الأوّل ـ أن يجلس بين يدي بصير بعيوب النفس، مطّلع على خفايا الآفات، فارغ عن تهذيب نفسه، فيحكّمه على نفسه، ويتّبع إشاراته في مجاهدته، ومَنْ وجد ذلك فقد وجد الطبيب، فليلازمه، فهو الذي يخلّصه من مرضه، وينجيه من الهلاك، إلّا أنّ هذا قد عزّ في هذا الزمان وجوده.
والثاني ـ أن يطلب صديقاً صدوقاً بصيراً متديناً، فينصبه رقيباً على نفسه؛ ليراقب أحواله وأفعاله، فما يكرهه من أخلاقه وأفعاله وعيوبه الباطنة والظاهرة ينبّهه عليه حيث قد تغفل النفس عن عيوب نفسه ولكن تلتفت إلى عيوب غيره، فإن كنتُ أغفل أنا عن عيوب نفسي كان بإمكاني أن أستعين في كشفها بغيري من صديق صدوق متديّن بصير، فهكذا كان يفعل الأكابر، وكان بعضهم يقول: رحم الله من أهدى إليَّ عيوبي، وكلّ مَنْ كان أوفر عقلاً، وأعلى منصباً كان أقلّ إعجاباً، وأعظم اتّهاماً لنفسه.
إلّا أنّ هذا ـ أيضاً ـ قد قلّ وعزّ، فإنّ الصديق قد يكون حسوداً، أو صاحب غرض، أو يكون صديقاً حقّاً، ولكنّه يداهنك بإخفاء عيبكَ عليك(1)، وقلّ الصديق الذي يترك المداهنة فيخبر بالعيب.
وقد كانت شهوة ذوي الدين أنّ ينبَّهوا على عيوبهم بنصيحة غيرهم. وإذا بِنا يكون أبغض الخلق إلينا من ينصحنا، ويعرّفنا عيوبنا، ويكاد يكون هذا مفصحاً عن ضعف الإيمان.
والثالث ـ أن يستفيد معرفة عيوب نفسه من لسان أعدائه، فإنّ عين السخط تبدي المساوي، ولعلّ انتفاع الإنسان بعدوّ مشاحن يذكر عيوبه أكثر من انتفاعه بصديق مداهن يثني عليه، ويمدحه، ويخفي عنه عيوبه، إلّا أنّ الطبع مجبول على تكذيب العدوّ، وحمل ما يقوله على الحسد، ولكنّ البصير لا يخلو من الانتفاع بقول اعدائه، فإن مساويه لابدّ وأنّ تنتشر على ألسنتهم.