بيانات

بيان (75) بيان المرجع الدينيّ سماحة آية الله العظمى السيّد كاظم الحسينيّ الحائريّ «دام ظله الوارف» بمناسبة تدخّل أمريكا وأذنابها في العراق وسورية بدعوى تحجيم قوى الإرهاب


بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى : ﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو الله كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ الله وَالله مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة:٢٤٩].

وقال عزّ مِن قائل : ﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى الله بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾. [النحل: ٢٦].

يا أبناء شعبي الأبيّ ، ويا ورثة السلف الصالح من أتباع النبيّين والمرسلين ممّن كان هتافهم : ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ الله﴾ و (الجنّة تحت ظلال الأسنّة)... حريّ بأبيكم أن يرفع رأسه مفتخراً بما سطّرتموه من بطولات حميدة بجهادكم وصبركم المشكورَين ، سواءٌ في مقارعة العدوّ الكافر المحتلّ وإذلاله وطرده منكسراً، أو في دحر قوى الإرهاب وما يُسمّى بتنظيم (داعش) المعتدي الأثيم، أو في صبركم وتحمّلكم للقتل والتهجير وفقدان الأمن الناتج عن تواطؤ الأعداء ضدّكم في فتنهم الطائفيّة والقوميّة.

يا أبنائي الغيارى ... إنّ أمريكا رأس الشرّ الذي أسس للإرهاب والفتنة وصنع (داعش) في بلاد المسلمين لمقاصد دنيئة تستصرخ اليوم شياطينها في جدّة وباريس ـ بعد أن أدركت أنّ مكرها طفق يحيق بها ، وأنّ النار التي أوقدتها لفتنها أوشكت أن تهدّدها وتمتدّ الى ديار أعوانها ـ لتآمر خبيث ومكر كبّار تتفادى به مخاطر فتنة (داعش) أوّلاً، بالقضاء على صنيعتها ومن أمدّته بمال وعتاد ، ومن غضّت عينيها الحولاوين عن مشاهد جرائمه وسفكه للدماء طيلة الفترة الماضية بأسرها في سوريا والعراق ، وتهدف ثانياً للتمهيد لفتنة جديدة في عراقنا بدعم بعض وجوداته القوميّة أو الطائفيّة عسكريّاً وسياسيّاً مقدّمة لتقسيم العراق على أساس قوميّ وطائفيّ ، ولتواجد عسكريّ يعيد احتلالها لبلدنا وتدنيس مقدّساتنا ، ليكون مُناخ العراق مناسباً لتوجّهاتها وأطماعها.. في وقتٍ تجاهل فيه هذا العدوّ اللئيم: أنّ بلدنا بشماله وجنوبه واحد لا يتجزّأ، وشعبنا بكلّ قوميّاته واحد لا يتفرّق، واسلامنا بكلّ طوائفه واحد ، حيث تصطفّ اليوم قواتنا المسلّحة الشجاعة مع الحشود الشعبية العربيّة الغيورة دفاعاً عن أرض أهل الشمال الكرديّ ، وتقاتل الحشود الشعبية الشيعيّة الشجاعة دفاعاً عن المحافظات الغربية السنّيّة ، وقد فاته أيضاً: أنّ لبلد الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) شعباً يتفانى من أجله ، وأنّ لهذا البيت ربّاً يحميه ، وهو القائل : ﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ الله مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾ [النحل: ٤٦و٤٧]. وهو القائل أيضاً : ﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى الله بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لايشعرون﴾ [النحل: ٢٦]. بل إنّ تجربة الإذلال الاولى لقوات الاحتلال ومن ساندها لخير شاهد على ما نقول.

فيا أبناءنا في دوائر القرار البرلمانيّة والسياسيّة... اعلموا : أنّ مسندكم القويّ وقوّتكم الحقّة في مواقع الضعف وعندما يستخفّ بکم الأعداء تكمن في مدى تقواكم وتوکّلکم على الله تعالى ، وقد قال أصدق القائلین: ﴿إِنَّ الله يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا﴾ [الحجّ: 38]. ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ الله فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِه﴾ [التوبة:١١١]. وفي إخلاصكم لشعبكم ووفائكم للعهود التي قطعتموها على أنفسكم ، فإنّ هذا الشعب الذي جاء بكم بتضحياته وصبره لهو قادر على أن يمدّكم بالبقاء أو يأخذ بكم الى الاُفول والزوال ، فلا تأخذنّكم الغفلة أو الغرور.

یا أبنائي وأهلي وقومي ... في هذه الفترة العصيبة من تأريخ عراقنا المليئة بالفتن والأهواء، وفي هذا المنعطف الخطير الذي يمرّ به بلدنا العزيز، حيث تتراءى في الاُفق بوادر مخطّط أجنبيّ يريد لعراقنا الشرّ، ولمنطقتنا الفتنة والبلاء، اُوصيكم جميعاً:

أوّلاً: بالتوکّل على الله في كلّ الاُمور ، ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ الله بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ الله لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ [الطلاق: ٣].

ثانیاً: بتوحید الصفّ والکلمة ، ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: ٩٢].

ثالثاً: أن تكونوا على وعي كامل بمجريات الامور، ومراقبة ثاقبة للأحداث السياسيّة ولتحرّكات العدوّ العسكريّة ، لتكونوا على رصد تامّ لألاعيب الشيطان ومكائده ، وأن لا تتوانوا بمطالبة رجال السياسة وأصحاب القرار ـ وبإصرار ـ بعدم التهاون في حفظ مصالح الوطن: في سيادته ، واستقلاله ، ووحدة أراضيه، وكرامة شعبه ، ورفض أيّ شكل من أشكال التدخّل بشؤونه من قبل العدوّ وأذنابه.

رابعاً: لو ارتكب العدوّ حماقة اُخرى في إيجاد تواجد عسكريّ له على أرض الوطن وبأيّ مسمّىً كان ، فلابدّ من المبادرة لمواجهته وإذلاله ليلاقي ذات الخيبة والخسران الذي كان له في كرّته السابقة. واعلموا: ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ﴾ [آل عمران١٦٠].

(اللهمّ إليك رُفعت الأبصار، وبُسطت الأيدي، ودعت الألسن، وأفضت القلوب، وإليك نُقلت الأقدام، أنت الحاكم في الأعمال، فاحكم بيننا وبينهم بالحقّ وأنت خير الفاتحين)، والحمد لله ربّ العالمين.

۲۸ / ذي القعدة/ 1435 هـ . ق

كاظم الحسينيّ الحائريّ