المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

372

ولو فرض إيحاء للعبارة بعدم الدوام فليس هذا الإيحاء قابلاً للمقاومة في مقابل التصريحات الماضية.

الشبهة الثانية: أنّ دوام العقاب مخالف لعدل الله سبحانه وتعالى؛ لأنّه لم تصدر منهم إلّا المعصية المنتهية بالموت، فكيف يقابَلون بعذاب غير متناه؟

والواقع أنّ هذا الإشكال ينشأ من تخيّل أنّ العذاب في القيامة يكون شيئاً من قبيل التقاصّ لسحق العاصي حقّ المولى تعالى، فكأنّ المولى عزّوجلّ يريد أن يأخذ حقّه منه بالعذاب فيقال: إنّ حقّ العذاب من قبل المولى لن يكون بأزيد من عصيان العبد إيّاه، وقد كان العصيان مؤقّتاً محدوداً، فكيف يستعقب عذاباً أبدياً؟

إلّا أنّه لو كان الأمر كذلك لورد إشكال أعظم من ذلك على العقاب، وهو: أنّ الله تعالى غنّي عن أخذ حقّه، فلماذا يأخذ حقّه بالعذاب؟ فتفسير العذاب بذلك من أساسه باطل.

والأمر المعقول في تفسير عذاب الآخرة ليس إلّا أحد اتّجاهين:

الأوّل: أن يكون العذاب أثراً تكوينياً للعمل، فكما لا يمكن أن يعترض على ترتب مرض مستمرٍّ على أكلة خاطئة أو شرب شربة مخالف لإرشاد الطبيب بأنّ الخطأ الذي صدر من الفاعل لم يكن إلّا أكلة قليلة أو شربة واحدة، فلماذا يعذّب طول عمره بذاك المرض؟ ولا يصح أن يقال: إنّ من أخطأ بشرب السمّ لم يكن المفروض أن يجازى بأشدّ الاُمور وهو الموت والحرمان الدائم من حياته، كذلك لا يرد إشكال من هذا القبيل على عذاب الآخرة؛ فإنّ عمل الإنسان لا ينفكّ من الإنسان ﴿وَكُلَّ إِنسَان أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِه﴾(1)، وربما يكون أثر عمله


(1) س 17 الإسراء، الآية: 13.