المولفات

المؤلفات > دراسات فقهية

136

والملابسات، وأحياناً إعطاء مواضيع مرنة في حدّ ذاتها: من قبيل مفهومي الغنى أو الفقر المختلفَين في المصداق باختلاف الزمان والمكان.

الشكل الثالث: جعل بعض الأحكام غير الإلزامية، فليس عدم الإلزام دائماً من باب عدم اشتمال متعلّق الحكم على ملاك الإلزام، بل قد يكون الترخيص وعدم الإلزام في الإسلام بملاك المرونة، أو تكون المرونة أحد ملاكاته، وقد يكون من هذا القبيل ما سنذكره من عدّة أمثلة:

الأوّل: مسألة الزواج، فعلى الرغم من أنّ الزواج من أحبّ الأشياء في الإسلام حتّى ورد بسند تام عن صفوان، عن الصادق(علیه السلام)أنّه قال: «قال رسول الله(صلى الله عليه و آله): ما من شيء أحبّ إلى الله(وجل عز) من بيت يعمر في الإسلام بالنكاح»(1)، وورد عن رسول الله(صلى الله عليه و آله): «من رغب عن سنّتي، فليس منّي»(2)، نرى أنّ الإسلام لم يجعل الزواج واجباً، وهذا لا يعني عدم بلوغ المصالح والآثار المترتّبة عليه إلى مستوى الوجوب، وإنّما يعني: الإلتفات إلى عنصر المرونة.

وتوضيح ذلك: صحيح أنّ الزواج بشكل عام موجبٌ لسعادة الحياة ولاستمرار حياة الأُمّة بما هي أُمّة، ولكن توجد موارد استثناء عديدة على أساس أحوال ومكتنفات نفسيّة أو خارجية تجعل الزواج موجباً للشقوة في الحياة، ولم يكن بالإمكان تحديدها بشكل دقيق ومضبوط في مقياس مفهوم لنا؛ فإنّ هذه المسألة قد تصبح من أشدّ المسائل الحياتيّة تعقيداً، وترتبط بدقائق الأُمور النفسيّة أو الخارجية، فكان أفضل أُسلوب لتنزيل النظام التشريعي من قبل الشريعة الإسلامية بشكل يحفظ المصالح المتضاربة في أكثر الموارد، هو إعمال عنصر المرونة عن طريق التنزّل من

 


(1) وسائل الشيعة، ج20، ص16، الباب الأوّل من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه، ح۱٠، وج22، ص7، الباب الأوّل من أبواب مقدّمات الطلاق وشرائطه، ح۱.

(2) المصدر السابق، ص21، الباب الثاني من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه، ح۹.