الاستدلال على الحرمة:
وعمدة الدليل على الحرمة صحيحة سالم الحنّاط، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «ما عملك؟». قلت: حنّاط، وربّما قدمت على نفاق وربّما قدمت على كساد فحبست. قال: «فما يقول من قِبَلَكَ فيه؟». قلت: يقولون: محتكر. فقال: «يبيعه أحد غيرك؟». قلت: ما أبيع أنا من ألف جزء جزءاً. قال: «لا بأس، إنّما كان ذلك رجل من قريش يقال له حكيم بن حزام، وكان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كلّه، فمرّ عليه النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) فقال: يا حكيم بن حزام إيّاك أن تحتكر»(1).
وقوله (صلى الله عليه و آله و سلم): «إيّاك أن تحتكر» واضح الدلالة على الحرمة.
وقد روى السيّد الرضي (رحمه الله) في نهجالبلاغة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في كتابه إلى مالك الأشتر قال: «فامنع من الاحتكار؛ فإنّ رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) منع منه، وليكن البيع بيعاً سمحاً بموازين عدل، واسعاً لا يجحف بالفريقين من البائع والمبتاع، فمن قارف حكرة بعد نهيك فنكّل وعاقِب في غير إسراف»(2).
وظاهر جملة «إنّ رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) منع منه»: أنّه (صلى الله عليه و آله و سلم) حرّمه.
إلا أنّ الشريف الرضي (رحمه الله) روى الرواية مرسلة.
ولكن للشيخ الطوسيّ (قدس سره) سند إلى عهد الإمام (عليه السلام) إلى مالك الأشتر قد يمكن تصحيحه، وهو ما يلي: «أخبرنا بالعهد ابن أبيجيد عن محمّد بن الحسن
[يعني ابن الوليد]عن الحميريّ [يعني عبدالله بن جعفر الحميريّ]عن هارون بن مسلم والحسن بن ظريف جميعاً عن الحسين بن علوان الكلبيّ عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (عليه السلام)»(3).
وقد يمكن النقاش في هذا السند بعدّة وجوه:
الوجه الأوّل: التشكيك في وثاقة الحسين بن علوان الكلبيّ؛ إذ لا دليل على وثاقته عدا ما ورد عن النجاشيّ من قوله: «الحسين بن علوان الكلبيّ مولاهم كوفيّ عامِيّ، وأخوه الحسن يكنّى أبامحمّد ثقة رويا عن أبي عبدالله(عليه السلام)، وليس للحسن كتاب، والحسن أخصّ بنا وأولى...»(4).
فلو أرجعنا قوله: «ثقة» إلى الحسن لا إلى الحسين لم يبق لنا دليل على توثيق الحسين بن علوان.