فإذا ضمّ إلى هذا الاستبعاد نقل الطوسي في التهذيبين الواسطة بين بعض الأصحاب وإبراهيم بن هاشم وهو محمّد بن أبي عمير رغم حذفه من الكافي الواصل بأيدينا، وضمّ إلى ذلك أنّه لم يعهد من إبراهيم بن هاشم النقل عن الإمام مرسلاً بعدم ذكر اسم الراوي، بينما هو معهود من ابن أبي عمير بعد أن فقد كتبه أو تلفت فاضطرّ أن ينقل كثيراً منها بالارسال، لعلّه يحصل من مجموع ذلك الاطمئنان بصحة نسخة التهذيبين.
وأمّا البحث الثاني ـ فلو صحّ تقييد صحيحة عبد الله بن سنان: «إذا أسلمت امرأة وزوجها على غير الإسلام فرّق بينهما»(1) بهذه الرواية وتخصيصها بغير الذمّي فارتكاب تقييد من هذا القبيل لصحيحة البزنطي مشكل؛ فإنّ صحيحة البزنطي تقول: سألت الرضا عن الرجل تكون له الزوجة النصرانيّة فتسلم هل يحلّ لها أن تقيم معه؟ قال: «لا، إذا أسلمت لم تحلّ له. قلت: فإنّ الزوج أسلم بعد ذلك، أيكونان على النكاح؟ قال: لا، بتزويج جديد»(2) وافتراض تقييد هذه الصحيحة بما إذا كان الزوج غير كتابي بعيد؛ فإنّ الكتابيّة لا تكون عادة زوجة للوثني أو الملحد.
وعندئذ نقول: إنّ ما ورد في رواية محمّد بن مسلم من التفصيل بين من له ذمّة وغير من له ذمّة يتحمل تفسيرين:
أحدهما ـ أن يكون المقصود بمن له ذمّة من له أهليّة الذمّة وهم الكتابيون، فعطف من له ذمّة على أهل الكتاب يكون من قبيل عطف المرادف. على المرادف. وعليه، يقع التعارض التامّ بين هذه الرواية وصحيحة البزنطي، فكلتاهما واردتان في أهل الكتاب.
وثانيهما ـ أن يكون المقصود بمن له ذمّة من يكون من الكتابيين في ذمّة الإسلام في مقابل من هم في دار الحرب، فقد يفترض أنّ رواية محمّد بن مسلم تخصّص صحيحة البزنطي بالنصراني المتواجد في دار الحرب إلّا أنّ هذا بعيد؛ فإنّ المتيّقن من مثل هذا السؤال مع تعارف تواجد الكتابيين في ذمّة الإسلام هو النظر إلى من هم أقرب إلى محلّ الابتلاء، وهم المتواجدون في بلاد الإسلام، وتخصيصه بغيرهم بعيد.
وإذا استحكم التعارض وصلت النوبة إلى المرجّحات، والمرجّحات الأساسيّة اثنان:
المرجّح الأوّل ـ موافقة الكتاب، فقد يقال: إنّ روايات انفساخ العقد هي المطابقة لإطلاق الكتاب، وهو قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَات فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَات فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾(3).
إلّا أنّ إثبات إطلاق هذه الآية للنساء الذمّيات اللاتي أسلمن مشكل:
أوّلا ـ لأنّ الآية ناظرة إلى نساء أهل الحرب في قصّة صلح الحديبيّة، وليس نساء أهل الذمّة.