهيم بن هاشم هل يمكنه أن يروي بواسطة واحدة عن محمّد ابن مسلم أو لا؟ وثانياً عن أنّه كيف ينبغي التعامل مع هذه الرواية مع معارضتها التي مضت؟ وهل هناك من جمع بينهما أو لا؟
أمّا البحث الأوّل ـ فإبراهيم بن هاشم يعدّ من أصحاب الإمام الجواد ومن رواته(5)، وعدّه الكشي تلميذاً ليونس بن عبد الرحمن ومن أصحاب الرضا (6).
وتنظّر في ذلك النجاشي(7).
وقوّى السيد الخوئي (رحمه الله) نظر النجاشي باعتبار أنّ ابراهيم بن هاشم على ما عليه من كثرة رواياته حتى انّه روى عن مشايخ كثيرة يبلغ عددهم زهاء مئة وستين شخصاً لم توجد له رواية واحدة عن الرضا ولا عن يونس بن عبد الرحمن، فكيف يمكن أن يكون تلميذاً ليونس أو يكون من أصحاب الرضا ؟!(8).
وأمّا محمّد بن مسلم فقد عدّ من أصحاب الباقر والصادق والكاظم (عليهم السلام)(9)، ومات ـ على ما ينقل ـ في زمن الإمام الكاظم. لأنّه مات ـ حسب النقل ـ سنة مئة وخمسين، والإمام الكاظم ولد سنة مئة وثمان وعشرين. وهذا يعني أنّ الامام الكاظم كان له من العمر في سنة وفاة محمّد بن مسلم اثنتان وعشرون سنة.
ولو فرضنا أنّ إبراهيم بن هاشم كان في سنّ الإمام الجواد مثلاً ـ الذي ولد سنة خمس وتسعين ومئة من الهجرة، وتوفّي سنة عشرين ومئتين ـ فالفاصل بينه وبين محمّد بن مسلم يقارب حوالي سبعين سنة، فليس من المستحيل أن ينقل عن محمّد بن مسلم بواسطة شخص واحد، ولكنّه بعيد.
فإذا ضمّ إلى هذا الاستبعاد نقل الطوسي في التهذيبين الواسطة بين بعض الأصحاب وإبراهيم بن هاشم وهو محمّد بن أبي عمير رغم حذفه من الكافي الواصل بأيدينا، وضمّ إلى ذلك أنّه لم يعهد من إبراهيم بن هاشم النقل عن الإمام مرسلاً بعدم ذكر اسم الراوي، بينما هو معهود من ابن أبي عمير بعد أن فقد كتبه أو تلفت فاضطرّ أن ينقل كثيراً منها بالارسال، لعلّه يحصل من مجموع ذلك الاطمئنان بصحة نسخة التهذيبين.
وأمّا البحث الثاني ـ فلو صحّ تقييد صحيحة عبد الله بن سنان: «إذا أسلمت امرأة وزوجها على غير الإسلام فرّق بينهما»(1) بهذه الرواية وتخصيصها بغير الذمّي فارتكاب تقييد من هذا القبيل لصحيحة البزنطي مشكل؛ فإنّ صحيحة البزنطي تقول: سألت الرضا عن الرجل تكون له الزوجة النصرانيّة فتسلم هل يحلّ لها أن تقيم معه؟ قال: «لا، إذا أسلمت لم تحلّ له. قلت: فإنّ الزوج أسلم بعد ذلك، أيكونان على النكاح؟ قال: لا، بتزويج جديد»(2) وافتراض تقييد هذه الصحيحة بما إذا كان الزوج غير كتابي بعيد؛ فإنّ الكتابيّة لا تكون عادة زوجة للوثني أو الملحد.
وعندئذ نقول: إنّ ما ورد في رواية محمّد بن مسلم من التفصيل بين من له ذمّة وغير من له ذمّة يتحمل تفسيرين:
أحدهما ـ أن يكون المقصود بمن له ذمّة من له أهليّة الذمّة وهم الكتابيون، فعطف من له ذمّة على أهل الكتاب يكون من قبيل عطف المرادف. على المرادف. وعليه، يقع التعارض التامّ بين هذه الرواية وصحيحة البزنطي، فكلتاهما واردتان في أهل الكتاب.
وثانيهما ـ أن يكون المقصود بمن له ذمّة من يكون من الكتابيين في ذمّة الإسلام في مقابل من هم في دار الحرب، فقد يفترض أنّ رواية محمّد بن مسلم تخصّص صحيحة البزنطي بالنصراني المتواجد في دار الحرب إلّا أنّ هذا بعيد؛ فإنّ المتيّقن من مثل هذا السؤال مع تعارف تواجد الكتابيين في ذمّة الإسلام هو النظر إلى من هم أقرب إلى محلّ الابتلاء، وهم المتواجدون في بلاد الإسلام، وتخصيصه بغيرهم بعيد.
وإذا استحكم التعارض وصلت النوبة إلى المرجّحات، والمرجّحات الأساسيّة اثنان:
المرجّح الأوّل ـ موافقة الكتاب، فقد يقال: إنّ روايات انفساخ العقد هي المطابقة لإطلاق الكتاب، وهو قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَات فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَات فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾(3).
إلّا أنّ إثبات إطلاق هذه الآية للنساء الذمّيات اللاتي أسلمن مشكل:
أوّلا ـ لأنّ الآية ناظرة إلى نساء أهل الحرب في قصّة صلح الحديبيّة، وليس نساء أهل الذمّة.
إلّا أن يفسّر أهل الذمّة في المقام بمعنى مطلق أهل الكتاب، أي الذين فيهم قابليّة الدخول في الذمّة، لا بمعنى الملتزمين بشرائط الذمّة أو الداخلين تحت الذمّة بالفعل.
وثانيـاً ـ لأنّ شمول إطلاق الآية للكتابيين مشكل؛ لأنّها ناظرة إلى المشركين الذين هم طرف القضيّة في قصّة صلح الحديبيّة، واستقرار المصطلح المتشرّعي الموجود لدينا اليوم على أنّ الكافر يعني مطلق غير المسلم كتابياً كان أو غير كتابي غير واضح بالنسبة لزمان نزول الآية كي يتمسّك بالإطلاق؛ فإنّ الكافر بمعناه الأوّلي وقبل استقرار الاصطلاح على المطلق يناسب إرادة الكافر بالتوحيد، وهم المشركون أو الملحدون، كما يناسب إرادة مطلق الكافر بالإسلام، فتصبح الآية مجملة بهذا الصدد.
والمرجّح الثاني: مخالفة العامّة، وهي توجب رجحان الطائفة الثانية الدالّة على عدم الانسفاخ؛ لأنّ المشتهر شهرة عامة بينهم كالمشتهر لدى الشيعة أيضاً هو الانفساخ ولو بعد العدّة.
والاشتهار لدى الشيعة لا يضعّف روايات عدم الانفساخ؛ لعدم معلوميّة الإعراض، إذ لعلّهم قدّموا روايات الانفساخ باعتقاد موافقة الكتاب مثلاً أو بتخيّل الجمع العرفي ونحو ذلك، ولكن الاشتهار لدى السنّة يوجب حملها على التقيّة.
أمّا المصدر لما قلناه من أنّ روايات الانفساخ تطابق العامة فهو ما ورد في الموسوعة الفقهيّة الكويتيّة، والنصّ ما يلي:
«وأمّا إن أسلمت الكتابيّة قبله وقبل الدخول تعجّلت الفرقة سواء أكان زوجها كتابياً أو غير كتابي؛ إذ لا يجوز لكافر نكاح مسلمة. قال ابن المنذر: أجمع على هذا كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم، والصحيح أنّ في المسألة خلاف أبي حنيفة إذا كان في دار الإسلام فإنّه لا فرقة إلّا بعد أن يعرض عليه الإسلام فيأبى...
أمّا إن كان إسلام أحد الزوجين الوثنيين أو المجوسيين أو زوجة الكتابي بعد الدخول ففي المسألة ثلاثة اتّجاهات:
الأوّل ـ يقف الأمر على انقضاء العدّة، فإن أسلم الآخر قبل انقضائها فهما على النكاح، وإن لم يسلم حتى انقضت العدّة وقعت الفرقة منذ اختلف الدينان، فلا يحتاج إلى استئناف العدّة. وهذا قول الشافعي، ورواية أحمد.
الثاني ـ تتعجّل الفرقة. وهذا رواية عن أحمد، وقول الحسن وطاووس.
الثالث ـ يعرض الإسلام على الآخر إن كان في دار الإسلام. وهو قول أبي حنيفة كقوله في إسلام أحدهما قبل الدخول، إلّا أنّ المرأة إذا كانت في دار الحرب فانقضت مدّة التربص وهي ثلاثة أشهر أو ثلاثة حيض وقعت الفرقة، ولا عدّة عليها بعد ذلك؛ لأنّه لا عدّة على الحربيّة.
وإن كانت هي المسلمة فخرجت إلينا مهاجرة فتمّت الحيض هنا، فكذلك عند أبي حنيفة. وقال الصاحبان: عليها العدّة»(1)(2). انتهى ما أردنا نقله عن الموسوعة الفقهيّة الكويتيّة.
ثمّ إن المسألة التي أصبحت محلّ الابتلاء في زماننا هذا في البلاد الاوروبيّة والغربيّة هي اتّجاه كثير من نسائهم إلى الإسلام هرباً من التفسّخ الخُلقي المنتشر في تلك البلاد، والتي تكون النساء فيه هي الضحيّة الاُولى أو لأيّ عامل آخر، فلو حكم عليهنّ بالانفصال عن أزواجهنّ أدّى ذلك إلى ارتداد أكثرهنّ إلى الكفر مرّة اُخرى هرباً من الانفصال عن الأزواج في حين انّه لو أفتينا بعدم انفساخ العقد كسبناهنّ للإسلام، وقد يؤثّرن بالتدريج على أزواجهنّ.
ومن هنا قد يقال: إنّ البحث السابق لا ينفعنا شيئاً بصدد حلّ هذه المشكلة؛ لأنّنا لو سلّمنا تقديم الطائفة الثانية من الروايات الدالّة على عدم الانفساخ بمخالفة العامّة أو فرضنا تساقط الروايات بالتعارض أو أخذنا بالطائفة الثانية بناء على التخيير لدى التعارض فهذا إنّما يحلّ المشكلة بالنسبة لنساء الذمّيين، في حين أنّ هؤلاء ليسوا ذمّيين. اللهم إلّا إذا فسّر أهل الذّمة بمعنى من له قابليّة الذمّة، وهم الكتابيون حتى القاطنون في دار الكفر.
وقد يقال: إنّنا بأيّ تفسير فسّرنا الذمّي يقع التعارض بين الطائفتين، فإذا أسقطنا روايات الانفساخ بوجه من الوجوه لم يبقَ دليل على الانفساخ بالنسبة للكتابيين القاطنين في دار الكفر؛ لأنّ الدليل عبارة عن تلك الروايات، فلنفترض أنّ روايات عدم الانفساخ لم تشملهم، لكنّه يكفينا عدم بقاء دليل يدلّ على الانفساخ، فنجري استصحاب بقاء علقة الزوجيّة.
إلّا أنّ هذه النتيجة مشكلة؛ وذلك بعد وضوح أنّ ظاهر عنوان أهل الذمّة أو الذمّي أو من له ذمّة ونحو ذلك هي الذمّة الفعليّة، لا مجرّد من له قابليّة الذمّة.
وعندئذ نقول: إنّ في روايات إقرار النكاح وإبقائه على حاله رغم إسلام المرأة ما صرّح بشرط الذمّة في ذلك، وهي ما مضى من رواية ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن محمّد بن مسلم. وهي وإن كانت معارَضة بما دلّ على انفساخ النكاح بعد العدّة، لكنّنا قد نقّحنا في علم الاُصول أنّ الخبرين المتعارضين ينفيان الثالث. وفي المقام قد دلّ أحد المتعارضين على انفساخ نكاح الكتابي بإسلام امرأته بعد انتهاء العدّة ولو كان ذمّياً، ودلّ الآخر على التفصيل بين الذمّي وغير الذمّي بالانفساخ في الثاني دون الأوّل، فالإفتاء بعدم الانفساخ حتى في غير الذمّي يعني الإفتاء بأمر ثالث مرفوض من قبل كلتا الطائفتين. وعليه، فالمتيقّن من الطائفتين انفساخ نكاح نساء الكتابيين الذين يعيشون في هذه الأيّام في بلاد الكفر.
وأمّا حلّ المشكلة الاجتماعيّة التي أشرنا اليها فينحصر في كتمان حكم الانفساخ عليهنّ لمصلحة إبقائهنّ على الإسلام، أمّا الإفتاء بعدم الانفساخ فلا سبيل إليه.
هذا كلّه بناءً على التعارض بين الطائفتين.
أمّا لو قلنا بأنّ روايات حصول البينونة مطلقة من ناحية فعليّة الذمّة وعدمها، فرواية التفصيل بين من له الذمّة وغيره تقدّم عليها بعد حملها على إرادة فعليّة الذمّة لا من له أهليّة الذمّة فالأمر أوضح.