والذي قد يقع التأمّل فيه في المقام أنّه لو كان لديه رادع نفساني عن المعاصي ـ بخلاف القسم الأول الذي فرضناه عدم اكتمال هذا الرادع فيه ـ ولكن لم يبلغ ذاك الرادع إلى مستوى ما فرضناه في القسم الثاني وهو أن نثق أنّه لا ينزلق عادة أمام المغريات الاعتيادية، فهو على العموم بانٍ على ترك المعاصي جميعاً لما لديه من الرادع الإلهي ويتعوّذ بالله من الانزلاق في الامتحان، ولكنّه لاضمان عادي لعدم انزلاقه لدى اتفاق الامتحان بذاك المقدار من الضمان الثابت في من يتمتع بما يسمّى عادة بالملكة، فهل هذا الشخص يعتبر مستقيماً أو لا ؟
لا يبعد القول بأنّ العدالة بمعناها العام أو الاستقامة العرفية ليست إلا هذا المقدار، ولكن في بعض الأبواب لايكون هذا المقدار كافياً لحصول الوثوق بعدم انزلاق الشخص في المهمة الموكلة إليه في ذلك الباب، وذلك كما في باب الولاية على المسلمين أو قيادة المسلمين، ولاشك بالارتكاز القطعي العقلائي المتشرّعي كالمتصل في اشتراط الوثوق بأداء المهمة في إناطة تلك المهمة به وثوقاً بالمقدار المعقول، فإذا توقّف ذلك على العدالة بمعنى أرفع من ذلك كالملكة بالمعنى الذي شرحناه أو توقّف على أكثر من ذلك أصبحت تلك المرتبة شرطاً لا محالة.
وأمّا البحث الثاني ـ وهو ارتكاب الصغيرة ـ: فقد يقال: إنّه يضرّ بالعدالة بمعناها اللغوي العرفي؛ لأنّ ارتكابها خلاف الاستقامة في الدين على أيّ حال إلا أنّه بالإمكان أن يستفاد من بعض الأدلّة اللفظية عدم إضراره بالعدالة، وأقصد بذلك عدم إضراره بمعناها العام، وهذا لا ينافي ما أشرنا إليه من بعض المقامات كالولاية على المسلمين أو تولي قيادة اُمور المسلمين التي لا يتحقق الوثوق المشترط بأداء صاحبه الأمانة الملقاة على عاتقه إلا ببعض الدرجات العالية من العدالة وقد يكون ارتكاب الصغيرة مضرّاً بها.