المولفات

المؤلفات > البيع

489

الأوّل: أن يقال: إنّ الدليل اللفظي إنّما دلّ على وجوب معلومية كمّية المبيع من كيل أو وزن مثلاً، ولا نقيس على ذلك كيفية المبيع، فلا نحكم بوجوب معرفة كيفيّته.

ويرد عليه: أنّ الجزاف الموجود في عدم معرفة الكيفية قد يكون أشدّ بكثير من الجزاف الموجود في عدم معرفة الكمية، كما لو فرضنا الفاصل الكمّي المحتمل قليلاً والفاصل الكيفي المحتمل كبيراً، فلا شكّ في أنّ الفهم العرفي يتعدّى من مفاد الدليل اللفظي الدالّ على وجوب معرفة الكمّ إلى وجوب معرفة الكيف.

والثاني: أن يقال: إنّ المبيعات كما تختلف تبعاً للعرف من حيث ضرورة الدقّة في مقدارها، فمنها ما يكون مكيلاً أو موزوناً فترك الكيل والوزن يعدّ فيها جزافاً (أو غرراً على حدّ بعض التعبيرات)، ومنها ما لا يكون كذلك فيكتفی فيها التقدير بالرؤية مثلاً، كذلك الحال في الكيفية، فمنها ما يرى العرف في ذلك أنّ عدم الاختبار يعدّ جزافاً فلابدّ من الاختبار فيه أو الشرط حتّى يخرج عن الجزاف، ومنها ما لا يكون كذلك فلا يجب فيه الاختبار أو الشرط ويكتفی بالرؤية مثلاً، وتمييز هذا القسم عن ذاك القسم بيد العرف، ولا يوجد لدى العقل ضابط كلّي لذلك.

وهذا الوجه أيضاً مشكل؛ فإنّ نفوذ الرؤية المتعارفة في تشخيص الكمّية في غير مثل الموزونات والمعدودات أوضح بكثير من نفوذها في تشخيص بواطن الأمتعة، بل لا نفوذ لها في الثاني لغير من يعرف العلائم الظاهرية الكاشفة، فلا يمكن قياس هذا بذاك.

والثالث: أن يقال: إنّ المقياس في مثل هذه الأُمور هو الانتخاب وعدم الانتخاب، فللمتاع سعران سوقيّان مشخّصان: أحدهما سعره في فرض الانتخاب والآخر سعره في فرض عدم الانتخاب، والأخذ بالانتخاب أو بعدمه لا يعدّ جزافاً؛ لأنّ لكلّ واحد منهما سعره السوقي المخصوص به، ولا فرق في فرض عدم الانتخاب أن يكون ذلك بسبب التوافق بين البائع والمشتري على عدم الانتخاب وعلى سِعره الذي يتّفقان عليه في فرضه أو يكون ذلك بسبب جهل المشتري بالعلائم الدالّة على الجودة والرداءة.