155

إسلام الزوجة الكتابية‌

157

بسم الله الرحمن الرحيم‌

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى اللّٰه على محمد وآله الطيّبين الطاهرين‌.

لو أسلمت الكتابية وزوجها يهودي أو مسيحي فهل تبين عنه من حين الإسلام أو بعد العدّة أو لا تبين؟

تدل على أصل البينونة صحيحة البزنطي‌ قال: «سألت الرضا(علیه السلام)عن الرجل تكون له الزوجة النصرانية فتسلم هل يحلّ لها أن تقيم معه؟ قال: إذا أسلمت لم تحلّ له. قلت: فإنّ الزوج أسلم بعد ذلك أيكونان على النكاح؟ قال: لا، بتزويج جديد»(1).

وصحيحة عبداللّٰه بن سنان عن أبي عبداللّٰه(علیه السلام)قال: «إذا أسلمت امرأة وزوجها على غير الإسلام فرّق بينهما».(2)

إلّا أنّنا نحمل ذلك على البينونة بعد العدّة بقرينة صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبداللّٰه(علیه السلام)«عن رجل مجوسي أو مشرك من غير أهل الكتاب كانت تحته

 


(1) وسائل الشيعة، ج20، ص542، الباب5 من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه، ح5.

(2) المصدر السابق، ص547، الباب9 من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه، ح4.

158

امرأة فأسلم أو أسلمت؟ قال: ينتظر بذلك انقضاء عدّتها، وإن هو أسلم أو أسلمت قبل أن تنقضي عدّتها فهما على نكاحهما الأوّل، وإن هو لم يسلم حتى تنقضي العدّة فقد بانت منه»(1).

ونحوها روايات واردة في خصوص المجوسي(2).

فلئن كان المجوسي والمشرك لا تبين امرأتهما التي أسلمت بينونة باتّة إلّا بعد العدّة فاليهودي والنصراني مثلهما أو أولى منهما بذلك.

وفي مقابل ما دلّ على البينونة ولو بعد العدّة‌ روايات دالّة على عدم البينونة، من قبيل:

1_ ما رواه جميل بن درّاج عن بعض أصحابنا عن أحدهما(علیهما السلام): أنّه قال: «في اليهودي والنصراني والمجوسي إذا أسلمت امرأته ولم يسلم. قال: هما على نكاحهما، ولا يفرّق بينهما، ولا يترك أن يخرج بها من دار الإسلام إلى دار الكفر»(3).

2_ ما رواه علي بن إبراهيم عن أبيه عن بعض أصحابه عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام)قال: «إنّ أهل الكتاب وجميع من له ذمّة إذا أسلم أحد الزوجين فهما على نكاحهما، وليس له أن يخرجها من دار الإسلام إلى غيرها ولا يبيت معها، ولكنّه يأتيها بالنهار. وأمّا المشركون مثل مشركي العرب وغيرهم فهم على نكاحهم إلى انقضاء العدّة ...»(4).

 


(1) الكافي، ج10، ص863، باب نكاح أهل الذمة والمشركين يسلم بعضهم ولا يسلم بعض أو يسلمون جميعاً، ح3.وسائل الشيعة، ج20، ص547، الباب9 من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه، ذيل الحديث3.

(2) وسائل الشيعة، ج20، ص546، الباب9 من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه، ح1، 2، 7.

(3) تهذيب الأحكام، ج7، ص300، باب من يحرم نكاحهن بالأسباب دون الأنساب من كتاب النكاح، ح12؛ الاستبصار، ج3، ص 181، باب الرجل والمرأة إذا كانا ذمیین فتسلم المرأة دون الرجل، ح10؛ وسائل الشيعة، ج20، ص546، الباب9 من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه، ح1. وفي الوسائل: (الهجرة) بدل (دار الكفر).

(4) وسائل الشيعة، ج20، ص547، الباب9 من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه، ح5.

159

3_ رواية الكليني عن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن عيسى عن يونس قال: «الذمّي تكون عنده المرأة الذمية فتسلم امرأته قال: هي امرأته يكون عندها بالنهار، ولا يكون عندها بالليل. قال: فإن أسلم الرجل ولم تسلم المرأة يكون الرجل عندها بالليل والنهار»(1).

وقد نقل عن الشيخ في النهاية والتهذيبين الإفتاء بعدم انفساخ النكاح بانقضاء العدّة إن كان الزوج قائماً بشرائط الذمة، غير أنّه لا يمكّن من الدخول عليها ليلاً، ولا من الخلوة بها نهاراً، ولا من إخراجها إلى دار الحرب(2).

إلّا أنّ هذه الروايات كلّها ضعيفة السند، والأخيرة غير منتهية إلى المعصوم.

4_ رواية عبد الملك بن عمير القبطي عن أمير المؤمنين(علیه السلام)«أنّه قال للنصراني الذي أسلمت زوجته: بُضعها في يدك، ولا ميراث بينكما»(3).

إلّا أنّها أيضاً ساقطة سنداً.

5_ رواية عبدالرحمن البصري قال: قال أبو عبداللّٰه(علیه السلام): «قضى أمير المؤمنين(علیه السلام)في نصراني اختارت زوجته الإسلام ودار الهجرة: أنّها في دار الإسلام لا تخرج منها، وأنّ بضعها في يد زوجها النصراني، وأنّها لا ترثه ولا يرثها»(4).

و عيب السند عبارة عن الغمز الموجود في سند الشيخ إلى علي بن الحسن بن فضّال(5).

 


(1) الكافي، ج5، ص437، باب نكاح أهل الذمة والمشركین يسلم بعضهم ولا يسلم بعض أو يسلمون جميعاً، ح8.

(2) راجع فقه الصادق، ج21، ص455.

(3) وسائل الشيعة، ج26، ص17، الباب الأول من أبواب موانع الإرث من الكفر والقتل والرق، ح22.

(4) المصدر السابق، ح23.

(5) تهذيب الأحكام، ج9، ص368، باب میراث أهل الملل المختلفة و...، ح13.

160

و النتيجة إذاً هي الحكم بالبينونة بعد العدّة؛ لضعف الروايات المعارضة.

ثم إنّ توقّف البينونة الكاملة على العدّة مختصّ طبعاً بمن لها عدّة، فلا يشمل ذلك اليائس، ولا غير المدخول بها. وقد ورد في غير المدخول بها التصريح بذلك في بعض روايات الباب، وهي صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن(علیه السلام)«في نصراني تزوّج نصرانية فأسلمت قبل أن يدخل بها. قال: قد انقطعت عصمتها منه، ولا مهر لها، ولا عدّة عليها منه»(1).

6_ بقيت في المقام صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(علیه السلام)قال: «سألته عن امرأة أسلمت ثم أسلم زوجها هل تحلّ له؟ قال: هو أحقّ بها ما لم تتزوّج، ولكنّها تخيّر، فلها ما اختارت»(2).

والظاهر أنّ الرواية لا علاقة لها برجوع الزوج إليها ما لم تتزوّج رغم انتهاء العدّة، بل لعلّها تدل أيضاً على البينونة؛ فإنّ معنى «هل تحلّ له؟» أنّها هل أصبحت محرّمة عليه أو هي من النساء المحلّلات؟ فيقول الإمام(علیه السلام): أنّها لا زالت من المحلّلات له، بل له ما لم تتزوّج نوع من الأولوية والأحقّية باعتباره زوجها الأوّل، إلّا أنّ هذه الأولوية ليست إلى حدّ الوجوب والتعيّن، فلها ما اختارت فإن شاءت تزوّجت به وإن شاءت تزوّجت بغيره أو لم تتزوّج.

وقد اتّضح بكلّ ما ذكرناه إلى الآن أنّ الصحيح ما عليه المشهور من أنّ الكتابية لو أسلمت بانت من زوجها الكتابي، ولكن بينهما العدّة، فلو أسلم قبل انقضاء العدّة رجع إليها، ولو لم يسلم إلّا بعد انقضاء العدّة كان خاطباً من الخطّاب.

إلّا أنّ للنظر في ما انتهينا إليه من النتيجة مجالاً؛ وذلك لأنّ ما مضت في البحث

 


(1) وسائل الشيعة، ج20، ص547، الباب9 من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه، ح6.

(2) المصدر السابق، ص548، ح10.

161

من الرواية الثانية من روايات عدم البينونة إنّما فرضنا عدم تمامية سندها بحسب ما ورد في متن الكافي حيث قال: علي بن ابراهيم عن أبيه عن بعض أصحابه عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام)(1).

ولكن الوارد في التهذيب(2)و الاستبصار(3)هكذا: ما رواه محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن محمد بن مسلم (فيتمّ السند) عن أبي جعفر(علیه السلام)قال: «إنّ أهل الكتاب وجميع من له ذمّة إذا أسلم أحد الزوجين فهما على نكاحهما، وليس له أن يخرجها من دار الإسلام إلى غيرها ولا يبيت معها، ولكنّه يأتيها بالنهار. وأمّا المشركون مثل مشركي العرب وغيرهم فهم على نكاحهم إلى انقضاء العدّة، فإن أسلمت المرأة ثم أسلم الرجل قبل انقضاء عدّتها فهي امرأته، وإن لم يسلم إلّا بعد انقضاء العدّة فقد بانت منه، ولا سبيل له عليها، وكذلك جميع من لا ذمّة له. ولا ينبغي للمسلم أن يتزوّج يهودية ولا نصرانية وهو يجد حرّة أو أمة».

وعليه فيجب استئناف البحث أوّلاً عن مدى إمكان إثبات صحة نسخة التهذيب والاستبصار وترجيحهما على نسخة الكافي بواسطة ملاحظة حال الطبقات، وأنّ إبراهيم بن هاشم هل يمكنه أن يروي بواسطة واحدة عن محمد بن مسلم أو لا؟ وثانياً عن أنّه كيف ينبغي التعامل مع هذه الرواية مع معارضتها التي مضت؟ وهل هناك من جمع بينهما أو لا؟

أمّا البحث الأوّل _ فإبراهيم بن هاشم يعدّ من أصحاب الإمام الجواد(علیه السلام)ومن

 


(1) الكافي، ج5، ص358، باب نكاح الذمية من كتاب النكاح، ح9.

(2) تهذيب الأحكام، ج7، ص302، باب من يحرم نكاحهن بالأسباب دون الأنساب من كتاب النكاح، ح17.

(3) الاستبصار، ج3، ص183، باب الرجل والمرأة إذا كانا ذمیین فتسلم المرأة دون الرجل، ح6.

162

رواته(1)، وعدّه الكشي تلميذاً ليونس بن عبدالرحمن ومن أصحاب الرضا(علیه السلام)(2).

وتنظّر في ذلك النجاشي(3).

و قوّى السيد الخوئي(رحمه الله) نظر النجاشي باعتبار أنّ إبراهيم بن هاشم على ما عليه من كثرة رواياته حتى أنّه روى عن مشايخ كثيرة يبلغ عددهم زهاء مائة وستين شخصاً لم توجد له رواية واحدة عن الرضا(علیه السلام)ولا عن يونس بن عبدالرحمن، فكيف يمكن أن يكون تلميذاً ليونس أو يكون من أصحاب الرضا(علیه السلام)؟!(4).

وأمّا محمد بن مسلم فقد عدّ من أصحاب الباقر والصادق والكاظم(علیهم السلام)(5)، ومات _ على ما ينقل _ في زمن الإمام الكاظم(علیه السلام)؛ لأنّه مات _ حسب النقل _ سنة مائة وخمسين، والإمام الكاظم(علیه السلام)ولد سنة مائة وثمان وعشرين. وهذا يعني أنّ الامام الكاظم(علیه السلام)كان له من العمر في سنة وفاة محمد بن مسلم اثنتان وعشرون سنة.

ولو فرضنا أنّ إبراهيم بن هاشم كان في سنّ الإمام الجواد(علیه السلام)مثلاً _ الذي ولد سنة خمس وتسعين ومائة من الهجرة، وتوفّي سنة عشرين ومائتين _ فالفاصل بينه وبين محمد بن مسلم يقارب حوالي سبعين سنة، فليس من المستحيل أن ينقل عن محمد بن مسلم بواسطة شخص واحد، ولكنّه بعيد.

فإذا ضمّ إلى هذا الاستبعاد نقل الطوسي في التهذيبين الواسطة بين بعض الأصحاب وإبراهيم بن هاشم وهو محمد بن أبي عمير رغم حذفه من الكافي الواصل بأيدينا، وضمّ إلى ذلك أنّه لم يعهد من إبراهيم بن هاشم النقل عن الإمام مرسلاً

 


(1) انظر معجم رجال الحديث، ج1، ص318.

(2) حكاه النجاشي عن الكشي في رجاله، ص16.

(3) رجال النجاشي، ص16.

(4) انظر معجم رجال الحديث، ج1، ص316 _ 317.

(5) رجال الطوسي، ص135، 300، 358.

163

بعدم ذكر اسم الراوي، بينما هو معهود من ابن أبي عمير بعد أن فقد كتبه أو تلفت فاضطرّ أن ينقل كثيراً منها بالإرسال، لعلّه يحصل من مجموع ذلك الاطمئنان بصحة نسخة التهذيبين.

وأمّا البحث الثاني _ فلو صحّ تقييد صحيحة عبداللّٰه بن سنان: «إذا أسلمت امرأة وزوجها على غير الإسلام فرّق بينهما»(1)بهذه الرواية وتخصيصها بغير الذمّي فارتكاب تقييد من هذا القبيل لصحيحة البزنطي مشكل؛ فإنّ صحيحة البزنطي تقول: «سألت الرضا(علیه السلام)عن الرجل تكون له الزوجة النصرانية فتسلم هل يحلّ لها أن تقيم معه؟ قال: لا، إذا أسلمت لم تحلّ له. قلت: فإنّ الزوج أسلم بعد ذلك، أيكونان على النكاح؟ قال: لا، بتزويج جديد»(2) وافتراض تقييد هذه الصحيحة بما إذا كان الزوج غير كتابي بعيد؛ فإنّ الكتابية لا تكون عادة زوجة للوثني أو الملحد.

وعندئذٍ نقول: إنّ ما ورد في رواية محمد بن مسلم من التفصيل بين من له ذمّة وغير من له ذمّة يتحمل تفسيرين:

أحدهما _ أن يكون المقصود بمن له ذمّة من له أهلية الذمّة وهم الكتابيون، فعطف من له ذمّة على أهل الكتاب يكون من قبيل عطف المرادف على المرادف. وعليه يقع التعارض التامّ بين هذه الرواية وصحيحة البزنطي، فكلتاهما واردتان في أهل الكتاب.

وثانيهما _ أن يكون المقصود بمن له ذمّة من يكون من الكتابيين في ذمّة الإسلام في مقابل من هم في دار الحرب، فقد يفترض أنّ رواية محمد بن مسلم تخصّص صحيحة البزنطي بالنصراني المتواجد في دار الحرب إلّا أنّ‌ هذا بعيد؛ فإنّ المتيقّن من مثل هذا السؤال مع تعارف تواجد الكتابيين في ذمّة الإسلام هو النظر إلى من هم

 


(1) وسائل الشيعة، ج20، ص547، الباب9 من إبواب ما يحرم بالكفر ونحوه، ح4.

(2) المصدر السابق، ص542، الباب5 من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه، ح5.

164

أقرب إلى محلّ الابتلاء، وهم المتواجدون في بلاد الإسلام، وتخصيصه بغيرهم بعيد.

وإذا استحكم التعارض وصلت النوبة إلى المرجّحات، والمرجّحات الأساسية اثنان:

المرجّح الأوّل _ موافقة الكتاب، فقد يقال: إنّ روايات انفساخ العقد هي المطابقة لإطلاق الكتاب، وهو قوله تعالى: ﴿يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا جٰاءَكُمُ الْمُؤْمِنٰاتُ مُهٰاجِرٰاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللّٰهُ أَعْلَمُ بِإِيمٰانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنٰاتٍ فَلٰا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّٰارِ لٰا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلٰا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾(1).

إلّا أنّ إثبات إطلاق هذه الآية للنساء الذمّيات اللاتي أسلمن مشكل:

أوّلاً: لأنّ الآية ناظرة إلى نساء أهل الحرب في قصّة صلح الحديبية، وليس نساء أهل الذمّة.

إلّا أن يفسّر أهل الذمّة في المقام بمعنى مطلق أهل الكتاب، أي الذين فيهم قابلية الدخول في الذمّة، لا بمعنى الملتزمين بشرائط الذمّة أو الداخلين تحت الذمّة بالفعل.

وثانياً: لأنّ شمول إطلاق الآية للكتابيين مشكل؛ لأنّها ناظرة إلى المشركين الذين هم طرف القضيّة في قصّة صلح الحديبية، واستقرار المصطلح المتشرّعي الموجود لدينا اليوم على أنّ الكافر يعني مطلق غير المسلم كتابياً كان أو غير كتابي غير واضح بالنسبة لزمان نزول الآية كي يتمسّك بالإطلاق؛ فإنّ الكافر بمعناه الأوّلي وقبل استقرار الاصطلاح على المطلق يناسب إرادة الكافر بالتوحيد، وهم المشركون أو الملحدون، كما يناسب إرادة مطلق الكافر بالإسلام، فتصبح الآية مجملة بهذا الصدد.

والمرجّح الثاني: مخالفة العامّة، وهي توجب رجحان الطائفة الثانية الدالّة على عدم الانفساخ؛ لأنّ المشتهر شهرة عامة بينهم كالمشتهر لدى الشيعة أيضاً هو الانفساخ ولو بعد العدّة.

 


(1) الممتحنة: 10.

165

والاشتهار لدى الشيعة لا يضعّف روايات عدم الانفساخ؛ لعدم معلومية الإعراض، إذ لعلّهم قدّموا روايات الانفساخ باعتقاد موافقة الكتاب مثلاً أو بتخيّل الجمع العرفي ونحو ذلك، ولكن الاشتهار لدى السنّة يوجب حملها على التقية.

أمّا المصدر لما قلناه من أنّ روايات الانفساخ تطابق العامة فهو ما ورد في الموسوعة الفقهية الكويتية، والنصّ ما يلي:

«وأمّا إن أسلمت الكتابية قبله وقبل الدخول تعجّلت الفرقة سواء أكان زوجها كتابياً أو غير كتابي؛ إذ لا يجوز لكافر نكاح مسلمة. قال ابن المنذر:

أجمع على هذا كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم، والصحيح أنّ في المسألة خلاف أبي حنيفة إذا كان في دار الإسلام، فإنّه لا فرقة إلّا بعد أن يعرض عليه الإسلام فيأبی....

أمّا إن كان إسلام أحد الزوجين الوثنيين أو المجوسيين أو زوجة الكتابي بعد الدخول ففي المسألة ثلاثة اتّجاهات:

الأوّل: يقف الأمر على انقضاء العدّة، فإن أسلم الآخر قبل انقضائها فهما على النكاح، وإن لم يسلم حتى انقضت العدّة وقعت الفرقة منذ اختلف الدينان، فلا يحتاج إلى استئناف العدّة. وهذا قول الشافعي، ورواية عن أحمد.

الثاني: تتعجّل الفرقة. وهذا رواية عن أحمد، وقول الحسن وطاووس.

الثالث: يعرض الإسلام على الآخر إن كان في دار الإسلام. وهو قول أبي حنيفة كقوله في إسلام أحدهما قبل الدخول، إلّا أنّ المرأة إذا كانت في دار‌ الحرب فانقضت مدّة التربص وهي ثلاثة أشهر أو ثلاثة حيض وقعت الفرقة، ولا عدّة عليها بعد ذلك؛ لأنّه لا عدّة على الحربية.

وإن كانت هي المسلمة فخرجت إلينا مهاجرة فتمّت الحيض هنا، فكذلك عند

166

أبي حنيفة. وقال الصاحبان: عليها العدّة»(1). انتهى ما أردنا نقله عن الموسوعة الفقهية الكويتية.

ثم إن المسألة التي أصبحت محلّ الابتلاء في زماننا هذا في البلاد الأوروبية والغربية هي اتّجاه كثير من نسائهم إلى الإسلام هرباً من التفسّخ الخُلقي المنتشر في تلك البلاد، والتي تكون النساء فيه هي الضحية الأولى أو لأيّ عامل آخر، فلو حكم عليهنّ بالانفصال عن أزواجهنّ أدّى ذلك إلى ارتداد أكثرهنّ إلى الكفر مرّة أخرى هرباً من الانفصال عن الأزواج في حين أنّه لو أفتينا بعدم انفساخ العقد كسبناهنّ للإسلام، وقد يؤثّرن بالتدريج على أزواجهنّ.

ومن هنا قد يقال: إنّ البحث السابق لا ينفعنا شيئاً بصدد حلّ هذه المشكلة؛ لأنّنا لو سلّمنا تقديم الطائفة الثانية من الروايات الدالّة على عدم الانفساخ بمخالفة العامّة أو فرضنا تساقط الروايات بالتعارض أو أخذنا بالطائفة الثانية بناءً على التخيير لدى التعارض فهذا إنّما يحلّ المشكلة بالنسبة لنساء الذمّيين، في حين أنّ هؤلاء ليسوا ذمّيين. اللهم إلّا إذا فسّر أهل الذّمة بمعنى من له قابلية الذمّة، وهم الكتابيون حتى القاطنون في دار الكفر.

وقد يقال: إنّنا بأيّ تفسير فسّرنا الذمّي يقع التعارض بين الطائفتين، فإذا أسقطنا روايات الانفساخ بوجه من الوجوه لم يبقَ دليل على الانفساخ بالنسبة للكتابيين القاطنين في دار الكفر؛ لأنّ الدليل عبارة عن تلك الروايات، فلنفترض أنّ روايات عدم الانفساخ لم تشملهم، لكنّه يكفينا عدم بقاء دليل يدلّ على الانفساخ، فنجري استصحاب بقاء علقة الزوجية.

إلّا أنّ هذه النتيجة مشكلة؛ وذلك بعد وضوح أنّ ظاهر عنوان أهل الذمّة أو

 


(1) انظر الموسوعة الفقهية الكويتية، ج4، ص261 _ 262؛ المغني، ج7، ص152.

167

الذمّي أو من له ذمّة ونحو ذلك هي الذمّة الفعلية، لا مجرّد من له قابلية الذمّة.

وعندئذٍ نقول: إنّ في روايات إقرار النكاح وإبقائه على حاله رغم إسلام المرأة ما صرّح بشرط الذمّة في ذلك، وهي ما مضى من رواية ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن محمد بن مسلم. وهي وإن كانت معارَضة بما دلّ على انفساخ النكاح بعد العدّة، لكنّنا قد نقّحنا في علم الأُصول أنّ الخبرين المتعارضين ينفيان الثالث. وفي المقام قد دلّ أحد المتعارضين على انفساخ نكاح الكتابي بإسلام امرأته بعد انتهاء العدّة ولو كان ذمّياً، ودلّ الآخر على التفصيل بين الذمّي وغير الذمّي بالانفساخ في الثاني دون الأوّل، فالإفتاء بعدم الانفساخ حتى في غير الذمّي يعني الإفتاء بأمر ثالث مرفوض من قبل كلتا الطائفتين. وعليه فالمتيقّن من الطائفتين انفساخ نكاح نساء الكتابيين الذين يعيشون في هذه الأيّام في بلاد الكفر.

وأمّا حلّ المشكلة الاجتماعية التي أشرنا إليها فينحصر في كتمان حكم الانفساخ عليهنّ لمصلحة إبقائهنّ على الإسلام، أمّا الإفتاء بعدم الانفساخ فلا سبيل إليه.

هذا كلّه بناءً على التعارض بين الطائفتين.

أمّا لو قلنا بأنّ روايات حصول البينونة مطلقة من ناحية فعلية الذمّة وعدمها، فرواية التفصيل بين من له الذمّة وغيره تقدّم عليها بعد حملها على إرادة فعلية الذمّة لا من له أهلية الذمّة فالأمر أوضح.

169

العيوب التي يفسخ بها النكاح

171

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله أجمعين.

وقبل الحديث عن كلّ عيب من تلك العيوب ينبغي البحث عن القاعدة العامّة التي لابدّ من المصير إليها في موارد الشكّ في كون العيب الفلاني موجباً لجواز الفسخ وعدمه:

لا شكّ أنّ مقتضى الأصل العملي لدى الشكّ في الانفساخ بالفسخ هو استصحاب بقاء العلقة الزوجية؛ لأنّنا لم نؤمن في علم الأُصول بما قرّره السيد الخوئي(قدس سره) من عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية، وكذلك مقتضى الأصل اللفظي المستفاد من ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾(1)هو اللزوم وعدم الانفساخ.

ولكن يقع الكلام في أنّه هل يوجد لدينا أصل لفظي يحكم على ذاك الأصل العملي ويتقدّم على إطلاق ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾، ويدلّ على حقّ الفسخ من دون حاجة إلى ورود نص خاص في ذلك العيب أو لا؟

ما يمكن أن يفترض كأصل لفظي في المقام يثبت حقّ الفسخ هو أحد أمرين:

 


(1) المائدة: 1.

172

الأمر الأوّل: ما قد يستفاد من بعض الروايات الواردة في فسخ النكاح من كون التدليس موجباً لحقّ الفسخ، فيضمّ ذلك إلى دعوى أنّ كتمان أيّ عيب من العيوب في أحد الزوجين عن الزوج الآخر يعتبر تدليساً، وبذلك يثبت حقّ خيار الفسخ.

أمّا ما دلّت على كون التدليس في باب النكاح موجباً لحقّ الفسخ، فمن قبيل:

۱_ صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله(علیه السلام): «في رجل ولّته امرأة أمرها أو ذات قرابة أو جار لها لا يعلم دخيلة أمرها فوجدها قد دلّست عيباً هو بها، قال: يؤخذ المهر منها ولا يكون على الذي زوّجها شيء»(1)، بناءً على أنّ المفهوم عرفاً من قوله: «يؤخذ المهر منها» هو استرجاع المهر بالفسخ.

۲_ وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر(علیه السلام): قال: في كتاب علي(علیه السلام)«من زوّج امرأة فيها عيب دلّسه ولم يبيّن ذلك لزوجها فإنّه يكون لها الصداق بما استحلّ من فرجها ويكون الذي ساق الرجل إليها على الذي زوّجها ولم يبيّن»(2). وسند الحديث بالشكل الوارد في الوسائل ما يلي: محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن القاسم بن يزيد عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر(علیه السلام)... وورد تحت الخط على كلمة يزيد: (في المصدر بريد) يعني أنّ الموجود في كتاب التهذيب: بريد.

أقول: إنّ الصحيح هو بريد لا يزيد، فإنّ فضالة راوي كتاب قاسم بن بريد، ولا يوجد في كتب الرجال قاسم بن يزيد، فسند الحديث صحيح.

ويمكن الاعتراض على الاستدلال بهذه الصحيحة بأنّه(علیه السلام)كان بصدد أنّ المهر لدى الفسخ يكون على الذي زوّجها، فالفسخ قد أُخذ مفروغاً عنه وليس بصدد بيانه كي يتمّ فيه الإطلاق.

 


(1) وسائل الشيعة، ج۲۱، ص212، الباب۲ من أبواب العيوب والتدليس، ح٤.

(2) المصدر السابق، ص۲۱٤، ح۷.

173

وقد يقال: إنّ هذا الاعتراض يسري على التمسّك بالصحيحة الأُولى أيضاً؛ إذ كان جواب الإمام(علیه السلام): «يؤخذ المهر منها لا من وليّها» وهذا يعني أنّه(علیه السلام)كان بصدد بيان أنّ المهر لدى الفسخ يؤخذ منها لا من وليّها، فالفسخ قد أُخذ مفروغاً عنه، وليس بصدد بيانه كي يتمّ فيه الإطلاق.

وقد يقال في الجواب: إنّ السؤال كان مطلقاً، فيحمل الجواب _ بقرينة أصالة التطابق مع السؤال _ على مطلق عيب مدلّس، فإنّ النكتة التي شرحناها في الصحيحة الثانية _ وهي كون الفسخ أُخذ مفروغاً عنه _ لم تكن تقتضي التقييد، وإنّما كانت رافعة لمقتضی الإطلاق، ولا ينافي ذلك افتراض نكتة أُخرى للإطلاق في الصحيحة الأُولى وهي إطلاق السؤال مع أصالة التطابق بين السؤال والجواب.

إلّا أنّ هذا الجواب إنّما يتمّ لو فرض رجوع الضمير المستتر في قوله في السؤال: «فوجدها» راجعاً إلى الزوج، ولكنّ الظاهر أنّ الضمير راجع إلى الرجل الوسيط، وهذا يعني أنّ السؤال أيضاً منصبّ على أنّ هذا الوسيط هل يضمن المهر أو لا؟ وذلك بعد فرض الفسخ، فلا يتمّ الإطلاق حتّى في السؤال.

۳_ وصحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر(علیه السلام): قال: «في رجل تزوّج امرأة من وليّها فوجد بها عيباً بعد ما دخل بها، قال، فقال: إذا دلّست العفلاء والبرصاء والمجنونة والمفضاة ومن كان بها زمانة ظاهرة فإنّها تردّ على أهلها من غير طلاق، ويأخذ الزوج المهر من وليّها الذي كان دلّسها، فإن لم يكن وليّها علم بشيء من ذلك فلا شيء عليه وتردّ على أهلها... »(1).

وعيب الدلالة في هذا الحديث: هو أنّه رغم كون السؤال عن مطلق العيب جاء الجواب عن عيوب مخصوصة، وحملها على المثالية _ لكي يفي الجواب بإطلاق

 


(1) المصدر السابق، ص۲۱۱، ح۱.

174

السؤال _ ليس واضحاً. على أنّ تقييد الزمانة بالظاهرة ظاهر في أنّه ليس كلّ زمانة توجب الفسخ ولو كانت مخفيّة(1).

٤_ ورواية رفاعة بن موسى _ وفي سندها سهل _ عن أبي عبدالله(علیه السلام)«... وسألته عن البرصاء؟ فقال: قضى أمير المؤمنين(علیه السلام)في امرأة زوّجها وليّها وهي برصاء، أنّ لها المهر بما استحلّ من فرجها وأنّ المهر على الذي زوّجها، وإنّما صار عليه المهر لأنّه دلّسها، ولو أنّ رجلاً تزوّج امرأة، وزوّجه إيّاها رجل لا يعرف دخيلة أمرها، لم يكن عليه شيء، وكان المهر يأخذه منها»(2).

ووجه الاستدلال بهذا الحديث _ رغم وروده في خصوص البرصاء _ أحد أمرين:

إمّا التمسّك بعموم التعليل في قوله: «وإنّما صار عليه المهر لأنّه دلّسها».

ويرد عليه: أنّ هذا تعليل لصيرورة المهر على الوليّ بعد الفراغ عن الفسخ، وليس تعليلاً لأصل الفسخ كي يدل على الفسخ في كلّ موارد التدليس، وبما أنّ الفسخ فرض مفروغاً عنه وليس في مقام بيانه، فلا يثبت له إطلاق.

وإمّا التمسّك بإطلاق الذيل وهو قوله: «ولو أنّ رجلاً تزوّج امرأة وزوّجه إيّاها رجل لا يعرف دخيلة أمرها، لم يكن عليه شيء، وكان المهر يأخذه منها» بدعوى أنّ هذا الذيل راجع إلى مطلق دخيلة الأمر.

إلّا أنّ هذا أيضاً ليس واضحاً؛ لأنّ هذا الذيل أيضاً ليس بصدد بيان الفسخ، بل بصدد بيان أنّ المهر يؤخذ منها بعد الفراغ عن أصل الفسخ، فلا إطلاق له بلحاظ حقّ الفسخ لكلّ العيوب.

٥_ وصحيحة الحلبي عن أبي عبدالله(علیه السلام)، «في رجل يتزوّج المرأة فيقول لها: أنا

 


(1) سيأتي إن شاء الله تفسير آخر لكلمة الظاهرة.

(2) وسائل الشيعة، ج۲۱، ص211، الباب۲ من أبواب العيوب والتدليس، ح۲.

175

من بني فلان، فلا يكون كذلك؟ فقال: تفسخ النكاح، أو قال: تردّ»(1).

ووجه الاستدلال بهذه الرواية أنّ قوله: «أنا من بني فلان» نوع تدليس أخفّ من التدليس في أيّ عيب يفترض، فلو أوجب ذلك الخيار، فالعرف يتعدّى إلى أيّ عيب من العيوب.

٦_ ورواية حمّاد بن عيسى غير التامّة سنداً، عن جعفر، عن أبيه(علیهما السلام)، قال: «خطب رجل إلى قوم فقالوا له: ما تجارتك؟ قال: أبيع الدوابّ، فزوّجوه فإذا هو يبيع السنانير، فمضوا إلى عليّ(علیه السلام)فأجاز نكاحه، وقال: السنانير دوابّ»(2).

فهذا يعني أنّه لو لم تكن السنانير دواباً لما أجاز عليّ(علیه السلام)نكاحه، في حين أنّ هذا التدليس أخفّ من التدليس في أيّ عيب من العيوب، فبالأولويّة العرفيّة يتعدّى إلى جميع العيوب.

ومجرّد قوله: «أنا من بني فلان» كما في رواية الحلبي، أو: «أبيع الدوابّ» كما في هذه الرواية، لا يدل على وقوع ذلك بعنوان الشرط في ضمن العقد حتّى يحمل الفسخ فيهما على الفسخ بخيار تخلّف الشرط، فالظاهر أنّه محمول على خيار التدليس.

وهذه الروايات، ما كان منها في فسخ الرجل للتدليس في طرف المرأة، يمكن التعدّي من ذلك إلى العكس، أي: فسخ المرأة في عقد وقع التدليس فيه لصالح الرجل، وذلك بالأولويّة العرفيّة أو المساواة _ على الأقلّ _؛ فإنّ الرجل الذي بإمكانه الطلاق في ذاته، وبقطع النظر عن حالة استثنائية كالمرض أو التدليس، إن كان له حقّ الفسخ بالنظر للحالة الاستثنائية، فالمرأة التي لا سبيل لها إلى الطلاق في ذاته، يكون لها هذا الحقّ بالطريق الأولى أو المساوي على الأقلّ.

 


(1) المصدر السابق، ص235، الباب۱٦ من أبواب العيوب والتدليس، ح۱.

(2) المصدر السابق، ح۲.

176

أمّا ما كان من تلك الروايات في فسخ المرأة لدى تدليس الرجل، فقد يصعب التعدّي منها إلى العكس؛ لأنّ المرأة لم يكن بيدها الطلاق في حدّ ذاته بقطع النظر عن الطوارئ، وإن كان يحتمل التعدّي العرفي هنا أيضاً بدعوى أنّ العرف يفهم من حقّ الفسخ للمرأة كون العقد في ذاته معيباً بسبب التدليس عيباً لم يؤدّ إلى البطلان، ولكن أدّى إلى عدم اللزوم وجواز الفسخ، وهذا غير الطلاق الذي لم يكن؛ يعني كون العقد معيباً، فإن كان العقد معيباً بتدليس الرجل موجباً لفسخ المرأة تعدّى العرف إلى تدليس المرأة، ورآه موجباً لتعيّب العقد أيضاً، ولم يحتمل الفرق بين الطرفين.

وعلى أيّ حال، فقد ظهر بهذا العرض أنّ عمدة الدليل على خيار التدليس في النكاح من الروايات هي صحيحة الحلبي في من قال لها: «أنا من بني فلان ولم يكن منهم»، بناءً على أنّ هذا تدليس وليس شرطاً، فإنّه يتعدّى من التدليس بقوله: «أنا من بني فلان» إلى التدليس في العيب بطريق أولى، وهذه الصحيحة كما ترى مخصوصة بتدليس الرجل، وقد عرفت الاستشكال في التعدّي من ذلك إلى تدليس المرأة.

فلو أردنا إثبات خيار التدليس في فرض تدليس المرأة بغير قاعدة لا ضرر، وبغير ما طرحناه، كاحتمال التعدّي من طرف تدليس الرجل إلى تدليس المرأة _ بدعوى أنّ النكتة صيرورة العقد معيباً بالتدليس، وهذا لا علاقة له بحقّ الطلاق _ أمكن التمسّك بما مضى من صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر(علیه السلام)قال في رجل تزوّج امرأة من وليّها فوجد بها عيباً بعد ما دخل بها، قال، فقال: «إذا دلّست العفلاء والبرصاء والمجنونة والمفضاة ومن كان بها زمانة ظاهرة فإنّها تردّ على أهلها من غير طلاق...»، بناءً على أنّ المقصود بالزمانة مطلق المرض المزمن، وبناءً على أنّ المقصود بالظاهرة ليس ما بنينا عليه في ما سبق من إرادة معنى البارزة في مقابل الخفيّة، بل المقصود بها القويّة والمهمّة في مقابل المختصرة وغير المهمّة والتي لا يعتبر مجرّد عدم إبرازها تدليساً،

177

والظهور قد يستعمل في مورد الغلبة كما في قوله تعالى: ﴿إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ﴾(1)، ولو بنكتة أنّ الغلبة نوع بروز، فكأنّ الرواية تقول: إنّ الزمانة إن كانت غالبة وقاهرة لها ودلّست، كان للرجل خيار الفسخ، أمّا إن كانت مختصرة أو مرضاً اعتيادياً يقبل العلاج في وقت يسير فلا يعتبر عدم إبرازه أو السكوت عنه تدليساً، ولا خيار له في ذلك.

وعمدة الإشكال الوارد على التمسّك بهذه الروايات لإثبات أصالة حقّ الفسخ في كلّ عيب، أنّ هذه الروايات إنّما وردت في التدليس، ودعوى كون مجرّد الكتمان أو عدم إبراز العيب وعدم الإخبار به تدليساً أوّل الكلام، فإنّ كتمان العيب يمكن تقسيمه إلى عدّة مستويات:

الأوّل: الإخبار الكاذب بعدمه، وهذا تدليس بلا إشكال.

والثاني: كتمان العيب الظاهر، كلبس نظّارة أو عين مستعارة لإخفاء العمى، أو لبس باروكة لإخفاء عيب الرأس، ونحو ذلك، وهذا أيضاً لا إشكال في كونه تدليساً.

والثالث: عدم إبراز العيب الخفي كما لو لم يخبر أو لم تخبر بما لديه أو لديها من مرض البواسير مثلاً. والظاهر صدق التدليس في ذلك في كلّ عيب كان في نظر العقلاء منفيّاً بأصالة السلامة.

والرابع: السكوت عن عيب ظاهر من دون إخفائه، وإنّما خفي على الطرف المقابل لتقصيره في الفحص، ومن الواضح أنّه لا يصدق هنا التدليس.

والخامس: العيب الخفيّ عن كلا الطرفين، كما لو سكت أو سكتت عن العقم أو عن مرض روحيّ مثلاً ولم يكن صاحب العيب الساكت مطّلعاً عليه، ثم ظهر ذلك بعد تمامية العقد، ومن الواضح عدم صدق التدليس هنا.

وعلى أيّ حال فالروايات التي مضت أكثرها لم تكن مشتملة على الإطلاق

 


(1) التوبة: ۸؛ الكهف: ۲٠.

178

بلحاظ كلّ ما صدق عليه التدليس، كما أنّه لم تكن كلّها مطلقة بلحاظ كلّ مراتب التدليس، فإن دلّ بعضها على حقّ الفسخ في مرتبة من التدليس كالإخبار الكاذب، لم يمكن التعدّي منها إلى مراتب أخفّ كمجرّد السكوت.

ولو أردنا التعدّي إلى كلّ مراتب التدليس، وفي كلّ تدليس فله طريقان:

الأوّل: تفسير كلمة «الظاهرة» في صحيحة أبي عبيدة بمعنى القويّة والمهمّة، لا بمعنى البارزة، ويقال: إنّ هذا القيد إنّما ذكر لأنّ مجرّد السكوت عن مرض يغفر ولا يهتمّ به ليس تدليساً، وقد أُخذ في موضوع الحكم في هذه الصحيحة عنوان التدليس، وهو يشمل بالإطلاق كلّ مراتب التدليس الماضية.

والثاني: الجمع بين قسمين من الروايات:

أحدهما: ما يكون مطلقاً بلحاظ كلّ العيوب وإن لم يكن مطلقاً بلحاظ مراتب التدليس، وذلك كصحيحة الحلبي في رجل يتزوّج المرأة فيقول لها: «أنا من بني فلان فلا يكون كذلك...»، فإنّه يتعدّى من قوله: أنا من بني فلان إلى نفي كلّ عيب من العيوب كاذباً؛ لأنّ كل عيب من العيوب يعتبر أشدّ من عدم كونه من بني فلان، ولكن لا يشمل المراتب الخفيفة من التدليس كمجرّد السكوت عن عيب بارز.

والثاني: ما يكون مطلقاً بلحاظ كلّ مراتب التدليس وليس مطلقاً بلحاظ كلّ العيوب، كصحيحة أبي عبيدة بناءً على تفسير زمانة ظاهرة بتفسير آخر لا يشمل كلّ الأمراض المزمنة المهمّة.

فلو عرفنا أنّ كلّ عيب من العيوب يكون التدليس فيه موجباً للخيار بحكم القسم الأوّل، وعرفنا أنّ حكم التدليس في بعض العيوب يشمل كلّ مراتب التدليس ولم نحتمل الفرق بين أنواع العيوب التي يكون التدليس فيها موجباً للخيار في الدرجة المشترطة من التدليس لثبوت الخيار، ثبت الحكم في كلّ تدليس بجميع درجاته.

وعلى أيّ حال فلو تمّ كلّ هذا فالنسبة بين فرض التدليس وفرض العيب عموم

179

من وجه، وكلامنا في حقّ الفسخ بلحاظ العيب إنّما هو في كون العيب بما هو عيب موجباً للفسخ حتّى ولو لم يكن تدليس في المقام، فلا يمكن التمسّك في ذلك بروايات خيار التدليس في النكاح، ولو تمّ دليل على أنّه ليس كلّ عيب من العيوب موجباً لحقّ الفسخ، وأنّ العيب الفاسخ محصور في عدد معيّن من العيوب، لا يوجد أيّ تعارض بين ذلك وبين دليل الفسخ بمطلق التدليس، فإنّ معنى الروايات الحاصرة أنّ العيب بما هو عيب لا يوجب الفسخ إلّا في عدد محصور من العيوب، ولا ينافي ذلك ثبوت الفسخ في جميع العيوب وغير العيوب لو تحقّق التدليس بنفي العيب أو بإبراز كونه من بني فلان مثلاً والذي ليس عدمه عيباً أصلاً.

ومن هنا اتّضح الإشكال في ما ورد في بعض الكلمات من الاستدلال على حقّ الفسخ في بعض العيوب المنصوصة _ زائداً على النصّ _ بحصول التدليس.

الأمر الثاني: التمسّك بقاعدة نفي الضرر، إمّا باعتبار أنّ الصبر على العيب في أحد الزوجين ضرر على الزوج الآخر، أو باعتبار أنّ حقّ الفسخ حقّ عقلائي له فيكون نفيه ضرراً عقلائياً بشأنه.

ولعلّ التمسّك بهذا الوجه في طرف الزوجة أقوى منه في طرف الزوج، لما قد يقال في طرف الزوج من أنّ ثبوت الطلاق بيده رافع للضرر، وإن كان قد يقال في مقابل ذلك: إنّ الطلاق يعني الإقرار بأصل النكاح والموجب لثبوت نصف المهر قبل الدخول على الزوج وهذا ضرر.

وعلى أيّ حال فالذي يرد على التمسّك بهذا الوجه هو الروايات الحاصرة لحقّ الفسخ بالعيب بعيوب مخصوصة فإنّها أخصّ من قاعدة نفي الضرر وتتقدّم عليها.

ومن هنا قد تنقلب القاعدة ويصبح الأصل في النكاح في غير العيوب المذكورة في أدلّة الفسخ هو اللزوم، فمتى ما ثبت لدينا بنصّ آخر حقّ الفسخ في عيب ما غير العيوب الواردة في روايات الحصر، جعلنا ذلك مقيّداً لإطلاقات الحصر، ومتى ما شككنا في ذلك