395

ثم نقل الشيخ عن جماعة «بأنّه إذا فسخ رجع بقيمة أُمّ الولد، [قال رحمه الله:] ولعلّه لصيرورتها بمنزلة التالف، والفسخ بنفسه لا يقتضي إلّا جعل العقد من زمان الفسخ كأن لم يكن، وأمّا وجوب ردّ العين فهو من أحكامه لو لم يمتنع عقلاً أو شرعاً والمانع الشرعي كالعقلي»(1). وإن شئت تمام كلام الشيخ راجع متن المكاسب.

وأقول: صحيح أنّ الفسخ إنّما يقتضي ارتفاع العقد من حين الفسخ وذلك يقتضي ردّ العين لو لم يمتنع عقلاً ولا شرعاً وإلّا رُدّت القيمة، ولكن في المقام لا يوجد مانع عقلي عن ردّ العين ولا مانع شرعي؛ لأنّ هذا ليس نقلاً من قِبل المولى حتّى يشمله دليل المنع. ولعلّ الشيخ أشار إلى ذلك في نهاية كلامه بأمره بالتأمّل(2).

وقد اتّضح بذلك أنّ هذا أيضاً لا علاقة له بالاستثناء.

ومن أمثلة هذا القسم أيضاً: «ما إذا كان علوقها بعد اشتراط أداء مال الضمان منها بناء على ما استظهر الاتّفاق عليه من جواز اشتراط الأداء من مال معيّن فيتعلّق به حقّ المضمون له، وحيث فرض سابقاً على الاستيلاد فلا يزاحَم به على قول محكي في الروضة»(3).

وتوضيح المطلب: أنّ لدينا عقداً في الفقه باسم الضمان يُنقل فيه دين المدين إلى ذمّة الضامن، ويقال: إنّ من حقّ المضمون له أن يشترط على الضامن أداء الضمان بمال خاص، فلو اشترط عليه قبل علوق هذه الأمة أداء الضمان بهذه الأمة ثم علقت بوطئها من قبل المولى الذي هو الضامن فقد تعلّق حقّ الضمان بهذه الأمة قبل حقّ الاستيلاد فيتقدّم ذلك على حقّ الاستيلاد فينقلها المولى إلى المضمون له رغم أنّها أُمّ ولد.


(1) المصدر السابق.

(2) المصدر السابق، ص150.

(3) المصدر السابق.

396

وقد علّق على ذلك الشيخ الإصفهاني رحمه الله بقوله: «لا يخفى عليك أنّ اشتراط أداء المضمون به بمال معيّن إمّا أن يقتضي تعلّق حقّ شرعي بالمال الخاص زيادة على ما يملكه المضمون له في ذمّة الضامن، وإمّا أن يقتضي مجرّد التكليف بالوفاء بتفريغ ذمّته بدفع المال الخاص، وإمّا أن لا يقتضي الشرط حقّاً ولا حكماً تكليفيّاً، بل يقتضي انقلاب العقد اللازم جائزاً، فله فسخ عقد الضمان ورجوع المضمون له إلى المضمون عنه.

فإن قلنا بالأوّل كان هناك حقّان: حقّ المشترط له وحقّ الاستيلاد، فيأتي حديث سبق حقّ الشرط وتقديمه بمجرّده [يعني بمجرّد التقديم] على حقّ الاستيلاد، وكلا الأمرين محلّ إشكال [يعني أنّ تعلّق حقّ شرعي بالمال الخاص محلّ إشكال؛ لأنّ الشرط لا يؤثّر إلّا على المشروط عليه لا أكثر(1)، وكون تقدّمه على العلوق يوجب تقدّمه على حقّ أُمّ الولد أيضاً محلّ إشكال، فإنّ صيرورتها أُمّ ولد بحكم التلف وتمنع المولى الضامن عن القدرة على الوفاء بالشرط].

وإن قلنا بالثاني فلا ينتج إلّا حرمة الاستيلاد وهي غير مانعة عن ترتّب حكمه عليه بعد تحقّقه.

وإن قلنا بالثالث فالأمر أوضح.

نعم، رجوع المضمون له إلى المضمون عنه بفسخ عقد الضمان خلاف المشهور، إلّا أنّه لا مانع منه عقلاً ونقلاً؛ لكفاية إطلاقات الأدلّة، ولا موجب للالتزام بأنّ عقد الضمان لا يدخله الخيار، فتدبّر»(2). انتهى كلام الشيخ الإصفهاني رحمه الله.

أقول: الخيار هنا عبارة عن خيار تخلّف الشرط، فإن كان هذا الفسخ لا يوجب دفع الضرر الناتج من تخلّف الشرط كما هو الحال في المقام _ فإنّه لو فسخ المشروط


(1) يمكن أن يفترض تعلّق حقّ شرعي بالمال الخاص عن طريق شرط النتيجة بناء على الإيمان به.

(2) حاشية كتاب المكاسب (للإصفهاني)، ج3، ص257 _ 258.

397

له ورجع إلى المضمون عنه لم يحصل على الأمة _ فرأي المشهور من عدم رجوع المضمون له إلى المضمون عنه بالفسخ رأيٌ متين. نعم، لو فرضنا أنّ الضامن أخلف أصل الوفاء بالضمان ولم يمكن إجباره على ذلك ففسخ المضمون له ورجوعه إلى المضمون عنه أمر معقول.

وعلى أيّ حال فقد اتّضح بهذا العرض أنّ كون هذا الفرع من فروع الاستثناء من حرمة نقل أُمّ الولد لا أساس له.

ومن أمثلة هذا القسم أيضاً: ما إذا كان علوقها بعد نذر جعلها صدقة إذا كان النذر مشروطاً بشرط لم يحصل قبل الوطء ثم حصل بعده.

وإنّما فرض النذر مشروطاً لأنّهم قالوا: إنّ النذر المطلق يخرج المنذور كونه صدقة عن ملك الناذر بمجرّد النذر، فبناءً على هذا ليست أمة له حتّى تصبح أُمّ ولد.

وإنّما فرض كون العلوق قبل تحقّق الشرط لنفس النكتة التي أشرنا إليها؛ لأنّه بعد تحقّق الشرط يقال: إنّها خرجت عن كونها أمة له، فلا تصبح بالعلوق أُمّ ولد له. أمّا إذا كان النذر مشروطاً فعلقت قبل تحقّق الشرط فقد أصبحت أُمّ ولد له؛ لأنّها علقت في حين كونها أمة له ثم تحقّق الشرط، ولكن يدّعى أنّ نفس النذر المعلّق على شرط حينما صدر من الناذر ثبّت للمتصدّق عليه حقّاً على هذه الأمة، وهذا الحقّ سابق على حقّ الاستيلاد فيتقدّم عليه.

ولكن يمكن أن يناقش ذلك بأمرين:

أحدهما: أنّ ثبوت حقّ للمتصدّق عليه على الأمة قبل تحقّق الشرط غير واضح.

والآخر: أن يقال: إنّ استيلادها كإتلافها، فيحصل الحنث.

وأفاد الشيخ الإصفهاني رحمه الله کلاماً استلهمنا منه ما يلي مع تلخيص وتغيير، فنقول: إنّ النذر إمّا مطلق أو معلّق على أمر، وعلى أيّ تقدير إمّا بنحو نذر النتيجة أو بنحو نذر الفعل:

398

فإن كان بنحو نذر النتيجة وكان مطلقاً وقلنا بصحّة هكذا نذر فالمنذور خارج عن ملك الناذر فعلاً، فلا يترتّب على استيلاد الأمة أثر أصلاً، فيخرج عن محلّ الكلام.

وإن كان بنحو نذر النتيجة وكان معلّقاً فاستولدها الناذر قبل حصول المعلّق عليه فهو محلّ الكلام.

نعم، إن كان تعليقه على الشرط بنحو الشرط المتأخّر فتحقّق الشرط يكشف عن أنّه كانت قد خرجت من ملكه منذ نذره للتصدّق بنذر النتيجة، فكان الاستيلاد استيلاداً في ملك الغير، ولا أثر له أيضاً كالفرض الأوّل.

فلنفترض أنّ الشرط كان بنحو الشرط المقارن أو كان بنحو الشرط المتقدّم ولكن انكشف أنّه لم يكن الشرط حاصلاً فلا ملك للمتصدّق عليه قبل حصول المعلّق عليه، والاستيلاد واقع في ملك المستولد لها، لا في ملك غيره، وذلك علّة تامّة في صيرورتها أُمّ ولد، ولم يكن النذر في ذاك الوقت إلّا مقتضياً لصيرورتها ملكاً للمتصدّق عليه، ولا أثر لهذا المقتضي في منع العلّة التامّة عن التأثير.

وإن كان بنحو نذر الفعل وكان مطلقاً فالاستيلاد قبل التصدّق واقع في الملك ويؤثّر أثره، ويحصل بذلك الحنث للنذر.

وإن كان بنحو نذر الفعل وكان معلّقاً فاستولدها قبل حصول الشرط المعلّق عليه فالأمر هنا أوضح، أي: لا إشكال في أنّ الاستيلاد يؤثّر أثره ويحرم نقلها، ولكن هنا لا حنث في المقام، بل النذر منحلّ؛ لأنّ نقلها في وقته أصبح مرجوحاً بالدليل الذي حرّم نقل أُمّ الولد.

وكون مرجوحيّته بسبب الفعل العمدي لهذا المولى من الاستيلاد قبل حصول المعلّق عليه لا يمنع انحلال النذر بالمرجوحية .

بل يمكن أن يقال الكلام نفسه في نذر النتيجة أيضاً إذا كان معلّقاً وبنحو جاز له الاستيلاد قبل حصول المعلّق عليه فَفَعَلَ فهنا أيضاً ينحلّ النذر بالمرجوحية، فإنّ

399

شرط النتيجة كشرط الفعل في اشتراط عدم المرجوحية(1).

وقد اتّضح بما عرضناه أنّ المسألة بجميع شقوقها خارجة عمّا نحن فيه، وهو الاستثناء عن حرمة بيع أُمّ ولد.

ومن أمثلة هذا القسم أيضاً: أي: ما يكون جواز البيع لحقّ سابق على الاستيلاد: ما إذا كان علوقها من مكاتب مشروط ثم فسخت كتابته.

قال الشيخ الأنصاري في مكاسبه: «فللمولى أن يبيعها _ على ما حكاه في الروضة عن بعض الأصحاب _ بناء على أنّ مستولدته أُمّ ولد بالفعل غير معلّق على عتقه ]أي: غير معلّق على انعتاق ذاك المكاتب المشروط [فلا يجوز له بيع ولدها ]لأنّه حرّ فلا يجوز لذاك المكاتب بيع ولدها باعتباره نتاجاً لمملوكته[»(2).

وتوضيح المقصود: أنّنا نفترض أنّ زيداً مكاتب مشروط لي وقبل أدائه لتمام مال الكتابة اشترى أمة واستولدها وأفتينا بأنّ المكاتب المشروط قبل دفع تمام مال الكتابه بحكم الحرّ، أي: أنّ ولده منها يكون حرّاً فقد أصبحت أُمّ ولد لزيد، وبعد ذلك فسخت أنا الكتابة؛ لأنّ ذاك المكاتب عجز عن أداء كلّ المبلغ، فرجعت أمته رقّاً لي فأحببتُ بيع أمته، وسبب حقّي لبيع تلك الأمة هو أنّ المكاتب كان _ من قبل المكاتبة واستيلاده لأمته _ عبداً لي، وهذا حقّ سابق على الاستيلاد.

أقول: لو وافقنا على كلّ هذه التصوّرات فالبائع للأمة ليس هو من كانت أُمّ ولد له وهو زيد، بل يتمّ البيع حتّى لو لم يرض هو بالبيع، فهذا الفرع أجنبي عن مسألة الاستثناء.

وأمّا القسم الرابع _ وهو ما يكون جواز البيع لعدم تحقّق الحكمة المانعة عن النقل _ فقد ذكر الشيخ الأنصاري رحمه الله لتصوير ذلك فرض عدم توريث الولد من أبيه لأحد موانع الإرث أو لعدم ثبوت النسب من طرف الأُمّ أو الأب واقعاً _ لفجور _ أو ظاهراً باعتراف(3).


(1) حاشية كتاب المكاسب (للإصفهاني)، ج3، ص258 _ 260.

(2) کتاب المکاسب، ‌ج4، ص151.

(3) راجع المصدر السابق، ص151 _ 152.

400

وقد أفاد الشيخ النائيني رحمه الله ما نصّه: «لا يخفى أنّه بعد ما علم من أنّ المدار في انعتاق أُمّ الولد إرث الولد منها، فإذا حرم من الإرث لأحد موانع الإرث من القتل أو الارتداد أو لعدم تحقّق العلوق على وجه ينسب الولد إلى أحد أبويه فلا مانع من بيعها؛ لأنّه لا أثر لإبقائها في ملكه»(1).

أقول: يمكن افتراض طروّ أحد موانع الإرث استثناءً من دليل حرمة البيع، وذلك بدعوى أنّ مفهوم الغاية في صحيحة ابن مارد: «...إن شاء باع ما لم يحدث عنده حمل بعد ذلك وإن شاء أعتق»(2) له إطلاق للمنع عن البيع في كلّ الحالات، فموارد طروّ المانع عن الإرث استثناء من ذلك. أمّا فرض عدم تحقّق النسب من طرف الأُمّ أو الأب واقعاً _ لفجور _ أو ظاهراً _ باعتراف _ فمن الواضح كونه تخصّصاً لا تخصيصاً.

هذا تمام كلامنا في الموارد التي ذكرها الشيخ رحمه الله لاستثناءات حرمة بيع أُمّ الولد.

أثر الرهن علی سلطنة المالك علی ملکه

ومن أسباب خروج الملك عن كونه طلقاً كونه مرهوناً، قال الشيخ الأنصاري رحمه الله(3): «فإنّ الظاهر _ بل المقطوع به _ الاتّفاق على عدم استقلال المالك في بيع ملكه المرهون، وحكي عن الخلاف إجماع الفرقة وأخبارهم على ذلك، وقد حكي الإجماع عن غيره أيضاً. وعن المختلف _ في باب تزويج الأمة المرهونة _ : أنّه أُرسل عن النبي(صل الله عليه وآله) أنّ: «الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرّف»(4).

أقول: حرمة تصرّف الراهن في العين المرهونة بالشكل المنافي لحقّ المرتهن بعد


(1) راجع منية الطالب، ج2، ص327.

(2) وسائل الشيعة، ج23،ص172، الباب4 من أبواب الاستيلاد، الحديث الوحيد في الباب، وج21، ص201، الباب85 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث الوحيد في الباب.

(3) کتاب المكاسب، ج4، ص153.

(4) مستدرك الوسائل، ج13، ص426، الباب17 من أبواب کتاب الرهن، ح15804؛ نقلاً عن درر اللآلي.

401

فرض تمامية عقد الرهن ليست بحاجة إلى بحث.

وفائدة فرض رواية دالّة على حرمة التصرّف هي الاستفادة منها أكثر من هذا المقدار المقطوع به والثابت على القاعدة، ولكنّنا لم نجد رواية تدلّ على ذلك يمكن دعوى الإطلاق فيها إلّا هذه الرواية التي نقلها الشيخ عن المختلف، وهي عبارة عن مرسلة درر اللآلي، ولا قيمة لها إطلاقاً.

والكلام يقع في مسائل ثلاث:

الأُولى: أنّ التصرّفات غير المنافية لحقّ الرهن هل تكون أيضاً محرّمة، أو لا؟

والثانية: أنّ البيع هل يعتبر تصرّفاً منافياً لحقّ المرتهن، أو لا؟

والثالثة: أنّ تصرّف الراهن بإيقاع عقد على العين بنحو ينافي حقّ الرهن هل يكون باطلاً على الإطلاق أو يقع موقوفاً على إجازة المرتهن أو سقوط حقّه بإسقاطه أو بالفكّ؟

أمّا المسألة الأُولى: وهي التصرّف غير المنافي لحقّ الرهن، ومثاله ما لو آجر الراهن الدار لمدّة شهر مثلاً في حين أنّ الدار كانت مرهونة لشهرين، أي: لم يكن من حقّ المرتهن بيع الدار إلّا إذا تأخّر أداء الدين أكثر من شهرين، وافترضنا أنّ إيجاره للبيت شهراً واحداً لم يكن يستهلك البيت بما يوجب نقصاً في قيمته، فمن الواضح أنّ هذا لا ينافي حقّ المرتهن ولا موجب لبطلانه عدا ما عرفته من النبويّ المنقول عن درر اللآلي والذي هو ساقط سنداً تمام السقوط، مضافاً إلى ما أفاده السيّد الخوئي رحمه الله في التنقيح من أنّ النصّ منصرف إلى المنع عن التصرّفات المنافية لحقّ الرهن مثل العتق والاستيلاد بناء على القول بأنّ الاستيلاد يمنع عن بيع المرتهن للأمة(1).

وأمّا المسألة الثانية: وهي أنّ البيع هل يعتبر تصرّفاً منافياً لحقّ الرهن فيبطل، أو لا؟


(1) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37،ص307.

402

فالصحيح أنّه لا يعتبر منافياً لحقّ الرهن في وقته الحاضر، وغاية الأمر أنّ الدار المرهونة تنتقل إلى المشتري مسلوبة المنفعة في مدّة الرهن، فإن كان المشتري غير مطّلع على ذلك كان له خيار العيب؛ لأنّ هذا يعتبر عيباً في نظر العرف، أو خيار تخلّف الشرط؛ لأنّ الشرط الارتكازي الضمني قائم على أساس عدم كون العين مرهونة.

أمّا عدم نفوذ هذا البيع فحتّى الآن لا موجب له عدا إطلاق الإجماعات المنقولة ولا قيمة لها، والنبوي الذي عرفت عدم تماميّته سنداً ودلالة.

نعم، لو لم يؤدّ الراهن دينه إلى أن استحقّ المرتهن بيع الدار فقد أصبح الوضع من الآن داخلاً في المسألة الثالثة.

وأمّا المسألة الثالثة: وهي أنّه هل العقد على العين بنحو ينافي حقّ الرهن يكون باطلاً على الإطلاق أو يقع موقوفاً على إجازة المرتهن أو سقوط حقّه بإسقاطه أو بالفكّ، فمثالها من قبيل:

1_ ما لو آجر الراهن الدار لمدّة تستهلكها بنحو يُقلّل من قيمتها.

2_ ما لو باع الراهن الدار ثم لم يؤدّ الراهن الدين إلى أن استحقّ المرتهن بيع الدار فأصبح بيع الراهن الدار منافياً لحقّ المرتهن.

3_ ما لو باع الراهن الدار وقلنا بأنّ هذا مناف لحقّ المرتهن خلافاً لما أفتينا به آنفاً من أنّ هذا لا ينافي حقّ المرتهن؛ لأنّه بيعٌ لعين مسلوبة المنفعة.

فالصحيح هو الثاني، أعني: توقّف النفوذ على إجازة المرتهن أو سقوط حقّه بإسقاطه أو بالفكّ وفاقاً للشيخ الأنصاري رحمه الله(1) وللسيّد الخوئي(قدس سره)(2)؛ وذلك لإطلاقات أدلّة العقود، ولا يمنع عن الأخذ بها لا الإجماع ولا المرسل الماضي: «الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرّف» لو غضّ النظر عن سقوطه سنداً، فإنّ معقد الإجماع


(1) راجع کتاب المكاسب،‌ ج4، ص154.

(2) راجع موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص308.

403

وظاهر الرواية هو المنع عن الاستقلال في التصرّف، كما يشهد له ما في الرواية من عطف المرتهن على الراهن مع ما ثبت في محلّه من أنّ بيع المرتهن فضولي متوقّف على الإجازة، فكيف يمكن أن يكون للرواية إطلاق في منع الراهن عن البيع؟!

هذا مضافاً إلى ما ورد من صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «سألته عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده فقال: ذاك إلى سيّده إن شاء أجازه وإن شاء فرّق بينهما. قلت: أصلحك الله إنّ الحكم بن عتيبة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون: إنّ أصل النكاح فاسد ولا تحلّ إجازة السيّد له، فقال أبو جعفر(عليه السلام): إنّه لم يعص الله، وإنّما عصى سيّده، فإذا أجازه فهو له جائز»(1)، فنتعدّى من مورد الرواية إلى ما نحن فيه؛ لأنّ الراهن لم يعص الله معصية أوّلية، وإنّما عصى المرتهن، فإذا أجاز المرتهن أو سقط حقّه فهو له جائز.

إلّا أنّ هذا الحديث معارض بصحيح آخر لزرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «سألته عن رجل تزوّج عبده بغير إذنه دخل بها ثم اطّلع على ذلك مولاه؟ قال: ذاك لمولاه إن شاء فرّق بينهما وإن شاء أجاز نكاحهما، فإن فرّق بينهما فللمرأة ما أصدقها إلّا أن يكون اعتدى فأصدقها صداقاً كثيراً، وإن أجاز نكاحه فهما على نكاحهما الأوّل. فقلت لأبي جعفر(عليه السلام): فإنّه في أصل النكاح كان عاصياً، فقال أبو جعفر(عليه السلام): إنّما أتى شيئاً حلالاً وليس بعاصٍ لله، إنّما عصى سيّده ولم يعص الله، إنّ ذلك ليس كإتيان ما حرّم الله عليه من نكاح في عدّة وأشباهه»(2).

ووجه المعارضة أنّ هذه الصحيحة الثانية واضحة في أنّ نكاح العبد بماله صحيح؛ لقوله: «فإن فرّق بينهما فللمرأة ما أصدقها...»، فلو كان النكاح باطلاً


(1) وسائل الشيعة، ج21، الباب24 من أبواب نكا ح العبيد والإماء، ح1.

(2) المصدر السابق، ص115، ح2، وفي السند موسى بن بكر ولم يرد بشأنه توثيق، لكنّه يكفيه أنّه قد روى عنه الثلاثة.

404

فكيف يكون للمرأة ما أصدقها؟

فإن فرضنا أنّ هاتين الروايتين رواية واحدة وإن اختلف صدر السند فهذا النقل الثاني يفسّر لنا النقل الأوّل فتحمل الرواية الأُولى على معنى أنّ النكاح صحيح، ويكون معنى قوله: «فإذا أجازه فهو له جائز» أنّه إذا أجازه انتهى حقّ فسخه، فتكون الرواية أجنبية عن المقام.

وإن فرضناهما روايتين فأيضاً نقول: إنّ الرواية الثانية واضحة في صحّة نكاح العبد بماله وللمولى الفسخ، في حين أنّ الرواية الأُولى ليس لها إلّا ظهور في توقّف صحّة النكاح على إجازة المولى، وتحمل بقرينة الرواية الثانية على معنى أنّ للمولى حقّ الفسخ، فإذا أجاز فقد أسقط حقّ نفسه في الفسخ.

وتشهد لصالح الرواية الثانية أو النقل الثاني صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبدالله(عليه السلام): «في مملوك تزوّج بغير إذن مولاه أعاصٍ لله؟ قال: عاصٍ لمولاه. قلت: حرام هو؟ قال: ما أزعم أنّه حرام ونوله أن لا يفعل إلّا بإذن مولاه» يعني وينبغي له أن لا يفعل إلّا بإذن مولاه. وفي نسخة: «وقل: له أن لا يفعل إلّا بإذن مولاه»(1).

نعم، إذا قلنا: إنّ هذا الجمع ليس جمعاً عرفيّاً وإنّما هو جمع تبرّعي فلا إشكال في أنّ الترجيح لصحيحة زرارة الأُولى؛ لمطابقتها لإطلاق الآية المباركة: ﴿ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلَاً عَبْدَاً مَّمْلُوْكَاً لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ﴾(2) فإنّ مقتضى إطلاقها بطلان النكاح لا إمكانية فسخه للمولى.


(1) وسائل الشيعة، ج21، ص113، الباب23 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح2، ولا إشكال في أنّ الظاهر من نفي الحرمة نفي حرمة التمتّعات الجنسية.

(2) النحل: 75.

405

أثر الجناية العمدية للعبد علی سلطنة المالك

قال الشيخ الأنصاري رحمه الله: «إذا جنى العبد عمداً بما يوجب قتله أو استرقاق كلّه أو بعضه فالأقوى صحّة بيعه، وفاقاً للمحكي عن العلّامة والشهيد والمحقّق الثاني وغيرهم، بل في شرح الصيمري أنّه المشهور؛ لأنّه لم يخرج باستحقاقه للقتل أو الاسترقاق عن ملك مولاه... وتعلّق حقّ المجنيّ عليه به لا يوجب خروج الملك عن قابلية الانتفاع به، ومجرّد إمكان مطالبة أولياء المجنيّ عليه له في كلّ وقت بالاسترقاق أو القتل لا يسقط اعتبار ماليّته»(1). انتهى ما أردت نقله عن الشيخ الأنصاري رحمه الله.

نعم، للمشتري إن كان جاهلاً بالوضع خيار الفسخ _ من غير خيار الحيوان الذي هو ثلاثة أيّام _ إن كان من الارتكاز العقلائي شرط عدم أمرٍ من هذا القبيل إمّا مطلقاً أو بعد وقوع قتله أو استرقاقه.

وفي مقابل هذا قد يدّعی أنّه إذا جنى عمداً فقد خرج من ملك مولاه وانتقل إلى ملك المجنيّ عليه، فلا معنى لبيع مولاه الأوّل إيّاه إلّا على أساس بيع الفضولي.

ويستشهد لذلك بما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن الحسن الصفّار عن الحسن بن أحمد بن سلمة الكوفي عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال عن أبيه عن علي بن عقبة عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «سألته عن عبد قتل أربعة أحرار واحداً بعد واحد؟ قال: فقال: هو لأهل الأخير من القتلى إن شاؤوا قتلوه وإن شاؤوا استرقّوه؛ لأنّه إذا قتل الأوّل استحقّ أولياؤه، فإذا قتل الثاني استحق من أولياء الأوّل فصار لأولياء الثاني، فإذا قتل الثالث استحقّ من أولياء الثاني فصار لأولياء الثالث، فإذا قتل الرابع استحقّ من أولياء الثالث فصار لأولياء الرابع إن شاؤوا قتلوه وإن شاؤوا استرقّوه»(2).


(1) کتاب المكاسب، ج4، ص167 _ 168.

(2) تهذیب الأحکام، ‌ج10، ص195، باب القود بین الرجال والنساء و... من کتاب الدیات، ح71؛ الاستبصار، ج4، ص274، باب العبد يقتل جماعة أحرار واحداً بعد الآخر من أبواب دیات النفوس، ح1.

406

وسند الحديث ضعيف بالحسن بن أحمد بن سلمة الكوفي؛ لأنّه مجهول.

وأمّا الدلالة فوجه الاستدلال بهذا الحديث هو استظهار انتقال العبد الجاني إلى ورثة المقتول، ولهذا يقول: إنّه ينتهي الأمر إلى ورثة المقتول الرابع؛ لأنّه انتقل بقتل الأوّل إلى أولياء الأوّل، فحينما قتل الثاني صار إلى أولياء الثاني لا من المولى القديم، بل من أولياء المقتول الأوّل فأصبح لهم، ولم يكن أولياء الأوّل والثاني شركاء فيه؛ لأنّه لم ينتقل في عرض واحد من المولى القديم إلى کلا وليّي المقتولين، وهكذا انتقل إلى وليّ الثالث أو أوليائه، وبالنهاية استقرّ لدى وليّ الرابع أو أوليائه، فإن شاؤوا قتلوه وإن شاؤوا استرقّوه.

إلّا أنّه في مقابل هذه الرواية توجد روايات أُخرى وبعضها تامّة السند تحكم باشتراك أولياء المجنيّ عليهما في العبد، وهذا يعني: أنّ المولى القديم يدفعه إليهما في عرض واحد، وليس ينتقل قهراً من المولى القديم إلى المجنيّ عليه، وإلّا لكانت النتيجة ما مضى في رواية علي بن عقبة من استقراره للأخير دون اشتراك الجميع فيه.

فإليك صحيحة زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام): «في عبد جرح رجلين قال: هو بينهما إن كانت جنايته تحيط بقيمته. قيل له: فإن جرح رجلاً في أوّل النهار وجرح آخر في آخر النهار؟ قال: هو بينهما ما لم يحكم الوالي في المجروح الأوّل: قال: فإن جنى بعد ذلك جناية فإنّ جنايته على الأخير»(1).

وإليك رواية النوفلي عن السكوني عن أبي عبدالله(عليه السلام): «في عبد شجّ رجلاً موضحة ثم شجّ آخر؟ فقال: هو بينهما»(2).

فإن أردنا أن نجمع بين رواية علي بن عقبة وهاتين الروايتين يجب أن نحمل رواية علي بن عقبة على فرض ما إذا حكم الوالي لورثة المقتول الأوّل بالعبد ثم حكم الوالي لورثة المقتول الثاني... وهكذا إلى أنّ استقرّ لورثة الأخير.


(1) وسائل الشيعة، ج29، ص104، الباب45 من أبواب قصاص النفس، ح1.

(2) المصدر السابق، ح2. والموضحة تعني: الشجّة التي توضح العظم.

407

بل إنّ الشيخ النائيني رحمه الله ذكر أنّ نفس ما في رواية عقبة من قوله بشأن ورثة الأخير: «وإن شاؤوا استرقّوه» يعطي معنى أنّ العبد لم ينتقل إليهم بمجرّد القتل(1).

أثر الجناية الخطأية للعبد علی سلطنة المالك

إذا جنى العبد خطأً فقد قال الشيخ الأنصاري رحمه الله: المشهور صحّة بيعه، بل في شرح الصيمري: أنّه لا خلاف في جواز بيع الجاني إذا كانت الجناية خطأً أو شبه عمد...(2).

أقول: قد عرفت صحّة البيع في الجناية العمدية فما ظنّك بالجناية الخطأية؟!

ويأتي هنا أيضاً ما مضى من خيار المشتري بحسب الارتكاز العقلائي لشرط عدم أمرٍ من هذا القبيل إمّا مطلقاً أو بعد استرقاقه من قبل المجنيّ عليه.

نعم، الشيء الجديد هنا أنّه هل بيعه يوجب تعيّن الفداء عليه؛ لأنّ المولى مخيّر بين دفعه للمجنيّ عليه للاسترقاق وبين فدائه، فإذا باعه تعيّن الشقّ الآخر وهو الفداء؛ لفوات موضوع دفعه إلى المجنيّ عليه، أو أنّه مع إمكان انتزاع الجاني من يد المشتري لا يتعيّن الفداء على البائع، فللبائع الفداء، كما له أيضاً الامتناع عن ذلك الموجب لاستحقاق المجنيّ عليه أو وليّه انتزاع الجاني من يد المشتري وتملّكه؟

والصحيح هو الثاني كما اختاره الشيخ الأنصاري رحمه الله(3) والشيخ النائيني رحمه الله(4)، فإنّ غاية ما يلزم من ذلك خيار الفسخ للمشتري إن كان جاهلاً بالأمر ولا بأس بذلك.


(1) منية الطالب، ج2، ص338.

(2) کتاب المكاسب، ج4، ص172.

(3) المصدر السابق، ص174.

(4) منية الطالب، ج2، ص276.

409

 

 

 

الشرط الثالث: القدرة علی التسليم

الثالث من شروط العوضين القدرة على التسليم.

قال الشيخ الأنصاري رحمه الله: «فإنّ الظاهر الإجماع على اشتراطها في الجملة كما في جامع المقاصد، وفي التذكرة أنّه إجماع، وفي المبسوط الإجماع على عدم جواز بيع السمك في الماء ولا الطير في الهواء، وعن الغنية: أنّه إنّما اعتبرنا في المعقود عليه أن يكون مقدوراً عليه تحفّظاً ممّا لا يمكن فيه ذلك كالسمك في الماء والطير في الهواء، فإنّ ما هذه حاله لا يجوز بيعه بلا خلاف»(1).

أقول: لا أدري كيف نعتمد على إجماع من هذا القبيل الذي جعل احترازاً عن بيع خارج عمّا نحن فيه إطلاقاً كبيع السمك في الماء والطير في الهواء ممّا لم يتعلّق به للبائع ملك ولا حقّ حتّى ينقله ببيعه هذا إلى المشتري؟!

نعم، ما يتمّ بناء العقلاء على بطلان بيعه لا تشمله إطلاقات أدلّة البيع فلا نشكّ في بطلانه، كما لو باع فرساً هارباً لا يحتمل الظفر به، وهذا بخلاف بيع العبد الآبق الذي يمكن الاستفادة من عتقه مثلاً.


(1) کتاب المكاسب، ج4، ص175.

410

ولكنّنا بحاجة إلى الفحص عن إطلاق لفظي بأمل أن نستفيد منه في غير مثل هذا القدر المتيقّن الذي مثّلنا به.

وقد يدّعى الإطلاق في عدد من النصوص:

فمنها: ما اشتهر بين الفريقين من نهي النبي(صل الله عليه وآله) عن بيع الغرر (1).


(1) راجع وسائل الشيعة، ج17، ص448، الباب40 من أبواب آداب التجارة، ح3.

أقول: إنّ هذا الحديث ورد في عيون أخبار الرضا، ج2، ص45، عن الحسين بن علي(عليه السلام) أنّه قال: «خطبنا أميرالمؤمنين(عليه السلام) فقال: سيأتي على الناس زمان عضوض يعضّ المؤمن على ما في يده ولم يؤمَن بذلك قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّٰهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (البقرة:237) وسيأتي زمان يقدّم فيه الأشرار ويُنسى فيه الأخيار ويبايَع المضطرّ، وقد نهى رسول الله(صل الله عليه وآله) عن بيع المضطرّ وعن بيع الغرر، فاتقوا الله يا أيها الناس وأصلحوا ذات بينكم واحفظوني في أهلي».

وقد روى في نفس المصدر سند الحديث في ص24 _ 25، وهي ثلاثة أسانيد كالتالي:

1_ حدّثنا أبو الحسن محمد بن علي بن الشاه الفقيه المروزي بمرورود في داره قال: حدّثنا أبوبكر بن محمد بن عبدالله النيسابوري قال: حدّثنا أبو القاسم عبدالله بن أحمد بن عامر بن سليمان

الطائي(سلمويه خ ل) بالبصرة قال: حدّثنا أبي في سنة ستّين ومائتين، قال: حدّثني علي بن موسى الرضا(عليه السلام) سنة أربع وتسعين ومائة.

2_ وحدّثنا أبو منصور أحمد بن إبراهيم بن بكر الخوري بنيسابور قال: حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن هارون بن محمد الخوري قال: حدّثنا جعفر بن محمد بن زياد الفقيه الخوري بنيسابور قال: حدّثنا أحمد بن عبدالله الهروي الشيباني عن الرضا(عليه السلام) عن آبائه(عليهم السلام).

3_ وحدّثني أبو عبدالله الحسين بن محمد الأشناني الرازي العدل ببلخ قال: حدّثنا علي بن محمد بن مهرويه القزويني عن داود بن سليمان الفرّاء عن علي بن موسى الرضا(عليه السلام) عن آبائه(عليهم السلام).

نكات حول هذه الأسانيد الثلاثة:

1_ الشخص الأوّل من هذه الأسانيد الثلاثة هم طبعاً من مشايخ الصدوق. ولكن لا دليل لنا على وثاقة كلّ من هو من مشايخ الصدوق. ←

411

ولو فرضنا أنّ اشتهاره بين الفريقين يوجب الوثوق بصدوره يبقى الكلام في دلالته، ودلالته في غاية الإشكال.

وتوضيح ذلك: أنّ الغرر له في اللغة معنيان:

المعنى الأوّل: الخدعة، فـ «غرّه» بمعنى: خدعه، ويعتبر ذلك من الفعل المتعدّي.

والمعنى الثاني: الغفلة، فـ «الغارّ» بمعنى: الغافل، ويعتبر من الفعل اللازم.

فإن أخذنا بالمعنى الأوّل _ وهو الخدعة _ فمعنى الحديث: نهی النبي(صل الله عليه وآله) عن بيع الخدعة وسواء فسّرنا ذلك بمعنى مجرّد الحكم التكليفي بحرمة التدليس والخداع، وهو الصحيح، أو فسّرناه بمعنى الحكم الوضعي، أي: بطلان البيع المشتمل على التدليس والخداع، وهذا غير صحيح؛ لمسلّمية أنّ التدليس والخداع ما لم يشتمل على التباين الكلّي بين المبيع والمراد للمشتري لا يوجب الفساد، وإنّما يوجب الخيار، تكون الرواية


والشخص الأوّل من السند الثالث وهو الحسين بن محمد الأشناني الرازي العدل عبارة عن حسين بن أحمد بن محمد بن أحمد، وقال السيّد الخوئي(رحمه الله) في ترجمته ما نصّه: «لا يبعد أنّ الرجل من العامّة، وأنّ كلمة العدل من ألقابه، وهذه كلمة تطلق على الكتّاب في القضاء والحكومات»، معجم رجال الحديث، ج6، ص210، رقم: 3302.

2_ الشخص الثاني في السند الأوّل هو بحسب النسخة التي أخذنا منها من المصدر الذي نقلناه عبارة عن أبي بكر بن محمد بن عبدالله النيسابوري.

وأظنّ أنّ كلمة «ابن» بين أبي بكر ومحمد بن عبدالله النيسابوري زيادة في النسخة؛ لأنّ الوارد في الوسائل، ج1، ص488، الباب54 من أبواب الوضوء، ح4، هو: «محمد بن عبدالله النيسابوري» فكأنّه رجل اسمه محمد بن عبدالله وكنيته أبوبكر، وعلى أيّ حال فهو مهمل ليس له أيّ ذكر في الرجال.

3_ الشخص الثالث والرابع من السند الأوّل من هذه الأسانيد لم يرد بشأنهما في الرجال توثيق أو مدح.

4_ الشخص الأخير من السند الثالث وهو «داود بن سليمان الفرّاء» محتمل الانطباق على داود بن سليمان الذي وثّقه الشيخ المفيد(الإرشاد، ج2، ص248)، ولكن لا جزم لنا بذلك.5_ وباقي رجالات هذه الأسانيد الثلاثة كلّهم مهملون في كتب الرجال.

412

أجنبية عن المقام، فإنّ الخداع لا يعني عدم القدرة على التسليم، فقد يكون البيع مشتملاً على الخداع ولكنّ القدرة على التسليم محفوظة، وقد يكون البيع غير مشتمل على الخداع ولكنّ القدرة على التسليم غير محفوظة، كما لو اشترى أحد عبداً آبقاً لكي يعتقه رغم عدم القدرة على التسليم والتسلّم، أو اشترى دابّة ضالّة بسعر رخيص لمجرّد احتمال أن يجدها بعد ذلك رغم أنّه ليست هناك في الوقت الحاضر قدرة على التسليم والتسلّم.

وإن أخذنا بالمعنى الثاني، أي: نهى النبي(صل الله عليه وآله) عن بيع الغفلة، أصبحت العبارة نابية وممجوجة، فالمفروض مثلاً أن يقول: نهى النبي(صل الله عليه وآله) عن البيع على الغافل، على أنّ العبارة لا تدلّ على المقصود، وهو شرط القدرة على التسليم لا بمعنى مجرّد الحرمة التكليفية ولا بمعنى بطلان البيع؛ لأنّ النسبة بين الغفلة وبين عدم القدرة على التسليم أيضاً عموم من وجه، وإنّما يصبح حاصل المعنى: نهى النبي(صل الله عليه وآله) عن استثمار غفلة الغافل في البيع عليه، وهذا أيضاً عبارة أُخرى عن الخداع.

وذكر الفيّومي في المصباح المنير معنى ثالثاً للغرر، فقال: والغرر الخطر، ونهى رسول الله(صل الله عليه وآله) عن بيع الغرر(1).

وقد حمله الشيخ النائيني رحمه الله(2) على التفسير بالغايات، فإنّ الخطر هو نتيجة الغفلة والإغفال.

أقول: لو فرضنا هذا معنى مستقلّاً فمن الواضح أنّ كثيراً من البيوع يشتمل على الخطر، فلا يعلم مثلاً من يشتري الدواء إنّ هذا الدواء سينفعه أو لا ينفعه ففيه خطر خسارة ثمن الدواء، أو لا يعلم أنّ الطعام الفلاني الذي يشتريه هل سينفعه أو لا ينفعه بل يضرّه ففيه خطر خسارة الثمن... وما إلى ذلك. ولا أحد يلتزم ببطلان هكذا


(1) المصباح المنیر، ص445.

(2) منية الطالب، ج2، ص342.

413

معاملات أو النهي عنها.

ومنها: ما رواه الشيخ رحمه الله بسنده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن علي بن أسباط عن سليمان بن صالح عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «نهى رسول الله(صل الله عليه وآله) عن سلف وبيع، وعن بيعين في بيع، وعن بيع ما ليس عندك، وعن ربح ما لم يضمن»(1). والسند تام.

والاستدلال بهذا الحديث مبنيّ على تفسير قوله: «وعن بيع ما ليس عندك» ببيع ما لا يقدر على تسليمه، في حين أنّه لعلّ الظاهر من ذلك النهي عن بيع عين لا يملكها، ولا أقلّ من الإجمال المانع عن الاستدلال.

على أنّ الجمل الأُخرى الواردة في هذه الرواية إن كانت مجملة ومحتملة لما لا يمكن النهي عنه إلّا تنزيهاً يسري إجمالها بالاتّصال إلى هذه الجملة فيسقطها عن الحجّية.

ومنها: روايتا بيع الآبق المانعتان عن ذلك إلّا بضمّ ضميمة، فالأُولى: صحيحة رفاعة النخّاس قال: «سألت أبا الحسن موسى عليه السلام قلت له: أيصلح لي أن أشتري من القوم الجارية الآبقة وأُعطيهم الثمن وأطلبها أنا؟ قال: لا يصلح شراؤها إلّا أن


(1) تهذيب الأحکام، ج7، ص230، باب من الزیادات من کتاب التجارات، ح25؛ وسائل الشيعة، ج18، ص38، الباب2 من أبواب أحكام العقود، ح4؛ وص47، الباب7 من أبواب أحکام العقود، ح2. ولعلّ المقصود بالنهي عن سلف وبيع الجمع في عقد واحد بين السلف والبيع الحالّ بأن يقول: خذه سلفاً بكذا وحالّاً بكذا من دون أن يعيّنا أحد الأمرين، ولعلّ المقصود بالنهي عن بيعين في بيع أن يتّفقا في العقد على الجامع بين سعرين مختلفين في المقدار دون تعيين أحدهما، ولعلّ المقصود بالنهي عن ربح ما لم يضمن أن يبيع عليه مثلاً العبد الآبق غير مضمون الحصول أو الدابّة الضالّة غير مضمونة الحصول مع الربح عليه بزيادة الثمن على الثمن الذي كان قد اشتراه أو اشتراها من قبل.

وإنّي أحتمل أنّ كلمة «ربح ما لم يضمن» غلط، والصحيح «بيع ما لم يضمن» كما ورد في حديث المناهي بسند غير تام: «ونهى عن بيع ما لم يضمن» راجع وسائل الشيعة، ج17، ص357، الباب12 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح12.

414

تشتري منهم معها ثوباً أو متاعاً فتقول لهم: أشتري منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع بكذا وكذا درهماً، فإنّ ذلك جائز»(1).

والثانية: موثّقة سماعة عن أبي عبدالله عليه السلام «في الرجل يشتري العبد وهو آبق عن أهله؟ قال: لا يصلح إلّا أن يشتري معه شيئاً آخر ويقول: أشتري منك هذا الشيء وعبدك بكذ وكذا، فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشتری منه»(2).

فظاهر هاتين الروايتين أنّ بيع ما لا قدرة على تسليمه وتسلّمه في حدّ ذاته باطل، فلدى احتمال عدم القدرة لابدّ من العلاج بضمّ ضميمة، فعالج المعصوم عليه السلام مشكلة احتمال عدم القدرة بما عالج به في روايات أُخرى مشكلة احتمال عدم وجود المبيع من أصله، فإنّ هذا أيضاً معالج في بعض الروايات بضمّ الضميمة من قبيل:

1_ رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر عن بعض أصحابه عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «إذا كانت أجمة ليس فيها قصب أُخرِج شيء من السمك فيباع وما في الأجمة»(3). والسند ضعيف بسهل بن زياد.

2_ صحيحة إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن أبي عبدالله عليه السلام في الرجل يتقبّل بجزية رؤوس الرجال وبخراج النخل والآجام والطير وهو لا يدری لعلّه لا يكون من هذا شيء أبداً أو يكون، أيشتريه وفي أيّ زمان يشتريه ويتقبّل منه؟ قال: إذا علمت أنّ من ذلك شيئاً واحداً أنّه قد أدرك فاشتره وتقبّل به»(4).

3_ رواية معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «لا بأس أن يشتري الآجام إذا كانت فيها قصب»(5). والظاهر أنّ سند الحديث تام؛ لأنّه رواه الشيخ بسنده عن


(1) وسائل الشيعة، ج17، ص353،‌الباب 11 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح1.

(2) المصدر السابق، ح2.

(3) المصدر السابق، ص354، الباب12 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح2.

(4) المصدر السابق، ص355، ح4.

(5) المصدر السابق، ح5

415

الحسن بن محمد بن سماعة عن محمد بن زياد عن معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله(عليه السلام). والظاهر أنّ محمد بن زياد الذي يروي عن معاوية بن عمّار منصرف إلى ابن أبي عمير.

4_ رواية أبي بصير غير التامّة سنداً عن أبي عبدالله عليه السلام «في شراء الأجمة ليس فيها قصب إنّما هي ماء؟ قال: يصيد كفّاً من سمك تقول: أشتري منك هذا السمك وما في هذه الأجمة بكذا وكذا»(1).

وعلى أيّ حال فقد تحصّل بكلّ ما ذكرناه دليل واضح على شرط القدرة على التسليم، وهو روايتا بيع الآبق، فرغم إمكانية الاستفادة من الآبق في العتق يكون مفاد الروايتين بطلان بيعه في ذاته؛ لعدم القدرة على التسليم أو التسلّم، حتّى أنّه قيّد جواز بيعه في فرض الشكّ في إمكانية التسلّم بضمّ ضميمة تماماً، كما هو الحال في روايات بيع ما يشكّ في أصل وجوده حيث اشترط بيعه بضمّ ضميمة، وعليه فلا يجوز بيع غير المقدور تسليمه وتسلّمه كما لا يجوز بيع المعدوم إلّا بشرطين: أحدهما الشكّ في القدرة أو الوجود، وثانيهما ضمّ الضميمة.

وهل المقابلة تقع بين الضميمة والثمن أو تقع بين الضميمة مع العبد وبين الثمن؟ الظاهر هو الثاني. والأثر العملي لذلك أنّه لو قتل أحدٌ العبد كان ضامناً للمشتري لا للبائع.

وأيضاً هل المقابلة في مشكوك الوجود على تقدير وجوده في علم الله تكون بين الضميمة والثمن أو تكون بين الضميمة وذاك الموجود في علم الله وبين الثمن؟ الظاهر هو الثاني. والأثر العملي لذلك أنّه لو أتلف أحد ذاك الموجود ضمن للمشتري لا للبائع.


(1) المصدر السابق، ص356، ح6. والأجمة: الشجر الملتفّ على ما ورد في المصباح المنير ، ج2، ص6، ومجمع البحرين، ج6، ص6، وفي لسان العرب، ج4، ص395، والمحيط في اللغة، ج7، ص205: الأجمة منبت الشجر كالغيضة ]يعني في مغيض الماء وغائره[ وأيضاً قال في لسان العرب، ج12،‌ص8: الأجمة الشجر الكثير الملتفّ. وأيضاً قال فيه نقلاً عن الجوهري: الأجمة من القصب. والمتلخّص من ذلك بما يناسب المقام: أنّ الأجمة بمعنى ما يقال عنه بالفارسية: نيزار، أي: النهر الصغير الذي هو منبت القصب.

416

وهنا عدّة فروع نذكر منها ما يلي:

الفرع الأوّل: هل يشترط في صحّة بيع الآبق رجاء الوجدان، أو لا؟

أفاد الشيخ الأنصاري: أنّ الرواية الأُولى ]وهي صحيحة رفاعة النخّاس(1)[ ظاهرة في اختصاص السؤال بصورة رجاء الوجدان، والرواية الثانية ]وهي موثقّة سماعة(2)[ ظاهرة في اختصاص الجواب بصورة رجاء الوجدان(3).

إلّا أنّ السيّد الخوئي رحمه الله في التنقيح ادّعى إطلاق الحكم لفرض اليأس من الوجدان، وذلك بدعوى أنّ مورد الروايتين وإن كان هو فرض رجاء الوجدان إلّا أنّ ذلك لا يضرّ بصحّة المعاملة؛ وذلك لأنّ الإمام عليه السلام إنّما كان في الروايتين بصدد بيان أنّ ضمّ الضميمة شرط في صحّة المعاملة وأنّه على تقدير عدم الوصول إليه يكون ما نقده بإزاء ما اشترى معه، وأمّا أنّ العبد مورد لرجاء الوجدان أو القطع بعدمه فليس محطّاً لنظره(4).

أقول: إنّ العبارة الموجودة في التنقيح في غاية التشويش.

فإن كان مقصوده رحمه الله أنّ مقتضى القاعدة صحّة المعاملة، والرواية لم تدلّ على أكثر من البطلان لدى عدم ضمّ الضميمة؛ لأنّه لم يكن محطّ نظرها أنّ العبد مورد لرجاء الوجدان أو لا، وإنّما كان محطّ نظرها شرط الضميمة، فبعد وجود هذا الشرط نرجع في مورد اليأس عن الوجدان إلى مقتضى القاعدة، ورد عليه ما وضّحناه من أنّ ظاهر الروايتين شرط القدرة في نفسها ونقتصر في الاستثناء على نفس مورد الروايتين وهو رجاء الوجدان مع ضمّ ضميمة.


(1) وسائل الشيعة، ج17، ص353، الباب11 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح1.

(2) المصدر السابق، ح2.

(3) کتاب المكاسب، ج4، ص202.

(4) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص354.

417

وإن كان مقصوده إطلاق الرواية لفرض اليأس عن الوجدان فلا أدري كيف يتمّ هذا الإطلاق بعد الاعتراف بأنّ مورد الروايتين هو فرض رجاء الوجدان؟!

وإن كان مقصوده التمسّك بعموم التعليل في الرواية الثانية وهو قوله فيها: «فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه» فمن الواضح أنّ هذه اللغة ليست لغة التعليل والتعدّي من المورد وتبديل موضوع الحكم مثل «لأنّه حامض»، وإنّما هي لغة بيان شرط الصحّة، وهو أن يكون ما نقده في الضميمة حتّى لا يذهب نقده هباءً. هذا حال عبارة التنقيح.

وأمّا عبارة مصباح الفقاهة الذي هو تقرير آخر لبحث السيّد الخوئي فهي أيضاً مشوّشة في المقام، والاحتمال الأوّل من الاحتمالات الثلاثة التي ذكرناها لعبارة التنقيح غير وارد في عبارة مصباح الفقاهة، ولكن يمکن تفسيرها بالتفسير الثاني أو الثالث أو تفسيرها بتفسير آخر لا يمكن فرضه محدّداً إلّا بأن نعبّر بتعبير إلغاء العرف خصوصية المورد، وهي خصوصية احتمال إمكان تسلّم العين في المستقبل، فيتعدّى عنه إلى فرض القطع بعدم رجوع العين، ويقال بأنّ المقياس وجود الضميمة حتّى لا يذهب المال هدراً، وإنّما السائل سأل عن فرد من هذا الفرض، لا أنّ الرواية مسوقة لبيان حكم قضية شخصية في مورد خاص(1).

أقول: لا أدري كيف يمكن الحمل على المثالية؟! ولماذا لا يحتمل دخل اشتراط احتمال رجوع العين في حين أنّ احتماله احتمال عرفي معقول؟!

وعليه فقد اتّضح بكلّ ما ذكرناه بطلان بيع الآبق في صورة عدم احتمال الرجوع؛ لما عرفت من دلالة روايتي بيع الآبق على اشتراط القدرة على التسلّم وأنّه مع الشكّ في القدرة تجب معالجة الموقف بالضميمة.

نعم، لا نستدلّ على البطلان بسفهية المعاملة حتّى يقال: إنّ الباطل إنّما هو


(1) وسائل الشيعة، ج17، ص353، الباب11 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح1.

(2) المصدر السابق، ح2.

(3) کتاب المكاسب، ج4، ص202.

(4) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص354.

418

معاملة السفيه(1) دون المعاملة السفهية أو يقال: إنّ المعاملة ليست سفهية؛ لإمكان الاستفادة بالعتق.

ولا بقوله تعالی: ﴿وَلَا تَأْكُلُوْا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾(2) حتّى يقال: إنّ هذا إنّما هو في مقابل التجارة عن تراض، والمفروض صدق التجارة عن تراض في المقام، ولا بنفي الغرر حتّى ترد المناقشات الماضية.

الفرع الثاني: هل جواز البيع مع ضمّ ضميمة مخصوص بالجارية الآبقة والعبد الآبق أو يجري حتّى في مثل الفرس الشارد أو عين أُخرى ضائعة؟

أفاد السيّد الخوئي رحمه الله _ على ما في مصباح الفقاهة _ : أنّ مقتضى عمومات أدلّة العقود صحّة البيع من دون فرق بين الجارية والعبد والفرس والأعيان الأُخرى، وإنّما خرج بروايتي الجارية والعبد الماضيتين فرض عدم الضميمة، وأمّا مع فرض الضميمة فالعمومات سليمة عن المعارض أو المخصّص. نعم، المشهور لم يلتزموا بجواز بيع غير العبد والجارية مع الضميمة في موارد عدم القدرة على التسليم حتّى صرّحوا بعدم جواز بيع الفرس الشارد مع الضميمة، والوجه في ذلك دعوى الإجماع ونفي الغرر، والمشهور لم يلتزموا في غير العبد والجارية بصحّة البيع، ولكن مجرّد عدم التزامهم بذلك لا يوجب الوهن بعد ما ساعدنا الدليل على الصحّة(3). انتهى ما أردنا نقله عن مصباح الفقاهة على شكل النقل بالمعنى، لا بنفس الألفاظ.

الفرع الثالث: قد ذُكر في الضميمة شرط أن تكون ممّا يجوز بيعه، فما لا يصحّ بيعه شرعاً _ كالخمر والخنزير _ أو عند العقلاء _ كالخنفساء _ لعدم ماليّته فلا يصحّ جعله ضميمة للآبق.


(1) وسائل الشيعة، ج17، ص353، الباب11 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح1.

(2) المصدر السابق، ح2.

(3) کتاب المكاسب، ج4، ص202.

(4) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص354.

419

قال الشيخ الأنصاري رحمه الله: «الظاهر اعتبار كون الضميمة ممّا يصحّ بيعها»(1).

أقول: لا شكّ أنّ هذا هو المفهوم عرفاً من روايتي بيع الآبق(2) خصوصاً الرواية الثانية، أعني: موثّقة سماعة؛ لقوله: «فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه».

الفرع الرابع: يشترط في الضميمة أن يكون بيعها منفردة صحيحاً، فلا يصحّ ضمّ الآبق الآخر في بيع العبد الآبق؛ لعدم صحّة بيعه في حال الانفراد.

ومن الغريب ما قاله الشيخ الأنصاري رحمه الله من قوله: وأمّا صحّة بيعها منفردة فلا يظهر من الرواية، فلو أضاف إلى الضميمة من تعذّر تسليمه كفی(3).

ولكن من الواضح _ بمناسبات الحكم والموضوع بل وبظاهر العبارة في صحيحة رفاعة النخّاس: «اشتري منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع بكذا وكذا»(4)، وصريح موثّقة سماعة: «فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه»(5) _ أنّ نظر الإمام عليه السلام إلى المتاع الحاضر.

الفرع الخامس: هل يكفي ضمّ المنفعة، أو لابدّ أن تكون الضميمة عيناً؟ قال الشيخ الأنصاري رحمه الله: «لا يكفي ضمّ المنفعة إلّا إذا فهمنا من قوله ]يعني في موثّقة سماعة[: «فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه» تعليل الحكم


(1) وسائل الشيعة، ج17، ص353، الباب11 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح1.

(2) المصدر السابق، ح2.

(3) کتاب المكاسب، ج4، ص202.

(4) موسوعة الإمام الخوئي(رحمه الله)، ج37، ص354.