وثانياً: لعلّ ستر جميع العيوب ومنها الصغائر أمارة على ترك الكبائر، فمن ارتكب الصغائر من دون ستر لم نأمن ارتكابه للكبائر مستوراً، وقد يستشهد أيضاً بالآيات الشريفة الواردة في من يجتنب الكبائر، ولهذا الاستشهاد وجهان:
الوجه الأول: دعوى الدلالة الالتزامية العرفية على عدم قدح الصغيرة في العدالة، فإذا كانت الصغيرة مغفورة لدى ترك الكبائر وكان لتارك الكبائر ورغم ابتلائه بارتكاب الصغيرة ما عند الله الذي هو خير وأبقى وكان هذا الشخص مصداقاً لقوله تعالى: < وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى > (1)، فالمفهوم عرفاً من ذلك أنّه يكتفى من هذا الشخص في أحكام الاستقامة بهذا القدر من الاستقامة وإن كانت الملازمة العقلية غير موجودة.
الوجه الثاني: أنّه في جوّ تشريعي مفعم بمفاهيم تلك الآيات لايفهم لأدلّة شرط العدالة إطلاق يشمل ترك الصغيرة.
وعلى أيّ حال فقد ورد في النص الصحيح ما يدلّ على أنّ الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة أو بحكم الكبيرة، فعن محمد بن أبي عمير بسند تامّ عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) في حديث... قال النبي صلى الله عليه وآله: « لا كبير مع الاستغفار، ولا صغير مع الإصرار » (2)، ولعلّ الإصرار أمر نفسي بمعنى العزم على التكرار، أو عدم حديث النفس بالتوبة، أو عدم المبالاة بالتكرار ونحو ذلك، لا التكرار الخارجي.
وأمّا البحث الثالث: وهو البحث في وجود شرط زائد على العدالة وهو ترك مخالفة المروءة، أو كون ذلك شرطاً في العدالة، فالتحقيق أنّه لو كان ترك المروءة موجباً لهتك النفس وإذلالها فقد أصبح حراماً ودخل تركها في ترك الحرام، وإلا فلا دليل على اشتراط عدم تركها خاصة إذا قلنا بعدم مضرّية ارتكاب الصغيرة، فهل ياترى أنّ ارتكاب الصغيرة رغم أنّها ذنب لا يضرّ بالعدالة أو بما يشترط فيه العدالة، ولكن ارتكاب مباح ما يضرّ بذلك تحت عنوان أنّه خلاف المروءة؟.