بسم الله الرحمن الرحيم
قال عزّ من قائل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ الأنفال: 24. وقال عزّوجلّ: ﴿إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً﴾المزّمّل: 19.
صدق الله العليّ العظيم.
يا شعبي العراقيّ الأبيّ ..ويا أبنائي الكرام في أرض الرافدين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
لقد كنت ولا زلت أعيش آمالكم وآلامكم، وهمومكم وتطلّعاتكم بقلب لم يشغله عن تحسّس محنتكم شاغل، وبروح يعصرها ألم محنتكم، فعزّ على أبيكم، وشقّ عليه ما أنتم فيه من محن وسوء حال، وما يقع في عراقنا الأبيّ من خراب ودمار.
يا أبنائي الأعزّاء ..لقد كان دأب أبيكم أن يكون حاضراً في كافّة الأزمات الاجتماعيّة والمخاضات السياسيّة، موجّهاً تذكيري وكلماتي لكم بحسب ما يقتضيه ظرفكم، وتتطلّبه المرحلة المحيطة بكم.. مذكّراً تارةً، ومحذّراً اُخرى، وملفتاً أنظاركم إلى ما ينبغي الالتفات إليه ثالثة، اقتداءً بسنن الأنبياء، وسيرة الأولياء في تذكير اُممهم، ودعوة شعوبهم لما يحييهم من تعاليم السماء، والشريعة السمحاء، والحكمة البالغة فـ ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْم يُؤْمِنُونَ﴾العنكبوت: 51.
ومن منطلق: ﴿إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً﴾ اُوجّه كلماتي لأبنائي وشعبي الكريم إيماناً به، واعتزازاً بروحه الأبيّة، وإجلالاً لصبره وصموده، ولما أكنّه من حبّ وإخلاص له، وهو مقبل على خوض غمار تجربة الانتخابات البرلمانيّة الثالثة، وهي تجربة مصيريّة، ومخاض عسير يقتضي يقظة وتحسّساً عميقين تجاه المسؤوليّة الوطنيّة والإسلاميّة في هذه المرحلة الحسّاسة من تأريخه الساطع.
فأقول: يا أبنائي الغيارى ..يجب عليكم إيصال أكبر عدد ممكن من المؤمنين المخلصين الأكفّاء إلى مجلس النوّاب، وهذا ما يتطلّب منكم المشاركة الفعّالة والجماهيريّة والحضور المكثّف والمتميّز عند صناديق الاقتراع والإدلاء بأصواتكم، على أن تكون لكم في ذلك صولة، وتُرى لكم فيه جولة، لا يناظركم فيها شعب من الشعوب، تحكي هممكم العالية، وإرادتكم القويّة، وعزمكم الراسخ على مواصلة المسيرة برغم الصعاب.
يا أعزّتي وأحبّتي ..لقد اختبرتم بعد سقوط الطاغية صدام ـ وعلى أمد سنين عجاف ـ مشاريع متنوّعة، وتجارباً متعدّدة، ورموزاً مختلفة، فأحطتم بما في ذلك خُبراً ودراية، فميّزتم الصالحين للدين والدنيا، والمخلصين للوطن وأهله عن غيرهم ممّن كان ولاؤه لخصومكم، وأعداء بلدكم، فإن التمسنا العذر لبعض ما وقع من هفوات فيما سبق من الانتخابات، فلا عذر أمام الله تعالى، ولا مسامحة من أجيالنا القادمة بعد أن أصبح الوضع عياناً، وأمست الحال بياناً.
فيا أحبّتي .. ليكن همّكم الأوحد، وشغلكم الشاغل في انتخاباتكم المقبلة التفكير فيما يخدم حاضر بلدكم، ومستقبل أجيالكم،
وفي إطار الهدف الأوسع والمصلحة الأشمل، متجنّبين كلّ ألوان التحزّب لشِرذِمة، والتعصّب لفئة في الاُطر الضيّقة، والمصالح القوميّة أو الحزبيّة، فإنّها مكمن السوء ومخبأ الشرّ على العباد والبلاد، كيف لا وقد بلغ السيلُ الزُبى في ماضي وحاضر أوضاع العراق كما هو مشهود.
احذروا البعثيّين أعداءكم القدامى الجُدد ممّن ساموا العراق وأهله ـ في فترة تسلّطهم ـ سوء العذاب، واعلموا أنّ لهم مكائد السوء; إذ يخبّئون خلف الستار وتحت أجنحة الظلام شرّ الدسائس للنيل منكم، ولأجل تحقّق حلمهم في عودة السلطة إليهم، وكونوا على أتمّ يقظة ممّن غازل التكفيريّين وبادلهم الابتسامة.
يا أبناء العراق الغيارى ..احذروا ألف مرّة خطط العدوّ الشرّ، والشيطان الأمكر: أمريكا وأذنابها في البلد، وعليكم بالأخذ بزمام الحيطة وأسباب الحذر من أن تنطلي ـ لا سامح الله ـ مشاريع هذا الوجود الخبيث والمتعاونين معه، والمناصرين له.
هذا بلاغ مبين، وتذكرة للمؤمنين، ورحمة للمتّقين، واعلموا أنّ ربّنا قد حذّر وأنذر: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْؤُولُونَ﴾(الصافّات: 24) عن الأعمال والخطايا. فيا قوم! لا تُعرّضوا أنفسكم للمساءلة، ﴿وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّة أَنكَاثاً﴾(النحل: 92) ﴿فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ الحجرات: 6.
وفي الختام أتضرّع إلى الله العليّ القدير بقلب كسير، وأمل كبير، ورَجاء عظيم أن يحفظ عراقنا وأهلينا من كيد الأعداء، ودسائس الأشرار، وأن يكشف هذه الغُمّة عن هذه الاُمّة، إنّه وليّ كلّ نعمة، ومنتهى كلّ رغبة، وقاضي كلّ حاجة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
9 / جمادى الآخرة / 1435 هـ . ق
كاظم الحسينيّ الحائريّ