ويؤيّد ذلك... تفسير الاحتكار في كلام أهل اللغة بمطلق جمع الطعام وحبسه سواء كان بالاشتراء أو بالزرع والحصاد والإحراز، إلا أن يراد جمعه في ملكه [وكأنّ مقصوده (رحمه الله) من الجملة الأخيرة: إلا أن يكون المقصود بإحرازه جمعه في ملكه، لا حكره بعدم البيع]. ويؤيّد التعميم تعليل الحكم في بعض الأخبار بـ: «أن يترك الناس ليس لهم طعام»»(1).
وعليه، فلا فرق بين أن يكون ذلك من زرعه، أو من ميراث، أو يكون موهوباً له، أو كان قد اشتراه لحاجة فانقضت الحاجة وبقي الطعام لا يحتاج إليه المالك فحبسه متربّصاً للغلاء»(2).
أقول: لا ينبغي الإشكال في أنّ الفهم العرفيّ يقتضي حمل الشراء في الصحيحة الماضية على المثاليّة، ولو فرض الإجمال كفانا الإطلاق الموجود في صحيحة الحلبيّ الاُخرى: عن الرجل يحتكر الطعام ويتربّص به هل يصلح ذلك؟ قال: «إن كان الطعام كثيراً يسع الناس فلا بأس به...»(3).
الجهة الرابعة: أحكام الاحتكار الثانوية
الاحتكار قبل الاستفادة من البيع غالباً لا ينقسم إلا إلى الحلال والحرام، فمع حاجة الناس وعدم كفايتهم حرام، ومع الكفاية حلال.
ولكن قد يتّصف بالاستحباب أو الوجوب أو الكراهة بعناوين ثانويّة، فقد يتوقّف مثلاً حفظ نفوس محترمة على احتكار الطعام في الخصب حتّى لا يموتوا
في المجاعة جوعاً فيجب، فالاحتكار في ساعة الخصب ومدّته كان حلالاً، ولكنّه اتّصف بالوجوب لتوقّف الواجب عليه.
وقد يتّفق أنّه يحتكر الطعام في مدّة عدم الحاجة فهو بعنوانه الأوّليّ حلال، ولكن كان هدفه من ذلك التوسعة على الزوّار الذين سيقدمون أو على المضطرّين فيتّصف بالاستحباب.
وقد يتّفق أنّه يحتكر الطعام في زمن وجود الكفاية، فهو حلال بعنوانه الأوّليّ، ولكن يقصد بذلك أن يصيد اُناساً يستطيع غبنهم بالبيع عليهم بأزيد من السعر السوقيّ وبشكل فاحش فيتّصف بالكراهة(4).
الجهة الخامسة: حكم المحتكر
قال الشيخ (رحمه الله): «الظاهر عدم الخلاف ـ كما قيل ـ في إجبار المحتكر على البيع حتّى على القول بالكراهة، بل عن المهذّب البارع الإجماع، وعن التنقيح كما عن الحدائق عدم الخلاف فيه، وهو الدليل المخرج عن قاعدة عدم الإجبار لغير الواجب؛ ولذا ذكرنا: أنّ ظاهر أدلّة الإجبار تدلّ على التحريم؛ لأنّ إلزام غير اللازم خلاف القاعدة. نعم، لا يسعّر عليه إجماعاً، كما عن السرائر وزاد وجود الأخبار المتواترة، وعن المبسوط عدم الخلاف فيه، لكن عن المقنعة أنّه يسعّر عليه بما يراه الحاكم، وعن جماعة منهم العلاّمة وولده والشهيد: أنّه يسعّر عليه إن أجحف بالثمن؛ لنفي الضرر، وعن الميسي والشهيد الثاني: أنّه يؤمر بالنزول من دون تسعير جمعاً بين النهي عن التسعير والجبر بنفي الإضرار»(5).