المولفات

المؤلفات > أحكام المقبوض بالعقد الفاسد القسم الثاني

9

أو غير اختياريّ، كالضمان المترتّب على الغصب. وهذا المعنى ينطبق على مسلك أبي حنيفة حيث قال: «إنّ كلّ من يضمن مالاً ولو غصباً فالمنافع له»(1).

وهذا التفسير مقطوع العدم وغير مراد لصاحب الوسيلة.

التفسير الثالث: أن يكون المراد من الخراج مطلق المنافع إلا أنّ المراد من الضمان خصوص الضمان الاختياريّ المترتّب على العقود الصحيحة، فيكون المعنى: أنّ من يضمن شيئاً بعقد صحيح يملك منافعه بالتبع. وهذا في ذاته مطلب صحيح، لكنّه أجنبيّ عن المقام؛ لأنّ كلامنا في العقد الفاسد، والمفروض أنّ الضمان في المقبوض بالعقد الفاسد لا يكون ممضى شرعاً.

أقول: إنّ هذا التفسير هو عين ما نقلناه عن مكاسب الشيخ الأنصاريّ.

التفسير الرابع: أن يكون المراد بالخراج مطلق المنافع ويكون المراد بالضمان مطلق الضمان الاختياري ولو كان فاسداً ولم يمضه الشارع. وهذا المعنى هو الذي يصحّ دليلاً لصاحب الوسيلة في المقام. إلّا أنّه مضافاً إلى احتياجه إلى القرينة من بين المعاني ـ وهي معدومة ـ يستلزم أن تكون مناقع العين للمشتري بحيث يضمنها له كلّ من استوفاها ولو كان هو المالك أو الأجنبيّ الثالث. ولا يلتزم أحد بهذا حتّى أبو حنيفة.

قال السيّد الخوئيّ (رحمه الله): فالصحيح هو المعنى الأوّل ومع التنزّل عنه يرجع إلى المعنى الثالث.

أقول: المفروض أن يُستثنى من ضمان المشتري للمنافع المستوفاة فرض واحد ـ ولعلّه مقصود لهم وإن لم يذكروه في عباراتهم ـ وهو فرض ما إذا كان البائع يُعدّ عرفاً غارّاً للمشتري، كما لو كان البائع عالماً بفساد


(1) الظاهر أنّ نظر أبي حنيفة المروي في صحيحة أبي ولاد كان ناشئاً من رأيه هذا، وهي رواية طريفة أنقلها هنا عن الكافي: فقد روى الكلينيّ عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب عن أبي ولاّد الحنّاط قال: اكتريت بغلاً إلى قصر ابن هبيرة ذاهباً وجائياً بكذا وكذا، وخرجت في طلب غريم لي، فلمّا صرت قرب قنطرة الكوفة خُبّرت أنّ صاحبي توجّه إلى النيل، فتوجّهت نحو النيل، فلمّا أتيت النيل خبّرت أنّ صاحبي توجّه إلى بغداد، فاتّبعته وظفرت به وفرغت ممّا بيني وبينه، ورجعنا إلى الكوفة، وكان ذهابي ومجيئي خمسة عشر يوماً، فأخبرت صاحب البغل بعذري، وأردت أن أتحلّل منه ممّا صنعت واُرضيه، فبذلت له خمسة عشر درهماً، فأبى أن يقبل، فتراضينا بأبي حنيفة، فأخبرته بالقصّة وأخبره الرجل. فقال لي: وما صنعت بالبغل؟ قلت: قد دفعته إليه سليماً. قال نعم، بعد خمسة عشر يوماً. فقال: ما تريد من الرجل؟ قال: اُريد كري بغلي فقد حبسه عليّ خمسة عشر يوماً. فقال: ما أرى لك حقّاً؛ لأنّه اكتراه إلى قصر ابن هبيرة وركبه إلى النيل وإلى بغداد، فضمن قيمة البغل وسقط الكري، فلمّا ردّ البغل سليماً وقبضته لم يلزمه الكري. قال: فخرجنا من عنده، وجعل صاحب البغل يسترجع فرحمته ممّا أفتى به أبو حنيفة، فأعطيته شيئاً وتحلّلت منه، فحججت تلك السنة، فأخبرت أبا عبد الله (ع) بما أفتى به أبو حنيفة. فقال: «في مثل هذا القضاء وشبهه تحبس السماء ماءها وتمنع الأرض بركتها». قال: فقلت لأبي عبد الله (ع): فما ترى أنت؟ قال: «أرى له عليك مثل كري بغل ذاهباً من الكوفة إلى النيل ومثل كري بغل راكباً من النيل إلى بغداد ومثل كري بغل من بغداد إلى الكوفة توفّيه إياه». قال: قلت: جعلت فداك إنّي قد علفته بدراهم فلي عليه علفه؟ فقال: «لا؛ لأنّك غاصب». فقلت: أرأيت لو عطب البغل ونفق أليس كان يلزمني؟ قال: «نعم، قيمة بغل يوم خالفته». قلت: فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو غمز؟ فقال: «عليك قيمة ما بين الصحّة والعيب يوم تردّه عليه». قلت: فمن يعرف ذلك؟ قال: «أنت وهو، إمّا أن يحلف هو على القيمة فتلزمك، فإن ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمه ذلك أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل حين أكرى كذا وكذا فيلزمك». قلت: إنّي كنت أعطيته دراهم ورضي بها وحلّلني. فقال: «إنّما رضي بها وحلّلت حينما قضى عليه أبو حنيفة بالجور والظلم، ولكن أرجع إليه فخبره بما أفتيتك به، فإن جعلك في حلّ بعد معرفته فلا شيء عليك بعد ذلك». قال أبو ولاّد: فلمّا انصرفت من وجهي ذلك لقيت المكاري فأخبرته بما أفتاني به أبو عبد الله (ع)، وقلت له: قل ما شئت حتّى اُعطيكه. فقال: قد حبّبت إليّ جعفر بن محمّد ووقع في قلبي له التفضيل، وأنت في حلّ، وإن أحببت أن أردّ عليك الذي أخذت منك فعلت. انتهت الرواية المباركة. [ الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي 5: 290 ـ 291، باب الرجل يكتري الدابّة فيجاوز بها الحدّ أو يردّها قبل الانتهاء إلى الحدّ ح. ]. وقد أورد صاحب الوسائل أكثر هذه الرواية في كتاب الإجارة، باب 17، ح.؛ وذلك في المجلّد 19: 119 ـ 120. وعلّق صاحب الوسائل (رحمه الله) على جملة: «فأخبرت أبا عبد الله (ع) بما أفتى به أبو حنيفة» بقوله: «لا يخفى أنّ أبا حنيفة استدلّ هنا بأصالة البراءة والاستصحاب ونحوهما». أقول: الظاهر عندي أنّ أبا حنيفة كان مدركه لمّا أفتى به قاعدة «الخراج بالضمان» بالتفسير الذي هو يرتئيه من أنّ الضمنان حتّى بالغصب يجعل الخراج للضامن.