وقد تُقدَّم رواية حريز الواردة في الحرم على رواية حريز الواردة في المحقّرات؛ إمّا بدعوى الحكومة باعتبارها ناظرة إلى احترام الحرم، فكأنّها تقول: إنّ اللقطة حتّى التي يجوز التقاطها في غير الحرم لغير المنشد لا تحلّ في الحرم، إلا أنّ هذه الدعوى غير واضحة الصحّة.
أو بدعوى أنّه يمكن أن نخرج من رواية الحرم المحقّرات التي يجوز التقاطها لغير المنشد؛ إذ لا تبقى حينئذٍ ميزة للحرم بينما الرواية بصدد بيان ميزة الحرمة، وهذه الدعوى أيضاً غير واضحة الصحّة؛ إذ لا أقلّ من فرض كون الميزة هي اشتداد الحرمة.
وقد تُقدَّم رواية حريز الواردة في المحقّرات على رواية حريز الواردة في لقطة الحرم؛ وذلك إمّا لأنّ رواية حريز الواردة في لقطة الحرم من الواضح أنّ المقصود بها كون الحرم مأمناً لمال الناس، فلا يجوز التقاط ما ضاع منهم بلا رضاهم، بينما رواية حريز الواردة في المحقّرات تفترض ولو تعبّداً رضا المالك حيث تقول: "وقال أبو جعفر: ليس لهذا طالب"، فكأنّها تفرض غلبة رضا المالك أمارة على رضاه، وإمّا لأنّ قوله: "لا بأس بلقطة العصا..." ناظر إلى الحرمات الموجودة للقطة من تحريم الالتقاط أو الأكل أو ترك التعريف ويحلّلها جميعاً، فهي حاكمة بملاك النظر.
الحكم الثالث ـ التملّك أو التصدّق أو الاحتفاظ بها كأمانة أو تسليمها إلى وليّ الأمر باعتباره وليّاً على المالك:
أ ـ تملّك اللقطة:
أمّا التملّك فقد يستفاد من عدّة أنماط من الروايات:
1 ـ ما جاء فيه الأمر بجعل اللقطة بعد التعريف في عرض ماله، من قبيل ما مضى من رواية محمّد بن مسلم عن أحدهما: "... فإن جاء طالبها وإلا فاجعلها في عرض ملك يجري عليها ما يجري على مالك إلى أن يجيء لها طالب"(1).
ورواية عليّ بن جعفر الماضية: "يعرّفها سنة، فإن لم يعرف صاحبها حفظها في عرض ماله حتّى يجيء طالبها..."(2).
ورواية محمّد بن مسلم الماضية: "... فإن جاء طالبها وإلا فاجعلها في عرض مالك يجري عليها ما يجري على مالك حتّى يجيء لها طالب، فإن لم يجيء لها طالب فأوصِ بها في وصيّتك"(3).
وهذا النمط من الروايات يحتمل أن يكون المأذون فيها هو التصّرف في المال بشكل التصرّف في العارية، فمثلاً ليس هذا إذناً في أكل المال أو بيعه، ويؤكّد ذلك قوله: "حتّى يجيء طالبها" أو "إلى أن يجيء طالبها"، وقوله في بعض نسخ الرواية الثانية "حفظها في عرض ماله"، وقوله في الرواية الثالثة "أوصِ بها في وصيتّك".