بيانات

بيان (48) بيان بمناسبة إحياء يوم القدس العالمي


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربِّ العالمين وصلّى الله على نبيِّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

قال الله تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَر فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾.

صدق الله العليّ العظيم

السلام عليكم أبنائي ورحمة الله وبركاته وبعد:

إنّ ما أمَرَ به الله تعالى من عبادات لم يأمر بها لأنّها تزيد في ملكه أو يُشبع حاجةً في نفسه ـ تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً ـ إنّما أمر بها لأنّها مرقاةٌ لنيل الكمال عنده وكسب الرضا لديه، وما تلك العبادات إلّا رحمةً ولطفاً منه ـ جلَّ جلاله ـ فلم يرض لعباده تركها؛ لما لها من الأثر الإيجابي المباشر عليهم.

ومن أعظم العبادات وأجلِّها صوم شهر رمضان المبارك، فلم يرد فضل لزمن كما ورد لشهر رمضان من تجلٍّ لرحمة الله وعطفه ولطفه بعباده؛ حيث يكون المؤمن في عبادة مستمرّة ليلاً ونهاراً يقظاً كان أو نائماً طوال الشهر كلّه، فله الحمد والشكر، وهنيئاً للصائمين وتقبّل الله منهم.

أملي أن تستثمروا ما بقي من ضيافة الله لبناء أنفسكم وإعدادها وتعبئتها لخوض المعركة التي ستدوم أحد عشر شهراً بلا هوادة مع الشيطان وأعوانه والنفس الأمّارة بالسوء.

ومن جميل حوادث شهر رمضان إسراء نبيّنا الأكرم (صلى الله عليه وآله) لتظهر على يديه آيات الله في بيت المقدس؛ إذ يقول الله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾.

وكان إذ ذاك الأقصى قبلة للمسلمين قبل أن يرتضيَ الله الكعبة المشرّفة قبلةً لهم، فتعلّقت بالمسجد الأقصى نفوس المسلمين وعظمت عندهم قدسيّته، إلّا أنّ يد الصهاينة امتدّت إليه ودنّسته لكي يتّخذه أبناء القردة والخنازير عاصمةً لهم.

لقد أرانا الله تعالى ذُلّ الصهاينة مرّتين: مرّةً على يد المجاهدين في لبنان، والثانية أخيراً على يد أبناء الأقصى وفلسطين؛ حيث اضطرَّ «؛ شارون »؛ للانسحاب من غزّة عندما أعيته ضربات المجاهدين ...

إلّا أنّ الصهاينة استغلّوا الانسحاب المذلّ هذا ليجعلوه ذريعةً للحكّام كي يتسابقوا على إقامة علاقات كاملة مع الكيان الصهيوني حتّى كشف «؛ شالوم »؛ القناع مطالباً الحكّام العرب بمصارحة شعوبهم، والمجاهرة بعلاقاتهم الحميمة مع الصهاينة المجرمين، فبدت عورة الحاكمين ولم يطفق أحدٌ منهم ليخصف على عورته من ورق الأعذار والاعتذار!!!

كنّا نأمل أن يرجع الحاكمون إلى أحضان شعوبهم، ويلوذوا بأُمّتهم فيخرجوا من التبعيّة المذلّة للأمريكان، لكنّهم خيّبوا الآمال، وآمالنا معقودة على الاُمّة، وقد أثبتت أ نّها في وادي العزّة والكرامة غير الوادي الذي يقبع فيه حكّامها، وهي ـ بحمد الله ـ مستجيبة لنداء دينها وهتاف ضمائرها، وها هي تستعدّ اليوم ـ في كثير من أقطار العالم ـ لإحياء يوم القدس كما فعلت لعقدين ونيّف خلت رغم أنف الجناة الخائنين لأماناتهم.

أبنائي الكرام كنت قد ندبتكم لإحياء آخر جمعة من شهر رمضان باسم القدس؛ ليكون لقضيّتنا الإسلاميّة مكانٌ رفيعٌ في شهر رمضان من كلّ عام؛ ويصبح ذلك جزءً سياسيّاً وعباديّاً من حياتنا، فاستجبتم ـ فيما مضى ـ فجزاكم الله خير جزاء المحسنين، واليوم أدعوكم لنفس الفريضة المقدّسة هذه لإحيائها بأبهى صورة، وبأنبل تعبير، وبإجلال وإكبار.

حتّى تثبتوا «؛ لعمرو موسى »؛ أنّكم أشدّ دفاعاً عن الاُمّة العربيّة منه ومن جميع المنبطحين للمشروع الأمريكي الصهيوني، والمروّجين له لتهويد المنطقة وإخراج الإسلام منها.

لقد أوغل الصهاينة المجرمون في امتهان اُمّتنا، وعبثهم مشهودٌ اليوم في بلدنا، ومؤامراتهم ضدّ الإسلام مستمرّةٌ، وما فتنة المسرحيّة التي تُعرض اليوم في بعض كنائس مصر ـ وهي تنال من كرامة نبيّنا (صلى الله عليه وآله) ـ إلّا مؤامرةً من مؤامرات الصهاينة، ولا رادّ لهم ولا مانع إلّا اُمّة محمّد (صلى الله عليه وآله) فهي لهم بالمرصاد، وسيجري على يد هذه الاُمّة وعد الله بالقضاء عليهم؛ إذ قطع وعداً فقال سبحانه: ﴿... فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّة وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْا تَتْبِيراً﴾

اللّهمّ وفّق اُمّتنا للنهوض بمسؤوليّاتها، واكفها شرّ عدوّها، وبارك لنا في شهرنا هذا، وتُب علينا إنّك أنت التوّاب الرحيم.

تقبّل الله منّا ومنكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

20 / رمضان المبارك / 1426 هـ. ق

كـاظم الحسـيني الحـائری