وقد يقال: إنّ هذا الاعتراض يسري على التمسّك بالصحيحة الأُولى أيضاً؛ إذ كان جواب الإمام(علیه السلام): «يؤخذ المهر منها لا من وليّها» وهذا يعني أنّه(علیه السلام)كان بصدد بيان أنّ المهر لدى الفسخ يؤخذ منها لا من وليّها، فالفسخ قد أُخذ مفروغاً عنه، وليس بصدد بيانه كي يتمّ فيه الإطلاق.
وقد يقال في الجواب: إنّ السؤال كان مطلقاً، فيحمل الجواب _ بقرينة أصالة التطابق مع السؤال _ على مطلق عيب مدلّس، فإنّ النكتة التي شرحناها في الصحيحة الثانية _ وهي كون الفسخ أُخذ مفروغاً عنه _ لم تكن تقتضي التقييد، وإنّما كانت رافعة لمقتضی الإطلاق، ولا ينافي ذلك افتراض نكتة أُخرى للإطلاق في الصحيحة الأُولى وهي إطلاق السؤال مع أصالة التطابق بين السؤال والجواب.
إلّا أنّ هذا الجواب إنّما يتمّ لو فرض رجوع الضمير المستتر في قوله في السؤال: «فوجدها» راجعاً إلى الزوج، ولكنّ الظاهر أنّ الضمير راجع إلى الرجل الوسيط، وهذا يعني أنّ السؤال أيضاً منصبّ على أنّ هذا الوسيط هل يضمن المهر أو لا؟ وذلك بعد فرض الفسخ، فلا يتمّ الإطلاق حتّى في السؤال.
۳_ وصحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر(علیه السلام): قال: «في رجل تزوّج امرأة من وليّها فوجد بها عيباً بعد ما دخل بها، قال، فقال: إذا دلّست العفلاء والبرصاء والمجنونة والمفضاة ومن كان بها زمانة ظاهرة فإنّها تردّ على أهلها من غير طلاق، ويأخذ الزوج المهر من وليّها الذي كان دلّسها، فإن لم يكن وليّها علم بشيء من ذلك فلا شيء عليه وتردّ على أهلها... »(1).
وعيب الدلالة في هذا الحديث: هو أنّه رغم كون السؤال عن مطلق العيب جاء الجواب عن عيوب مخصوصة، وحملها على المثالية _ لكي يفي الجواب بإطلاق
(1) المصدر السابق، ص۲۱۱، ح۱.
السؤال _ ليس واضحاً. على أنّ تقييد الزمانة بالظاهرة ظاهر في أنّه ليس كلّ زمانة توجب الفسخ ولو كانت مخفيّة(1).
٤_ ورواية رفاعة بن موسى _ وفي سندها سهل _ عن أبي عبدالله(علیه السلام)«... وسألته عن البرصاء؟ فقال: قضى أمير المؤمنين(علیه السلام)في امرأة زوّجها وليّها وهي برصاء، أنّ لها المهر بما استحلّ من فرجها وأنّ المهر على الذي زوّجها، وإنّما صار عليه المهر لأنّه دلّسها، ولو أنّ رجلاً تزوّج امرأة، وزوّجه إيّاها رجل لا يعرف دخيلة أمرها، لم يكن عليه شيء، وكان المهر يأخذه منها»(2).
ووجه الاستدلال بهذا الحديث _ رغم وروده في خصوص البرصاء _ أحد أمرين:
إمّا التمسّك بعموم التعليل في قوله: «وإنّما صار عليه المهر لأنّه دلّسها».
ويرد عليه: أنّ هذا تعليل لصيرورة المهر على الوليّ بعد الفراغ عن الفسخ، وليس تعليلاً لأصل الفسخ كي يدل على الفسخ في كلّ موارد التدليس، وبما أنّ الفسخ فرض مفروغاً عنه وليس في مقام بيانه، فلا يثبت له إطلاق.
وإمّا التمسّك بإطلاق الذيل وهو قوله: «ولو أنّ رجلاً تزوّج امرأة وزوّجه إيّاها رجل لا يعرف دخيلة أمرها، لم يكن عليه شيء، وكان المهر يأخذه منها» بدعوى أنّ هذا الذيل راجع إلى مطلق دخيلة الأمر.
إلّا أنّ هذا أيضاً ليس واضحاً؛ لأنّ هذا الذيل أيضاً ليس بصدد بيان الفسخ، بل بصدد بيان أنّ المهر يؤخذ منها بعد الفراغ عن أصل الفسخ، فلا إطلاق له بلحاظ حقّ الفسخ لكلّ العيوب.
٥_ وصحيحة الحلبي عن أبي عبدالله(علیه السلام)، «في رجل يتزوّج المرأة فيقول لها: أنا
(1) سيأتي إن شاء الله تفسير آخر لكلمة الظاهرة.
(2) وسائل الشيعة، ج۲۱، ص211، الباب۲ من أبواب العيوب والتدليس، ح۲.
من بني فلان، فلا يكون كذلك؟ فقال: تفسخ النكاح، أو قال: تردّ»(1).
ووجه الاستدلال بهذه الرواية أنّ قوله: «أنا من بني فلان» نوع تدليس أخفّ من التدليس في أيّ عيب يفترض، فلو أوجب ذلك الخيار، فالعرف يتعدّى إلى أيّ عيب من العيوب.
٦_ ورواية حمّاد بن عيسى غير التامّة سنداً، عن جعفر، عن أبيه(علیهما السلام)، قال: «خطب رجل إلى قوم فقالوا له: ما تجارتك؟ قال: أبيع الدوابّ، فزوّجوه فإذا هو يبيع السنانير، فمضوا إلى عليّ(علیه السلام)فأجاز نكاحه، وقال: السنانير دوابّ»(2).
فهذا يعني أنّه لو لم تكن السنانير دواباً لما أجاز عليّ(علیه السلام)نكاحه، في حين أنّ هذا التدليس أخفّ من التدليس في أيّ عيب من العيوب، فبالأولويّة العرفيّة يتعدّى إلى جميع العيوب.
ومجرّد قوله: «أنا من بني فلان» كما في رواية الحلبي، أو: «أبيع الدوابّ» كما في هذه الرواية، لا يدل على وقوع ذلك بعنوان الشرط في ضمن العقد حتّى يحمل الفسخ فيهما على الفسخ بخيار تخلّف الشرط، فالظاهر أنّه محمول على خيار التدليس.
وهذه الروايات، ما كان منها في فسخ الرجل للتدليس في طرف المرأة، يمكن التعدّي من ذلك إلى العكس، أي: فسخ المرأة في عقد وقع التدليس فيه لصالح الرجل، وذلك بالأولويّة العرفيّة أو المساواة _ على الأقلّ _؛ فإنّ الرجل الذي بإمكانه الطلاق في ذاته، وبقطع النظر عن حالة استثنائية كالمرض أو التدليس، إن كان له حقّ الفسخ بالنظر للحالة الاستثنائية، فالمرأة التي لا سبيل لها إلى الطلاق في ذاته، يكون لها هذا الحقّ بالطريق الأولى أو المساوي على الأقلّ.
(1) المصدر السابق، ص235، الباب۱٦ من أبواب العيوب والتدليس، ح۱.
(2) المصدر السابق، ح۲.
أمّا ما كان من تلك الروايات في فسخ المرأة لدى تدليس الرجل، فقد يصعب التعدّي منها إلى العكس؛ لأنّ المرأة لم يكن بيدها الطلاق في حدّ ذاته بقطع النظر عن الطوارئ، وإن كان يحتمل التعدّي العرفي هنا أيضاً بدعوى أنّ العرف يفهم من حقّ الفسخ للمرأة كون العقد في ذاته معيباً بسبب التدليس عيباً لم يؤدّ إلى البطلان، ولكن أدّى إلى عدم اللزوم وجواز الفسخ، وهذا غير الطلاق الذي لم يكن؛ يعني كون العقد معيباً، فإن كان العقد معيباً بتدليس الرجل موجباً لفسخ المرأة تعدّى العرف إلى تدليس المرأة، ورآه موجباً لتعيّب العقد أيضاً، ولم يحتمل الفرق بين الطرفين.
وعلى أيّ حال، فقد ظهر بهذا العرض أنّ عمدة الدليل على خيار التدليس في النكاح من الروايات هي صحيحة الحلبي في من قال لها: «أنا من بني فلان ولم يكن منهم»، بناءً على أنّ هذا تدليس وليس شرطاً، فإنّه يتعدّى من التدليس بقوله: «أنا من بني فلان» إلى التدليس في العيب بطريق أولى، وهذه الصحيحة كما ترى مخصوصة بتدليس الرجل، وقد عرفت الاستشكال في التعدّي من ذلك إلى تدليس المرأة.
فلو أردنا إثبات خيار التدليس في فرض تدليس المرأة بغير قاعدة لا ضرر، وبغير ما طرحناه، كاحتمال التعدّي من طرف تدليس الرجل إلى تدليس المرأة _ بدعوى أنّ النكتة صيرورة العقد معيباً بالتدليس، وهذا لا علاقة له بحقّ الطلاق _ أمكن التمسّك بما مضى من صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر(علیه السلام)قال في رجل تزوّج امرأة من وليّها فوجد بها عيباً بعد ما دخل بها، قال، فقال: «إذا دلّست العفلاء والبرصاء والمجنونة والمفضاة ومن كان بها زمانة ظاهرة فإنّها تردّ على أهلها من غير طلاق...»، بناءً على أنّ المقصود بالزمانة مطلق المرض المزمن، وبناءً على أنّ المقصود بالظاهرة ليس ما بنينا عليه في ما سبق من إرادة معنى البارزة في مقابل الخفيّة، بل المقصود بها القويّة والمهمّة في مقابل المختصرة وغير المهمّة والتي لا يعتبر مجرّد عدم إبرازها تدليساً،
والظهور قد يستعمل في مورد الغلبة كما في قوله تعالى: ﴿إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ﴾(1)، ولو بنكتة أنّ الغلبة نوع بروز، فكأنّ الرواية تقول: إنّ الزمانة إن كانت غالبة وقاهرة لها ودلّست، كان للرجل خيار الفسخ، أمّا إن كانت مختصرة أو مرضاً اعتيادياً يقبل العلاج في وقت يسير فلا يعتبر عدم إبرازه أو السكوت عنه تدليساً، ولا خيار له في ذلك.
وعمدة الإشكال الوارد على التمسّك بهذه الروايات لإثبات أصالة حقّ الفسخ في كلّ عيب، أنّ هذه الروايات إنّما وردت في التدليس، ودعوى كون مجرّد الكتمان أو عدم إبراز العيب وعدم الإخبار به تدليساً أوّل الكلام، فإنّ كتمان العيب يمكن تقسيمه إلى عدّة مستويات:
الأوّل: الإخبار الكاذب بعدمه، وهذا تدليس بلا إشكال.
والثاني: كتمان العيب الظاهر، كلبس نظّارة أو عين مستعارة لإخفاء العمى، أو لبس باروكة لإخفاء عيب الرأس، ونحو ذلك، وهذا أيضاً لا إشكال في كونه تدليساً.
والثالث: عدم إبراز العيب الخفي كما لو لم يخبر أو لم تخبر بما لديه أو لديها من مرض البواسير مثلاً. والظاهر صدق التدليس في ذلك في كلّ عيب كان في نظر العقلاء منفيّاً بأصالة السلامة.
والرابع: السكوت عن عيب ظاهر من دون إخفائه، وإنّما خفي على الطرف المقابل لتقصيره في الفحص، ومن الواضح أنّه لا يصدق هنا التدليس.
والخامس: العيب الخفيّ عن كلا الطرفين، كما لو سكت أو سكتت عن العقم أو عن مرض روحيّ مثلاً ولم يكن صاحب العيب الساكت مطّلعاً عليه، ثم ظهر ذلك بعد تمامية العقد، ومن الواضح عدم صدق التدليس هنا.
وعلى أيّ حال فالروايات التي مضت أكثرها لم تكن مشتملة على الإطلاق
(1) التوبة: ۸؛ الكهف: ۲٠.
بلحاظ كلّ ما صدق عليه التدليس، كما أنّه لم تكن كلّها مطلقة بلحاظ كلّ مراتب التدليس، فإن دلّ بعضها على حقّ الفسخ في مرتبة من التدليس كالإخبار الكاذب، لم يمكن التعدّي منها إلى مراتب أخفّ كمجرّد السكوت.
ولو أردنا التعدّي إلى كلّ مراتب التدليس، وفي كلّ تدليس فله طريقان:
الأوّل: تفسير كلمة «الظاهرة» في صحيحة أبي عبيدة بمعنى القويّة والمهمّة، لا بمعنى البارزة، ويقال: إنّ هذا القيد إنّما ذكر لأنّ مجرّد السكوت عن مرض يغفر ولا يهتمّ به ليس تدليساً، وقد أُخذ في موضوع الحكم في هذه الصحيحة عنوان التدليس، وهو يشمل بالإطلاق كلّ مراتب التدليس الماضية.
والثاني: الجمع بين قسمين من الروايات:
أحدهما: ما يكون مطلقاً بلحاظ كلّ العيوب وإن لم يكن مطلقاً بلحاظ مراتب التدليس، وذلك كصحيحة الحلبي في رجل يتزوّج المرأة فيقول لها: «أنا من بني فلان فلا يكون كذلك...»، فإنّه يتعدّى من قوله: أنا من بني فلان إلى نفي كلّ عيب من العيوب كاذباً؛ لأنّ كل عيب من العيوب يعتبر أشدّ من عدم كونه من بني فلان، ولكن لا يشمل المراتب الخفيفة من التدليس كمجرّد السكوت عن عيب بارز.
والثاني: ما يكون مطلقاً بلحاظ كلّ مراتب التدليس وليس مطلقاً بلحاظ كلّ العيوب، كصحيحة أبي عبيدة بناءً على تفسير زمانة ظاهرة بتفسير آخر لا يشمل كلّ الأمراض المزمنة المهمّة.
فلو عرفنا أنّ كلّ عيب من العيوب يكون التدليس فيه موجباً للخيار بحكم القسم الأوّل، وعرفنا أنّ حكم التدليس في بعض العيوب يشمل كلّ مراتب التدليس ولم نحتمل الفرق بين أنواع العيوب التي يكون التدليس فيها موجباً للخيار في الدرجة المشترطة من التدليس لثبوت الخيار، ثبت الحكم في كلّ تدليس بجميع درجاته.
وعلى أيّ حال فلو تمّ كلّ هذا فالنسبة بين فرض التدليس وفرض العيب عموم
من وجه، وكلامنا في حقّ الفسخ بلحاظ العيب إنّما هو في كون العيب بما هو عيب موجباً للفسخ حتّى ولو لم يكن تدليس في المقام، فلا يمكن التمسّك في ذلك بروايات خيار التدليس في النكاح، ولو تمّ دليل على أنّه ليس كلّ عيب من العيوب موجباً لحقّ الفسخ، وأنّ العيب الفاسخ محصور في عدد معيّن من العيوب، لا يوجد أيّ تعارض بين ذلك وبين دليل الفسخ بمطلق التدليس، فإنّ معنى الروايات الحاصرة أنّ العيب بما هو عيب لا يوجب الفسخ إلّا في عدد محصور من العيوب، ولا ينافي ذلك ثبوت الفسخ في جميع العيوب وغير العيوب لو تحقّق التدليس بنفي العيب أو بإبراز كونه من بني فلان مثلاً والذي ليس عدمه عيباً أصلاً.
ومن هنا اتّضح الإشكال في ما ورد في بعض الكلمات من الاستدلال على حقّ الفسخ في بعض العيوب المنصوصة _ زائداً على النصّ _ بحصول التدليس.
الأمر الثاني: التمسّك بقاعدة نفي الضرر، إمّا باعتبار أنّ الصبر على العيب في أحد الزوجين ضرر على الزوج الآخر، أو باعتبار أنّ حقّ الفسخ حقّ عقلائي له فيكون نفيه ضرراً عقلائياً بشأنه.
ولعلّ التمسّك بهذا الوجه في طرف الزوجة أقوى منه في طرف الزوج، لما قد يقال في طرف الزوج من أنّ ثبوت الطلاق بيده رافع للضرر، وإن كان قد يقال في مقابل ذلك: إنّ الطلاق يعني الإقرار بأصل النكاح والموجب لثبوت نصف المهر قبل الدخول على الزوج وهذا ضرر.
وعلى أيّ حال فالذي يرد على التمسّك بهذا الوجه هو الروايات الحاصرة لحقّ الفسخ بالعيب بعيوب مخصوصة فإنّها أخصّ من قاعدة نفي الضرر وتتقدّم عليها.
ومن هنا قد تنقلب القاعدة ويصبح الأصل في النكاح في غير العيوب المذكورة في أدلّة الفسخ هو اللزوم، فمتى ما ثبت لدينا بنصّ آخر حقّ الفسخ في عيب ما غير العيوب الواردة في روايات الحصر، جعلنا ذلك مقيّداً لإطلاقات الحصر، ومتى ما شككنا في ذلك
ولم يتمّ الدليل عليه تمسّكنا بإطلاق الروايات الحاصرة ونفينا بذلك حقّ الفسخ. هذا.
والإطلاقات الحاصرة ما يلي:
۱_ صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، أنّه قال «في الرجل يتزوّج إلى قوم فإذا امرأته عوراء ولم يبيّنوا له، قال: لا تردّ: إنّما يردّ النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل. قلت: أرأيت إن كان قد دخل بها كيف يصنع بمهرها؟ قال: المهر لها بما استحلّ من فرجها ويغرم وليّها الذي أنكحها مثل ما ساق إليها»(1).
روى هذا الحديث في الفقيه بسنده عن حمّاد عن الحلبي بالنصّ الذي ذكرناه.(2) ورواه في الكافي بسند له عن حمّاد عن الحلبي عن أبي عبدالله(علیه السلام)بالشكل التالي: قال: «سألته عن رجل تزوّج إلى قوم فإذا امرأته عوراء ولم يبيّنوا له، قال: يردّ النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل»(3). ورواه الشيخ في التهذيب(4) بسنده عن حمّاد عن الحلبي عن أبي عبدالله(علیه السلام)تارة بالشكل الذي مضى عن الفقيه بفرق حذف کلمة «وقال» بین جملة «ولا تردّ» وجملة «إنّما يردّ النکاح...»، وكذلك في الاستبصار(5). وأُخرى بسند له عن حمّاد عن الحلبي مقتصراً فيه على جملة: «إنّما يردّ النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل»(6). وكذلك في الاستبصار(7).
(1) وسائل الشيعة، ج21، ص209، الباب الأول من أبواب العیوب والتدليس، ح6، وص212، الباب2 من أبواب العیوب والتدلیس، ح5.
(2) من لا يحضره الفقيه، ج3، ص433، باب ما يرد منه النكاح من كتاب النكاح، ح4498.
(3) الكافي، ج٥، ص406، باب المدالسة في النكاح وما تردّ منه المرأة من كتاب النكاح، ح٦.
(4) تهذيب الأحکام، ج7، ص426، الباب38 من كتاب النكاح، ح12.
(5) الاستبصار، ج۳، ص247، باب العيوب الموجبة للرد في عقد النكاح من أبواب ما يرد منه النكاح، ح7.
(6) تهذیب الأحکام، ج7، ص524، الباب38 من كتاب النكاح، ح4.
(7) الاستبصار، ج3، ص246، باب العيوب الموجبة للرد في عقد النكاح من أبواب ما يرد منه النكاح، ح1.
وهذا النصّ الأخير وقع في طريقه علي بن إسماعيل، فإنّ الشيخ(رحمه الله) رواه بسنده إلى الحسين بن سعيد، عن علي بن إسماعيل، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، فإن وافقنا على ما يقوله السيد الخوئي(رحمه الله)(1) من انصراف علي بن إسماعيل في هذه الطبقة إلى علي بن إسماعيل بن عيسى، وأثبتنا وثاقته بوروده في أسانيد كامل الزيارات بناءً على مبنىً كان للسيد الخوئي(رحمه الله) من توثيق كلّ من ورد في أسانيد كامل الزيارات _ ولكنّه عدل عن ذلك أخيراً _ تمّ سند الحديث. ولكن الأمر الثاني على الأقلّ غير صحيح، فهذا السند غير تام.
نعم، يبقى أنّ علي بن إسماعيل قد ورد في بعض الروايات نقل ابن أبي عمير عنه، ولكن الجزم بكونه هو نفس علي بن إسماعيل في حديثنا الذي رواه عن ابن أبي عمير مشكل، فلعلّهما شخصان في طبقتين.
۲_ رواية رفاعة بن موسى _ وفي السند سهل بن زياد _ عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «تردّ المرأة من العفل والبرص والجذام والجنون وأمّا ما سوى ذلك فلا»(2).
۳_ رواية زيد الشحّام _ وفي السند مفضّل بن صالح _ عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «تردّ البرصاء والمجنونة والمجذومة قلت: العوراء؟ قال: لا»(3).
والعور في هذه الرواية إن كان بمعنى عور العين دلّت الرواية إجمالاً على أنّه ليس في كلّ عيب خيار؛ لأنّ عور العين عيب بلا إشكال ومع ذلك نفت الرواية الخيار بلحاظه، وإن كان بمعنى مطلق العوار أي العيب دلّت الرواية على حصر الخيار في العيوب المنصوصة. والظاهر هو المعنى الأوّل.
(1) معجم الرجال، ج۱۱، ص 276، رقم ۷۹۳۲، ترجمة علي بن إسماعيل بن عيسى.
(2) وسائل الشيعة، ج۲۱، ص207، الباب الأول من أبواب العيوب والتدليس، ح۲.
(3) المصدر السابق، ص210، ح۱۱.
٤_ رواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «وتردّ المرأة من العفل والبرص والجذام والجنون، فأمّا ما سوى ذلك فلا»(1).
وسند الحديث ما يلي: الشيخ بإسناده إلى الحسين بن سعيد، عن القاسم، عن أبان، عن عبدالرحمن بن أبي عبدالله، عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال...(2)، والمقصود بالقاسم القاسم بن محمد الجوهري بقرينة رواية حسين بن سعيد عنه، وقد بنينا على وثاقة القاسم ابن محمد الجوهري على أساس نقل بعض الثلاثة عنه، فسند الحديث تام.
ووردت رواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله بسند آخر تام أيضاً مع حذف قوله: «فأمّا ما سوى ذلك فلا» وذلك ما رواه الكليني، عن أبي عليّ الأشعري، عن محمد بن عبدالجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن عبدالرحمن بن أبي عبدالله، عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «المرأة تردّ من أربعة أشياء: من البرص، والجذام، والجنون، والقرن وهو العفل، ما لم يقع عليها فإذا وقع عليها فلا»(3). وهذا النقل دلالته على الحصر أضعف من النقل الأوّل؛ لأنّها تكون بمفهوم العدد، في حين أنّ النقل الأوّل صريح في الحصر حيث قال: «فأمّا ما سوى ذلك فلا».
والذي يجلب الانتباه في هذه الروايات أنّها جميعاً واضحة الورود في عيوب المرأة، فدلّت على حصر ما يوجب الفسخ في عدد من العيوب في المرأة ولا تشمل عيوب الرجال ما عدا ما قد يفترض من الإطلاق في الرواية الأُولى التي مضى أنّها منقولة بمتون مختلفة، أخصرها ما رواه الشيخ في أحد نقليه، وهو قول الصادق(علیه السلام): «إنّما يردّ النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل» فقد يقال: إنّ هذا بإطلاقه يشمل الرجل والمرأة ويدلّ على حصر حقّ الفسخ في هذه العيوب الأربعة في الطرفين، فكلّ
(1) وسائل الشيعة، ج۲۱، ص210، الباب الأول من أبواب العيوب والتدليس، ح۱۳.
(2) تهذیب الأحكام، ج7، ص425، الباب 38 من كتاب النكاح، ح9.
(3) الكافي، ج5، ص409، باب المداسة في النكاح وما ترد من كتاب النكاح، ح16.
ما ثبتت فاسخيّته بنصّ خاص من غير هذه العيوب الأربعة نقول بحقّ الفسخ فيه، وفي ما عداه ننفي فاسخيته بهذا الإطلاق.
وقد يدّعى الإطلاق في هذه العبارة حتّى ضمن نقلها في سياق صدر وذيل مخصوصين بالمرأة كما في نقل الصدوق(رحمه الله) عن الصادق(علیه السلام): «أنّه قال في الرجل يتزوّج إلى قوم فإذا امرأته عوراء ولم يبيّنوا له قال: لا ترد وقال: إنّما يردّ النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل قلت: أرأيت إن كان قد دخل بها كيف يصنع بمهرها؟ قال: المهر لها بما استحلّ من فرجها ويغرم وليّها الذي أنكحها مثل ما ساق إليها»؛ وذلك بدعوى أنّ قوله: «إنّما يردّ النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل» جملة مستقلّة عن الصدر والذيل، ولعلّها صادرة في مجلس آخر مستقلّ فهي مطلقة، خاصّة أنّه صدّرت هذه الجملة في نقل الصدوق(رحمه الله) بكلمة «وقال» وإن كان في النقل الثاني للشيخ(رحمه الله) غير مصدّرة بهذه الكلمة، فكلمة «وقال» كأنّها توحي إلى انفصال هذه الجملة عن صدرها.
ولكن الإنصاف إنّ هذا الصدر والذيل صالحان للقرينية على اختصاص تلك الجملة أيضاً بعيوب المرأة، فلا أقلّ من الإجمال، وكذلك اختصاص السؤال بعيوب المرأة في نقل الكافي، بل قد يحتمل قراءة كلمة «يردّ» في نقل الكافي وكذلك في النقل المشتمل على ذلك الصدر كنقل الصدوق بالصيغة المبنيّة للمعلوم، أي: يردّ الرجل النكاح، فإن وثقنا بأنّ كلّ هذه النقول رواية واحدة بقرينة وحدة المضمون في تلك الجملة، ووحدة الإمام، ووحدة الراوي وهو الحلبي، ووحدة الراوي عن الراوي وهو حمّاد، سرى الإجمال إلى النقل الأوّل للشيخ، العاري عن ذاك الصدر والذيل؛ لأنّنا نستكشف أنّ انفصاله عن الصدر والذيل إنّما هو على أثر تقطيع النصّ، وأنّ النصّ الكامل مشتمل على ذاك الصدر والذيل.
وإن لم نجزم بذلك قلنا: إنّ هنا شيئاً آخر في كلّ هذه النقول يصلح أيضاً للقرينية على
اختصاص تلك الجملة بعيوب المرأة؛ وذلك عبارة عن أنّ تلك الجملة مشتملة على عيب لا يكون إلّا في المرأة وهو العفل، وفي نفس الوقت عارية عن العيوب المختصّة بالرجال كالعنن والخصاء والجبّ. وعليه فهذه الرواية أيضاً إمّا مخصوصة بعيوب المرأة، أو أنّ القدر المتيقّن منها عيوب المرأة ولا إطلاق لها لعيوب الرجل. على أنّ نقل الشيخ العاري عن ذاك الصدر والذيل قد عرفت احتمال ضعفه بعليّ بن إسماعيل.
ومن هنا يأتي احتمال أنّ الحصر إنّما هو في عيوب المرأة، ولا يمكن التعدّي إلى عيوب الرجل؛ لاحتمال أنّ الرجل باعتباره قادراً على الطلاق حتّى بلا عيب لم يعط في الشريعة بيده حقّ الفسخ إلّا في عيوب مخصوصة، أمّا المرأة فبما أنّها لا تملك الطلاق، لعلّها أُعطيت حقّ الفسخ في كلّ عيب، فإذا جاء احتمال ذلك نتيجة عدم شمول روايات الحصر لعيوب الرجل يصبح الدليل على ذلك عبارة عن قاعدة لا ضرر.
إلّا أنّه قد يقال: إنّ روايات الحصر هذه وإن اختصّت بعيوب النساء ولكن توجد رواية حصر في عيوب الرجال، وهي رواية عبّاد الضبّي على ما في الكافي(1)، أو غياث الضبّي على ما في الفقيه(2)، والتهذيب(3)، والاستبصار(4)، عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «في العنّين إذا عُلم أنّه عنّين لا يأتي النساء فرّق بينهما، وإذا وقع عليها وقعة واحدة لم يفرّق بينهما، والرجل لا يردّ من عيب»(5). بناءً على قراءة كلمة «لا يردّ» مبنيّة للمفعول.
إلّا أنّ المظنون أو الموثوق به أنّ كلمة «لا يردّ» هنا مبنيّة للمعلوم، ففي صدر
(1) الكافي، ج5، ص410، باب الرجل یدلس نفسه والعنین من كتاب النكاح، ح4.
(2) من لا یحضره الفقيه، ج3، ص550، باب حكم العنین من كتاب الطلاق، ح4894.
(3) تهذیب الأحكام، ج7، ص430، الباب38 من كتاب النكاح، ح25.
(4) الاستبصار، ج3، ص350، باب العنین وأحكامه من أبواب ما یرد منه النكاح، ح6.
(5) وسائل الشيعة، ج21، ص230، الباب14 من أبواب العيوب والتدليس، ح2.
الحديث حكم بردّ النكاح من طرف المرأة بلحاظ عنن الرجل، وفي ذيل الحديث ينفي ردّ النكاح من طرف الرجل، وهذا إمّا يقيّد بغير العيوب الخاصّة، أو يحمل على الاستحباب باعتبار أنّ الرجل بيده الطلاق، فالأولى أن لا يفسخ ويلتجئ في التخلّص من زوجته المعيبة إلى الطلاق، والحمل الثاني أولى؛ لأنّ الحكم بنفي ردّ الرجل امرأته من عيب عقيب الحكم مباشرة بردّ المرأة زوجها من العنن له ظهور قويّ في نفي ردّ الرجل امرأته حتّى من العيب الذي هو في النساء يناظر عيب العنن في الرجال وهو القرن، في حين أنّه لا شكّ في جواز الردّ في القرن، فأفضل محمل لذلك هو الحمل على الاستحباب. وعلى أيّ حال فسند الحديث ساقط بعبّاد الضبّي أو بغياث الضبّي.
وفي الأخير بقي الكلام في رواية قد يستفاد منها جواز الفسخ للرجل في كلّ عيب من عيوب المرأة ممّا يخفى على الرجال، وهي صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله(علیه السلام)_ في حديث _ أنّه قال في رجل تزوّج امرأة برصاء أو عمياء أو عرجاء، قال: «تردّ على وليّها ويردّ على زوجها مهرها الذي زوّجها عليه، وإن كان بها ما لا يراه الرجال جازت شهادة النساء عليها»(1). فيمكن التمسّك بإطلاق ذيل الحديث بدعوى أنّ قوله: «ما لا يراه الرجال» مطلق يشمل أيّ عيب خفيّ على الرجال، فإذاً ليس خيار الفسخ مخصوصاً بعيوب معيّنة. ولو تعدّينا من عيوب المرأة إلى عيوب الرجل بافتراض إلغاء العرف للخصوصية _ خاصّة أنّ المرأة ليس بيدها الطلاق بخلاف الرجل _ كانت الرواية دليلاً على أنّ الأصل في كلا الطرفين في كلّ عيب خفيّ عن الجنس المخالف هو ثبوت حقّ الفسخ.
إلّا أنّه يمكن النقاش في إطلاق هذا الذيل بأنّه إنّما يكون بالمطابقة بصدد بيان أنّ العيب الذي لا يراه الرجال تكون شهادة النساء بشأنه حجّة، وأمّا حقّ الفسخ
(1) المصدر السابق، ص216، الباب4 من أبواب العيوب والتدليس، ح2.
فكأنّه فرض مفروغاً عنه، ولذا وقع الاحتياج إلى شهادة النساء، فلا إطلاق للحديث في أصل حقّ الفسخ فلعلّه مخصوص بفرض التدليس.
وتشبه هذه الصحيحة صحيحة داود بن سرحان عن أبي عبدالله(علیه السلام)في حديث قال: «وإن كان بها _ يعني المرأة _ زمانة لا تراها الرجال أُجيزت شهادة النساء عليها»(1).
وفرق هذه الصحيحة عن الصحيحة الأُولى أنّه لو تمّ إطلاقها فهو في دائرة أضيق من إطلاق الصحيحة الأُولى، فإنّ الزمانة أخصّ من مطلق العيب، وقد فسّرت الزمانة تارة بمعنى المرض المزمن، وأُخرى بمعنى العاهة، وثالثة بمعنى نقص العضو. وعلى أيّ حال فالنقاش في إطلاق هذا الحديث كالنقاش في إطلاق الحديث السابق.
وقد تبيّن بكلّ هذا العرض أنّ أقوى ما يمكن أن يذكر كدليل على ثبوت حقّ الفسخ في كلّ عيب وعلى الإطلاق هو التمسّك بقاعدة لا ضرر في خصوص طرف المرأة، أي: أنّ من حقّ المرأة فسخ عقد النكاح بكلّ عيب في الرجل، لأنّه اتّضح أنّ روايات الحصر التي تقيّد إطلاق قاعدة لا ضرر إنّما وردت في عيوب المرأة دون الرجل، والتعدّي إلى فسخ الرجل في عيوب المرأة غير ممكن، لأنّ احتمال الفرق وارد ولو بلحاظ أنّ الرجل له حقّ الطلاق على أيّ حال.
فإن أفتينا بذلك _ أعني: أنّ للمرأة فسخ النكاح بأيّ عيب من العيوب في الزوج _ لم يبق موضوع في مسألة الفسخ بالعيوب للإشكال _ الذي يورد كثيراً في عدد من المسائل _ من قِبل أعداء الإسلام على الإسلام من هضمه لحقّ المرأة.
وإن لم نفت بذلك وقلنا: إنّ الحصر ثابت في طرف الرجل والمرأة لإطلاق قوله: «إنّما يردّ النكاح...» مثلاً، فعندئذٍ نقول: إنّ العيوب التي يمكن تواجدها في الرجال
(1) المصدر السابق، ح1.
وفي النساء معاً، كلّما ثبت حقّ الفسخ فيه للرجل بنصّ خاص تعدّينا منه إلى المرأة بعدم احتمال الفرق عرفاً أو بالأولويّة، أمّا العيب الخاص بالمرأة الموجب للفسخ كالقرن فيقابله العيب الخاص بالرجل الموجب للفسخ كالعنن.
فالخلاصة: أنّه لا مجال في بحث الفسخ لما يُطعن به الإسلام من قِبل أعدائه في جملة من المسائل، كالحجاب أو الطلاق أو تعدّد الزوجات أو الإرث من هضمه لحقّ المرأة، على أنّ لنا في كلّ مسألة من تلك المسائل جواباً على ذلك الإشكال يخصّها، ولنا بحث مختصر حول مجموعة هذه الإشكالات تعرّضنا له بمناسبة مّا في بحث القضاء.
هذا تمام ما أردنا إيراده بمقتضى قاعدة عامّة عن العيوب الفاسخة بلحاظ ما كانت سابقة على العقد أو مقارنة له.
أمّا لو طرأت بعد العقد فلا مجال للتمسّك لإثبات حقّ الفسخ لا بروايات التدليس ولا بقاعدة لا ضرر:
أمّا الأوّل فلأنّ روايات التدليس واردة في العيوب الموجودة قبل العقد ولأنّه لا تدليس في العيوب الطارئة.
نعم، لو كانت العيوب في الباطن اكتشفها الطبيب مثلاً، ومع ذلك أُخفيت على الطرف المقابل ثم برزت بعد العقد، فهذا في الحقيقة داخل في البحث السابق أي: بحث عيوب ما قبل العقد.
وأمّا الثاني فلأنّ قاعدة لا ضرر لو أُريد تطبيقها بلحاظ ثبوت حقّ الفسخ عقلائياً فيكون سلبه ضرراً، فمن الواضح أنّ حقّ الفسخ غير ثابت عقلائياً في العيوب الطارئة بعد العقد، ولو أُريد تطبيقها بلحاظ الضرر الخارجي باعتبار استناده إلى العقد أو لزومه فمن الواضح أنّ الضرر الخارجي بلحاظ عيب ما بعد العقد لا يسند عرفاً إلى العقد أو لزومه، ولو أُريد تطبيقها بلحاظ الضرر الغرضي المعاملي بدعوى أنّ من الأغراض العامّة للمتعاقدين بعقد النكاح الحصول على
زوج سليم، فمن الواضح أنّ المتعاقدين يلحظون في أغراضهم الملحوظة في العقد السلامة في وقت العقد، ولا أحد يعلم الغيب حتّى يلحظ في أغراضه العقدية سلامة زوجه المستقبلي.
هذا تمام كلامنا في العيوب الفاسخة بقطع النظر عن النصوص الخاصّة.
العيوب الفاسخة المنصوصة في الرجال
والآن نبدأ إن شاء الله ببحث العيوب الفاسخة المنصوصة واحداً تلو الآخر:
وقد ذكروا في عيوب الرجال عيوباً أربعة ثم بحثوا بعض عيوب أُخرى:
الجنون
العيب الأوّل: الجنون. والروايات الخاصّة بجنون الرجل كلّها واردة في الجنون الطارئ بعد العقد وهي:
1_ رواية عليّ بن أبي حمزة _ ولم تثبت وثاقته عندنا _ قال: «سئل أبو إبراهيم(علیه السلام)عن امرأة يكون لها زوج قد أُصيب في عقله بعد ما تزوّجها أو عرض له جنون، قال: لها أن تنزع نفسها منه إن شاءت»(1).
2_ والشيخ الصدوق(رحمه الله) بعد أن ذكر هذا الحديث(2) قال: وفي خبر آخر: «أنّه إذا بلغ به الجنون مبلغاً لا يعرف أوقات الصلاة فرق بينهما، فإن عرف أوقات الصلاة فلتصبر المرأة فقد بُليت»(3).
3_ الفقه الرضوي: «إذا تزوّج رجل فأصابه بعد ذلك جنون، فيبلغ به مبلغاً حتّى لا يعرف أوقات الصلاة فرق بينهما، وإن عرف أوقات الصلاة فلتصبر المرأة
(1) وسائل الشيعة، ج21، ص225، الباب12 من أبواب العيوب والتدليس، ح1.
(2) من لا یحضره الفقيه، ج3، ص522، باب الشقاق من أبواب القضايا والأحكام، ح4818.
(3) المصدر السابق، ح4819.
معه فقد بُليت»(1). ووجه الاستدلال بهذه الروايات بالقياس إلى ما قبل العقد، التعدّي العرفي بالأولويّة ممّا بعد العقد إلى ما قبله.
والأولى الاستدلال بصحيحة الحلبي الماضية، والتي كان المتيقّن منها جنون المرأة، وذلك إمّا بدعوى الإطلاق لعيب الرجل _ وقد عرفت النقاش فيه _ أو بدعوى التعدّي العرفي أو التعدّي بالأولويّة العرفية إلى الرجل.
أمّا لو غضضنا النظر عن هذه الصحيحة، فتلك الروايات كلّها لا تخلو من ضعف في السند حتّى مرسلة الصدوق ولو عند من يقول بحجّية مراسيل الصدوق؛ فإنّ من يقول بحجّية مراسيل الصدوق يقصد بذلك حجّية نسبة الصدوق لحديث إلى الإمام بمثل قوله: قال الصادق(علیه السلام)بدعوى لزوم تصديقه في هذه النسبة كخبر من الأخبار صدر من الصدوق وهو ثقة، وأمّا في المقام فلم يكن تعبيره هكذا، بل قال: وفي خبر آخر....
ثم إنّ التفصيل بين ما لو عقل أوقات الصلاة أو لم يعقل إنّما ورد في جنون ما بعد العقد ولم يرد في جنون ما قبل العقد عدا ما قد يتخيّل من الإطلاق في مرسلة الصدوق، إلّا أنّ هذا الإطلاق ليس في محلّه؛ لأنّ الصدوق ذكر هذا الحديث في ذيل الحديث الأوّل بعنوان: وفي خبر آخر «أنّه إذا بلغ...» فيحتمل فيه كون هذا تكملة _ في خبر آخر _ لحكم نفس الرجل الذي فرض طروء الجنون عليه بعد العقد، ولعلّه إشارة إلى ما مضى من الفقه الرضوي.
وعلى أيّ حال فلو آمنّا بحجّية الروايات المفصّلة بين ما لو عقل أوقات الصلاة وما لو لم يعقلها، فهل نتعدّى في هذا التفصيل إلى جنون ما قبل العقد أو يختصّ بجنون ما بعد العقد؟
الظاهر أنّنا لو لم نؤمن بدليل آخر لإثبات حقّ الفسخ في جنون ما قبل العقد،
(1) مستدرك الوسائل، ج15، ص53، الباب11 من أبواب العیوب والتدلیس، الحدیث الوحید في الباب.
كما لو ناقشنا في إطلاق صحيحة الحلبي وفي التعدّي من جنون المرأة إلى جنون الرجل، ولم نقبل بصحّة التمسّك في المقام بقاعدة لا ضرر، وانحصر الدليل في الروايات الواردة في الجنون المتأخّر عن العقد، اتّجه التعدّي في التفصيل إلى جنون ما قبل العقد؛ لأنّ أصل الدليل على فاسخية جنون ما قبل العقد، إنّما كان هو التعدّي من فاسخيّة جنون ما بعد العقد. وبما أنّ المتعدّى منه حكم خاص بالجنون البالغ مرتبة لا يعقل معها أوقات الصلاة، فلا يمكن إثبات أكثر من ذلك في المتعدّى إليه أي: الجنون قبل العقد.
فإن قلت: إنّ خبر علي بن أبي حمزة دلّ بدلالته المطابقية على كون الجنون بعد العقد في الرجل موجباً لحقّ الفسخ، وبالأولويّة العرفية على كون الجنون فيه قبل العقد أيضاً موجباً لحقّ الفسخ، ومرسلة الصدوق قيّدت المطابقيّة من خبر علي ابن أبي حمزة بالجنون الواصل إلى مستوى عدم تعقّل أوقات الصلاة، فسقط إطلاق المطابقية من خبر علي بن أبي حمزة عن الحجّية بلحاظ جنون ما بعد العقد في مرتبة يعقل معها أوقات الصلاة، ولكن لا يسقط بها إطلاق الالتزامية لذلك الخبر في جنون ما قبل العقد، لأنّ الالتزامية إنّما تتبع المطابقية في أصل تكوّن الظهور لا في الحجّية.
قلت: إنّ الكاشف عن إطلاق الالتزامية كان هو إطلاق المطابقية، فإذا انتقص إطلاق المطابقية عن مستوى الحجّية لم تبق لنا حجّة كاشفة عن إطلاق الالتزامية.
نعم لو كان عدم حجّية المطابقية لا لاكتشاف نقص فيها، بل لكون المطابقية في أُصول الدين الذي لابدّ فيها من اليقين ولا يكفي فيها الدليل الظنّي مثلاً، في حين أنّ الالتزامية كانت في الأحكام التي يكفي فيها الظنّ الخاص مثلاً، صحّ القول هنا بأنّ الالتزامية لا تتبع المطابقية في الحجّية. ولكنّ الأمر ليس كذلك في المقام.
هذا كلّه لو لم نؤمن بدليل آخر لإثبات حقّ الفسخ في الجنون السابق على العقد غير روايات الجنون اللاحق عليه.
ولكنّنا لمّا آمنّا بدليل آخر لفاسخية الجنون السابق على العقد من صحيحة الحلبي، أو دليل لا ضرر، فالمتّجه هو القول بأنّ الجنون السابق على العقد يورث حقّ الفسخ للمرأة حتّى لو كان يعقل أوقات الصلاة؛ لأنّ الدليل مطلق ولا يمكننا التعدّي في التقييد والتفصيل من جنون ما بعد العقد إلى جنون ما قبله، لاحتمال أشدّية حكم الجنون السابق في إيراث حكم الفسخ من الجنون اللاحق، فلعلّ أمرها بالصبر (فقد بُليت كما ورد في النصّ الماضي) مخصوص بمورد النصّ وهو جنون ما بعد العقد.
ثم إنّ الأصحاب لم يفرّقوا في حقّ الفسخ بين الجنون المطبق والجنون الأدواري، وهذا هو مقتضى إطلاق الروايات، ولو احتملنا انصرافه إلى المطبق لأنّه المجنون المطلق أمكن التمسّك لإثبات حقّ الفسخ في الأدواري بقاعدة لا ضرر.
كما أنّ الظاهر عدم الفرق بين النكاح الدائم والمنقطع، فلو شككنا في إطلاق الروايات واحتملنا انصرافها إلى الدائم أمكن التمسّك في المنقطع بلا ضرر.
العنن
العيب الثاني: العنن. ولا شكّ في كونه موجباً لحقّ الفسخ؛ لتظافر النصوص به من دون فرق بين أن يكون قبل العقد أو يتجدّد بعد العقد، بل لعلّ مورد بعض الروايات هو المتجدّد بعد العقد كصحيحة أبي بصير المرادي قال: «سألت أبا عبدالله(علیه السلام)عن امرأة ابتلي زوجها فلا يقدر على جماع، أتفارقه؟ قال: نعم إن شاءت»(1). وأصرح منها في المتجدّد بعد العقد موثّقة عمار بن موسى، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، «أنّه سئل عن رجل أُخذ عن امرأته فلا يقدر على إتيانها، فقال: إذا لم يقدر على إتيان غيرها من
(1) وسائل الشيعة، ج21، ص229، الباب14 من أبواب العيوب والتدليس، ح1.
النساء فلا يمسكها إلّا برضاها بذلك، وإن كان يقدر على غيرها فلا بأس بإمساكها»(1).
فإن كان العنن سابقاً على العقد فلا إشكال في الخيار؛ إمّا للتعدّي العرفي من مورد مثل تلك الروايات من المتجدّد بعد العقد إلى ما كان من قبل العقد بالأولويّة، وإمّا لإطلاق بعض الروايات الأُخرى من قبيل صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر(علیه السلام)قال: «العنّين يتربّص به سنة، ثم إن شاءت إمرأته تزوّجت، وإن شاءت أقامت»(2).
بل بعض الروايات واردة في خصوص ما قبل العقد، إلّا أنّها ضعيفة سنداً كرواية علي بن جعفر الضعيفة بعبدالله بن الحسن، عن موسى بن جعفر(علیه السلام)قال: «سألته عن عنّين دلّس نفسه لامرأة، ما حاله؟ قال: عليه المهر، ويفرّق بينهما إذا علم أنّه لا يأتي النساء»(3).
بل لا نحتاج بالنسبة لما قبل العقد إلى نصّ خاص لكفاية لا ضرر والتدليس. أمّا الأوّل فواضح، وأمّا الثاني فلأنّ العنن باعتباره في ذاته عيباً مخفيّاً، يكون مجرّد السكوت عنه _ مع كون الأصل الأوّلي عند الناس هو السلامة _ تدليساً.
أمّا بعد العقد فلا تجري لا قاعدة التدليس ولا قاعدة لا ضرر، فإنّ التدليس لا يصدق في فرض تجدّد العنن كما هو واضح، ولا ضرر لا تجري فى العيب المتجدّد بعد العقد كما لا تجري في البيع لو تجدّد عيب في المبيع بعد تمامية البيع، فالدليل في خيار الفسخ في العنن المتجدّد ينحصر في النصّ وقد عرفت ثبوته.
(1) وسائل الشيعة، ج21، ص230، الباب14 من أبواب العيوب والتدليس، ح3.
(2) المصدر السابق، ص231، ح5.
(3) المصدر السابق، ص232، ح13.
وأصل المسألة واضحة لا غبار عليه، إلّا أنّه يقع الكلام في عدّة أمور:
الأوّل: لو تجدّد العنن بعد العقد والدخول فهل لها خيار الفسخ؟
مقتضى موثّقة إسحاق بن عمّار عدم الخيار، حيث روى عن جعفر عن أبيه(علیهما السلام): أنّ عليّاً(علیه السلام)كان يقول: «إذا تزوّج الرجل امرأة فوقع عليها ثم أعرض عنها فليس لها الخيار، لتصبر فقد ابتليت، وليس لأُمّهات الأولاد ولا الإماء ما لم يمسّها من الدهر إلّا مرّة واحدة خيار»(1).
وتؤيّدها رواية عبّاد أو غياث الضبّي، وهي ضعيفة السند بنفس عبّاد أو غياث، عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال «في العنّين: إذا علم أنّه عنّين لا يأتي النساء فرّق بينهما، وإذا وقع عليها وقعة واحدة لم يفرّق بينهما، والرجل لا يردّ من عيب»(2).
وكذلك رواية السكوني الضعيفة بالنوفلي عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: قال أمير المؤمنين(علیه السلام): «من أتى امرأة مرّة واحدة ثم أُخذ عنها فلا خيار لها»(3).
إلّا أنّ الكلام يقع في أنّ إطلاق صحيحة أبي بصير المرادي الماضية، وكذلك موثّقة عمّار بن موسى الماضية، هل تقبل التقييد بعنن ما قبل الدخول أو لا؟
وتوضيح الكلام في ذلك: أنّ الصحيحة والموثّقة ظاهرتان في العنن العارض بعد العقد، والغالب في العنن العارض بعد العقد هو أن يكون بعد الدخول أيضاً؛ لأنّ فرصة ما بين العقد والدخول قليلة، فحملهما على عروض العنن بعد العقد وقبل الدخول حمل على فرد نادر، فهما آبيتان عن هذا التقييد.
إلّا أن يقال: إنّ الندرة غير واصلة إلى حدّ استهجان حمل المطلق عليه، نعم لا شكّ
(1) المصدر السابق، ص232، ح8.
(2) المصدر السابق، ص230، ح2.
(3) المصدر السابق، ح4.
أنّ إخراج عنن ما بعد الدخول استثناء للأكثر. ولكن قالوا في علم الأصول: إنّ استثناء الأكثر القبيح ليس بمعنى قبح استثناء أكثر الأفراد، فلو كان استثناء أكثر الأفراد بعنوان واحد كما في المقام وهو عنوان ما بعد الدخول لم يكن قبيحاً، وإنّما يقبح استثناء الأكثر بعناوين متكثّرة.
ولو شككنا فمقتضى أصالة اللزوم في العيب الطارئ بعد العقد عدم الفسخ، خرجنا منه يقيناً في العنن قبل الدخول، وبقي العنن بعد الدخول تحت أصالة اللزوم.
إلّا إذا قلنا بالتخيير في الخبرين المتعارضين، وقلنا بأنّ إطلاق الصحيحة والموثّقة آب عن هكذا تخصيص، فيقع التعارض بينهما وبين روايات نفي الخيار بعد الوقوع عليها مرّة واحدة، فبإمكاننا الأخذ بإطلاق الصحيحة والموثّقة.
وقد يقول قائل: إنّ مقتضى إطلاق صحيحة أبي بصير المرادي وموثّقة عمّار بن موسى الساباطي، أنّه متى ما عرض على الزوج العنن ولو بعد الدخول كان للزوجة خيار الفسخ، إلّا أنّه لابدّ لها _ بحكم ما سيأتي من الروايات _ من الصبر سنة بأمل العلاج أو الشفاء، فإن وقع عليها ولو مرّة واحدة سقط خيارها ولكن لا إلى الأخير، بل إلى سنة أي: أنّه لو رجع عليه مرّة أُخرى العجز عن الدخول رافعته مرّة أُخرى وأمهلته سنة.
والدليل على ذلك ذيل ما مضى من موثّقة إسحاق بن عمّار عن جعفر عن أبيه(علیهما السلام): أنّ عليّاً(علیه السلام)كان يقول: «إذا تزوّج الرجل امرأة فوقع عليها ثم أعرض عنها فليس لها الخيار، لتصبر فقد ابتليت، وليس لأُمّهات الأولاد ولا الإماء ما لم يمسّها من الدهر إلّا مرّة واحدة خيار». فإنّ المقصود بصدر الحديث لو كان سقوط الخيار إلى الأخير بوقعة واحدة عليها في الدهر، لم يبق فرق بين الأحرار من ناحية وأُمّهات الأولاد والإماء من ناحية أُخرى، حيث أنّ الذيل صريح في أنّ أُمّهات الأولاد والإماء لا خيار لهنّ لو تزوّجن ولم يمسّهن الزوج من الدهر إلّا مرّة واحدة، والتفصيل قاطع للشركة.
فإن وافقنا على هكذا جمع انتفت مشكلة لزوم تخصيص صحيحة المرادي وموثّقة عمار الساباطي بالفرد النادر. نعم، لعلّه يصعب تقييد رواية السكوني ورواية عبّاد أو غياث الضبّي اللّتين مضى ذكرهما بعد موثّقة إسحاق بن عمّار، بكون مدّة سقوط الخيار سنة لا تمام الدهر، لكنّهما ضعيفتان سنداً.
الثاني: مقتضى الإطلاقات وإن كان ثبوت الخيار فوراً بمجرّد حصول العنن، إلّا أنّ هناك روايات تصرّح بالإمهال سنة، كصحيحة أبي حمزة قال: سمعت أبا جعفر(علیه السلام)يقول: «إذا تزوّج الرجل المرأة الثيّب التي تزوّجت زوجاً غيره فزعمت أنّه لم يقربها منذ دخل بها فإنّ القول في ذلك قول الرجل، وعليه أن يحلف بالله لقد جامعها؛ لأنّها المدّعية، قال: فإن تزوّجت وهي بكر فزعمت أنّه لم يصل إليها فإنّ مثل هذا تعرف النساء فلينظر إليها من يوثق به منهنّ فإذا ذكرت أنّها عذراء فعلى الإمام أن يؤجّله سنة فإن وصل إليها وإلّا فرّق بينهما، وأُعطيت نصف الصداق، ولا عدّة عليها»(1).
ومعتبرة الحسين بن علوان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي(علیهم السلام): «أنّه كان يقضي في العنّين أنّه يؤجّل سنة من يوم ترافعه المرأة»(2). وصحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر(علیه السلام)قال: «العنّين يتربّص به سنة، ثم إن شاءت امرأته تزوّجت وإن شاءت أقامت»(3). ونحوها مقطوعة أبي الصباح(4)، ورواية أبي البختري(5) الضعيفتان سنداً. ومقتضى الجمع العرفي تقييد المطلقات بهذه المقيّدات.
الثالث: المطلقات وإن اقتضت حقّ الفسخ من دون مراجعة القاضي، لكن
(1) وسائل الشيعة، ج21، ص233، الباب15 من أبواب العيوب والتدليس، ح1.
(2) المصدر السابق، ص232، ح12.
(3) المصدر السابق، ص231، ح5.
(4) المصدر السابق، ح7.
(5) المصدر السابق، ص232، ح9.
صحيحة أبي حمزة، ومعتبرة الحسين بن علوان الماضيتان قيّدتا المسألة بمرافعة المرأة، وظاهرهما التفريق من قبل القاضي، وكذلك ما أشرنا إليه من رواية أبي البختري الضعيفة سنداً، ولعلّه أيضاً ظاهر كلمة «يفرّق بينهما» في رواية علي بن جعفر الضعيفة بعبدالله بن الحسن الماضي ذكرها سابقاً، وكذلك رواية الضبّي الماضية الضعيفة بنفس الضبّي.
وقد تقول: إنّ التعبير بـ «إن شاءت فارقت» آبٍ عن التقييد بضرورة تفريق القاضي وعدم جواز الفسخ من قبلها مباشرة، وهذا التعبير أو نحوه وارد في ما مضى ذكره من صحيحة المرادي: «أتفارقه؟ قال: نعم إن شاءت». وصحيحة محمد بن مسلم: «ثم إن شاءت امرأته تزوّجت وإن شاءت أقامت». وكذلك ورد في رواية أبي الصباح الكناني الضعيفة بمحمد بن الفضيل: قال: «سألت أبا عبدالله(علیه السلام)عن امرأة ابتلي زوجها فلا يقدر على الجماع أبداً أتفارقه؟ قال: نعم إن شاءت»(1).
ولكن لا يبعد أن يكون ربط المطلب بمشيئتها سلباً وإيجاباً بسبب أنّها إن شاءت الفراق وجب على القاضي بعد نهاية السنة التفريق بينهما، وإن لم تشأ الفراق لم يجز للقاضي التفريق بينهما. ولو صعب تقييد موثّقة عمّار حتّى بهذا الشكل حيث ورد فيها قوله: «إذا لم يقدر على إتيان غيرها من النساء فلا يمسكها إلّا برضاها بذلك فلا بأس بإمساكها»، أمكن القول بأنّ مراجعة القاضي إنّما هي للإشراف على مضي سنة من حين المرافعة وعدم حصول الدخول، وبعد ذلك لا يجوز له إمساكها إلّا برضاها سواءً فرّق القاضي بينهما أو لم يفرّق.
بل يمكن أن يقال: إنّ مراجعة القاضي إنّما هي في فرض المرافعة، أمّا لو اتّفقا بينهما بلا مرافعة على الصبر سنة بأمل الشفاء ثم العمل بخيار الفسخ، أو لم يكن
(1) وسائل الشيعة، ج21، ص231، الباب14 من أبواب العیوب والتدلیس، ح6.
عنده أصلاً أمل الشفاء ولم يدّع ذلك، أمكن الفسخ بلا مراجعة القاضي التي تكون عادة لدى المرافعة، وعلى تقدير المرافعة لابدّ أن يكون مبدأ السنة من حين المرافعة.
الرابع: قيّدت موثّقة عمّار الماضية الحكم بما إذا لم يقدر على إتيان غيرها من النساء، وقد يفهم هذا القيد أيضاً من رواية الضبّي «إذا علم أنّه عنّين لا يأتي النساء» ورواية علي بن جعفر: «إذا علم أنّه لا يأتي النساء» وكأنّ ذلك بنكتة أنّه لو قدر على إتيان غيرها من النساء لم يصدق العنن، ولو حصل العلم بالعنن من دون تجربة حاله مع نساء أُخريات لم تلزم التجربة مع الأُخريات، كما هو واضح.
الخامس: روايات العنن كلّها خالية عن وجوب إعطاء الزوج المهر للزوجة في فرض فسخها للعقد إلّا رواية علي بن جعفر الماضية، عن أخيه موسى بن جعفر(علیه السلام)قال: «سألته عن عنّين دلّس نفسه لامرأة، ما حاله؟ قال: عليه المهر ويفرّق بينهما إذا علم أنّه لا يأتي النساء». وهذه الرواية قد فرض فيها التدليس، فيحتمل اختصاص الحكم بفرض التدليس وعدم جريانه في العنن بلا تدليس كما لو كان العنن طارئاً بعد العقد، أو كان ثابتاً قبل العقد ولكن كان يعتقد أنّ المرأة مطّلعة على ذلك فلم يكن سكوته عنه تدليساً.
ومقتضى المناسبة أيضاً كون ضمان المهر كاملاً مجازاةً لتدليسه لا في مقابل مجرّد العيب الذي تخلّصت المرأة منه بالفسخ. وعلى أيّ حال فقد مضى أنّ هذا الحديث ضعيف سنداً بعبدالله بن الحسن.
ومعه يشكل إثبات ضمان المهر حتّى مع التدليس؛ لأنّ ضمان المهر لو فرض بالعقد فالمفروض أنّه مفسوخ فلا يحتمل هذا الضمان، ولو فرض بالدخول فالعنّين عاجز عن الدخول، ولو فرض بالتدليس فكونه موجباً لضمان المهر مشكوك، ومقتضى الأصل _ بعد ضعف الرواية _ عدمه، واستصحاب مالكية المرأة للمهر بعد الفسخ مشكل؛ لأنّه من استصحاب الكلّي القسم الثالث؛ لأنّ الفرد المقطوع حدوثه