136

مسألة 15: إذا قلّد مجتهداً كان يجوّز البقاء على تقليد الميّت فمات ذلك المجتهد لا يجوز البقاء على تقليده في هذه المسألة بل يجب الرجوع إلى الحيّ الأعلم في جواز البقاء وعدمه(1).


ولو شكّ المقلَّد في أنّ الاحتياط في الفتوى من أيّ النمط ولم تكن في كلام الأعلم قرينة على جزمه بخطأ مدرك المفتي بالإلزام وجب عليه في الرجوع إلى الغير التقيد بقيد الأعلم فالأعلم.

ولو شكّ المقلَّد في أصل أنّ الاحتياط هل هو احتياط في الفتوى أو فتوى بالاحتياط، ولم تكن في كلام الأعلم قرينة على أحد الأمرين جاز له الرجوع إلى غير الأعلم؛ لعدم إحرازه للمزاحم لحجّية فتوى غير الأعلم.

البقاء علی تقليد الميّت بفتوی الأعلم

(1) الوجه في ذلك هو ما يقال: من أنّ فتوى الميّت بجواز البقاء لا يمكن أن تكون حجّة في ذاتها في جواز البقاء؛ لأنّ حجّية نفس هذه الفتوى أيضاً أوّل الكلام، ولا يمكن إثبات حجّية نفسها بنفسها، كما أنّه لو حرّم الميّت البقاء على تقليد الميّت لم يؤثّر ذلك في إثبات

137

التحريم؛ لأنّ حجّية هذه الفتوى أوّل الكلام، فلابدّ إذاً من الرجوع في مسألة البقاء إلى أعلم الأحياء، وصحيح أنّه لو رجع إلى صاحب العروة(رحمه الله) لأفتاه بجواز البقاء كما مضى منه، ولكن هذا لا ينافي أن يقول هنا: إنّ المقلّد لا يمكنه أن يعتمد ابتداءً على رأي الميّت في البقاء، بل هو مضطرّ إلى الرجوع إلى أعلم الأحياء في ذلك.

وتحقيق الكلام في ذلك يقع في أمرين:

الأمر الأوّل: في أنّنا لو سلّمنا هذا المبنى _ وهو أنّ المعتمد الأوّل في مسألة البقاء هو رأي أعلم الأحياء بالبيان الذي عرفت _ فما هي النتائج التي يجب تسجيلها في فروع متعدّدة لهذه المسألة؟

والأمر الثاني: في أنّ أصل هذا المبنى هل هو صحيح أو لا؟ وما هي النتيجة التي تسجّل على تقدير عدم صحّته.

أمّا الأمر الأوّل: فقد يفترض أنّ الحيّ يحرّم البقاء، وهنا النتيجة واضحة، وهي ضرورة العدول إليه على كلّ تقدير؛ إذ لا قيمة لرأي الميّت في ذاته في البقاء أيّاً كان على ما هو المفروض في المبنى، ورأي الحيّ هو الذي يحمل الحجّية على ما هو المفروض في المبنى.

وأُخرى يفترض أنّ الحيّ يجوّز البقاء ولكن تجويزه للبقاء مقيّد بقيد غير موجود في فتوى الميّت في البقاء، كما لو كان تجويز الحيّ

138

للبقاء مشروطاً بالعمل بالفتوى التي يبقى المقلَّد عليها ولم يكن المقلَّد عاملاً فيما سبق بهذه الفتوى، أو كان تجويز الحيّ للبقاء مشروطاً بالتعلّم ولم يكن المقلَّد متعلّماً لفتوى الميّت في مسألة البقاء، ونحو ذلك من الأمثلة. وهنا أيضاً تكون النتيجة واضحة، وهي ضرورة الاعتماد للمقلَّد في هذه المسألة على رأي الحيّ من الجواز بالمعنى الأخصّ أو الوجوب، فيجوز له أو يجب البقاء على تقليد الميّت في سائر المسائل التي عمل بها أو تعلّمها مثلاً رغم أنّ الميّت يفتي بحرمة البقاء، فإنّ هذه الفتوى بالخصوص لا حجّية لها حسب الفرض.

وثالثة يفترض أنّ الحيّ يجوّز البقاء ولا يكون تجويزه هذا مشروطاً بشيء أو كان مشروطاً بشرط موجود في فتوى الميّت بالبقاء.

وعلى هذا الفرض الثالث تارة يفترض أنّ الميّت أيضاً يجوّز البقاء في نفس دائرة تجويز الحيّ، وأُخرى يفترض أنّ الميّت يجوّز البقاء في دائرة أوسع من دائرة تجويز الحيّ، وثالثة يفترض أنّ الميّت يجوّز البقاء في دائرة أضيق من تلك الدائرة أو يحرّم البقاء نهائيّاً، فهذه فروض ثلاثه:

الفرض الأوّل: أن يتّفق الميّت مع الحيّ في دائرة تجويز البقاء، وهنا لا إشكال على المبنى الماضي في جواز اعتماد المقلَّد في البقاء على رأي الحيّ، وإنّما الكلام يقع في جواز اعتماده على رأي الميّت

139

في البقاء بعد إضفاء الحجّية عليه ببركه فتوى الحيّ، وهذا البحث هنا لا أثر عملي له؛ لأنّ المفروض أنّ دائرتي التجويز متساويتان، فحجّية فتوى الميّت أو عدمها في البقاء سيّان من حيث النتيجة العملية، فيكون البحث في ذلك علميّاً بحتاً حيث يقال: إنّه هل أصبحت باقي فتاوى الميّت حجّة بدليلين: بدليل إفتاء الحيّ بحجّيتها، وبدليل إفتاء الميّت أيضاً بحجّيتها بعد أن أصبح هذا الإفتاء حجّة ببركة فتوى الحيّ أو أنّ فتوى الميّت في البقاء لا معنى لحجّيّتها ويكون الدليل على حجّية باقي فتاواه منحصراً بفتوى الحيّ؟

ذهب السيّد الخوئي(رحمه الله) إلى الثاني؛ لأنّ نفس فتوى الحيّ بجواز البقاء التي يفترض إضفائها للحجّية على فتوى الميّت بجواز البقاء قد أضفت الحجّية على باقي فتاوى الميّت في عرض إضفائها للحجّية على إفتائه بجواز البقاء، فافتراض إضفاء الحجّية عليها مرّة أُخرى بتوسيط إفتائه بالجواز تحصيل للحاصل.

ويرد عليه: أنّ حجّية باقي فتاوى الميّت المتولّدة من حجّية فتوى الحيّ بالبقاء وإن كانت في عرض حجّية إفتاء الميّت بالبقاء لكنّنا لا نؤمن بأنّ المتأخّر عن أحد العَرضيين رتبة يكون متأخّراً عن الآخر أو


(1) التنقيح، ج1، ص181 _ 182.

140

أنّ ما مع المتقدّم متقدّم حتّى يلزم من ذلك كون حجّية باقي فتاوى الميّت المتولّدة من حجّية إفتائه بجواز البقاء في طول حجّيتها المتولّدة من حجّية فتوى الحيّ كي يلزم تحصيل الحاصل، وغاية ما يلزم في المقام هو اجتماع دليلين على حجّية باقي فتاوى الميّت، أحدهما فتوى الحيّ بحجّيتها، والثاني فتوى الميّت بذلك بعد إضفاء الحجّية على هذه الفتوى ببركة فتوى الحيّ، ولا محذور في ذلك.

ويمكن أن يقرّب الإشكال بتعبيرٍ آخر وهو أن يقال: إنّ حجّية فتاوى الميّت في سائر المسائل غير مسألة البقاء كانت في عرض ما قد يفترض من حجّية فتواه في البقاء؛ لأنّهما معاً وليدتان لحجّية رأي الحيّ في البقاء، فلو كانت حجّية فتوى الميّت في مسألة البقاء تخلق حجّيةً لباقي فتاوى الميّت لكانت هذه الحجّية في طول حجّية فتواه في البقاء، وهذه الحجّية الثانية لباقي فتاواه لو فرضت مندكّة في الحجّية الأُولى لتلك الفتوى فهو غير ممكن؛ لأنّه يلزم من ذلك أن تكون حجّية باقي الفتاوى في عرض حجّية فتواه في البقاء وفي طولها في وقت واحد، ولو لم تفرض مندكّة في تلك الحجّية لزم اجتماع حجّيّتين على شيء واحد، وهذا غير ممكن.

ولعلّ هذا هو مقصود السيّد الخوئي(رحمه الله) وإن كان هذا الإشكال

141

لا ينبغي أن يعبّر عنه بالتعبيرات الواردة في التنقيح من لزوم تحصيل الحاصل والتنجيز بعد التنجيز والتعذير بعد التعذير.

وعلى أيّة حال فالجواب على هذا الإشكال هو أنّ الطولية الرتبيّة بين أمرين وإن كانت حدّاً من الحدود وأمراً إيجابيّاً معبّراً عن ظرف رتبيّ لكن العرضيّة الرتبيّة لا تعبّر عن ظرف مّا، وإنّما هي عبارة عن عدم الترتّب لا عن حدّ إيجابي، ولهذا لا يشترط في العرضيّة بين شيئين كونهما معلولين لشيء ثالث، بل كلّ أمرين لا يوجد ترتّب بينهما يعتبران عرضيّين، كما أنّه فيما نحن فيه أيضاً ليست الحجّيتان في عالم التطبيق والفعلية _ وهو عالم تعدّدهما _ وليدتين لشيء واحد، بل تكون حجّية فتوى الميّت في البقاء وليدة لفتوى الحيّ بحجّية هذه الفتوى، وحجّية باقي فتاواه وليدةً لفتوى الحيّ بحجّية باقي الفتاوى. إذاً فلا محذور في اندكاك حجّية باقي فتاواه التي هي في طول حجّية فتواه في البقاء في حجّية باقي فتاواه التي هي في عرض حجّية فتواه في البقاء؛ لأنّ العرضيّة لا تعني إلّا عدم نكتة الطوليّة، وعدم ثبوت نكتة الطوليّة من جهة لا يمنع عن ثبوتها من جهة أُخری.

والواقع أنّ كلا التقريبين اللذين ذكرناهما للإشكال متلازمان، والجوابان راجعان إلى روح واحدة؛ وذلك لأنّنا لو فرضنا أنّ العرضيّة

142

ظرف رتبيّ إيجابيّ وحدّ حقيقي، فكما يتمّ الإشكال الثاني كذلك يتمّ الإشكال الأوّل؛ لأنّه مع إيجابيّة الظرفين يكون ما مع المتقدّم متقدّماً لا محالة؛ لأنّ ظرف الأب شكّل ظرفاً حقيقيّاً في عالم الرتب للعلم، فكيف يكون ابن الأخ المتأخّر في الظرف في رتبة عمّه؟!

ولو فرضنا أنّ ما مع المتقدّم ليس مقدّماً فارتفع الإشكال الأوّل فقد ارتفع كذلك إشكال عدم إمكان الاندكاك؛ لأنّ حجّية باقي الفتاوى المتولّدة من حجّية فتوى الحيّ بعد أن لم تكن متقدّمة رتبة على حجّيتها المتولّدة من فتوى الميّت بالبقاء فهما عرضيّتان، وإذا كانتا عرضيّتين فلا مانع من اندكاك إحديهما في الأُخرى.

ولعلّه يمكن أن يقرّب الأمر إلى الذهن عرفيّاً بمثال _ وإن كان هذا المثال ليس شاهداً لنا بالدقّة الفعلية؛ لأنّ الإشكال لو تمّ في المقام يسري إلى هذا المثال أيضاً _ وهذا المثال هو أن يفترض أنّ بيّنة ثابتة العدالة شهدت بالهلال وشهدت أيضاً بعدالة بيّنة أُخرى شاهدةٍ بالهلال، فحكم الهلال يثبت ببيّنتين وإن كانت حجّية البيّنة الثانية ثبتت بشهادة البيّنة الأُولى بعدالتها.

وعلى أيّة حال فالبحث هنا لا ثمرة عملية له.

الفرض الثاني: أن تكون فتوى الميّت بجواز البقاء أوسع دائرة من

143

فتوى الحيّ بجواز البقاء، وهنا تتّضح الثمرة العملية لحجّية فتوى الميّت بالبقاء؛ لأنّ المقلَّد لو اقتصر في البقاء على الاعتماد على فتوى الحيّ فتلك الفتوى لا تصحّح له مباشرة البقاء إلّا في دائرة ضيّقة، في حين أنّ فتوى الميّت بالبقاء بعد أن أُضفيت عليها الحجّية ببركة فتوى الحيّ تُوسّع له دائرة جواز البقاء.

والإشكال الذي مضى عن السيّد الخوئي(رحمه الله) في الفرض الأوّل لو تمّ هناك لا مورد له هنا؛ لأنّ ما زاد على دائرة تجويز الحيّ لم يكن حجّة ببركة فتوى الحيّ مباشرة كي يلزم من حجّيتها بسبب فتوى الميّت تحصيل الحاصل أو وجود الحجّية في مرتبتين وعدم الاندكاك.

والنتيجة التي يجب أن تسجّل هنا هي أنّ للمقلّد البقاء في الدائرة الأوسع ولو كان الحيّ مانعاً عن البقاء في المساحة الزائدة؛ وذلك لأنّ المفروض أنّ الحيّ أفتى بأنّ الميّت يكون في مسألة البقاء بمنزلة الحيّ، وعندئذٍ فالمفروض تقدّم رأي الميّت في البقاء على رأي الحيّ؛ لكونه أعلم منه مثلاً.

الفرض الثالث: أن يكون الميّت مفتياً بحرمة البقاء أو مفتياً بالجواز في دائرة أضيق من دائرة إفتاء الحيّ بالجواز.

فلو فرضنا كون الميّت مفتياً بالجواز في دائرة أضيق وكان الميّت في

144

الفاصل بين الدائرتين فاقداً للفتوى بالجواز أو التحريم فلا مشكلة في المقام؛ فإنّ هذا الفاصل بين الدائرتين يمكن إثبات جواز البقاء فيه بفتوى الحيّ بلا محذور.

وكذلك الحال فيما لو فرضنا أنّ الميّت لا فتوى له نهائيّاً بجواز البقاء ولا بعدمه.

وإنّما الكلام يقع فيما لو كان الميّت مفتياً بحرمة البقاء مطلقاً أو في الفاصل بين الدائرتين. وعندئذٍ تارة نفترض أنّ فتواه بحرمة البقاء تكون مطلقة أو مشروطة بشرط موجود في نفس هذا الإفتاء، كما لو أفتى بحرمة البقاء فيما تعلّمه المقلَّد وكان المقلَّد غير متعلّم لمسألة حرمة البقاء. وأُخرى نفترض أنّ فتواه بحرمة البقاء مشروطة بشرط مفقود في نفس هذه الفتوى، كما لو أفتى بحرمة البقاء فيما لم يتعلّمه المقلَّد وكان المقلَّد قد تعلّم نفس هذه المسألة.

أمّا في الفرض الثاني، فالنتيجة التي يجب أن تسجّل في المقام هي أنّ فتوى الميّت بالتحريم استقت الحجّية من فتوى الحيّ، وهي حرّمت البقاء للمقلَّد في الدائرة الواجدة لذاك الشرط، فلا يجوز له البقاء في تلك الدائرة ويجوز له البقاء في غير تلك الدائرة ممّا يكون مشمولاً لتجويز الحيّ للبقاء.

145

وأمّا في الفرض الأوّل، فهنا يتجلّى التضاد القويّ بين فتوى الحيّ بالجواز الشامل لنفس رأي الميّت في البقاء وبين فتوى الميّت، ومن الواضح عندئذٍ أنّه لا يمكن تجويز البقاء بفتوى الحيّ على فتوى الميّت بتحريم البقاء زائداً تجويز البقاء بفتوى الحيّ على باقي فتاوى الميّت التي حرّم هو البقاء عليها؛ لأنّ البقاء عليهما معاً غير ممكن للتضادّ المستبطن في ذلك، فما هي الوظيفة؟

ذكر السيّد الخوئي(رحمه الله) هنا: أنّ المتعيّن في المقام هو الثاني ، أي إضفاء الحجّية على باقي فتاوى الميّت بفتوى الحيّ؛ لأنّ إضفاء الحجّية على إفتاء الميّت بحرمة البقاء بفتوى الحيّ الذي أفتى بالجواز غير ممكن، وذلك لوجهين:

الوجه الأوّل: أنّ حجّية فتوى الميّت بتحريم البقاء يلزم من وجودها عدمها، فتصبح مستحيلة.

والوجه الثاني: أنّنا نعلم إجمالاً أنّ فتوى الميّت بالتحريم إمّا خلاف الواقع أو ليست حجّة؛ لأنّه إن كان البقاء في علم الله جائزاً فالفتوى بالتحريم خلاف الواقع، وإن كان غير جائز فهذه الفتوى غير حجّة؛ لأنّ حجّيتها تعني جواز البقاء، وبما أنّ الحكم الظاهري مشروط


(1) التنقيح، ج1، ص192 _ 194.

146

باحتمال المطابقة للواقع فلا معنى لافتراض الحجّية لشيء معلّقةً على مخالفته للواقع.

أقول: إنّ الوجه الأوّل قد فرضت فيه استحالة ما يلزم من وجوده عدمه بعد تسليم أنّه يلزم من وجوده عدمه، وقد وضّحنا في بعض مباحثنا أنّ أصل استلزام وجود شيء لعدمه مستحيل، وحجّية الفتاوى انحلاليّة، فحجّية فتواه بالتحريم تستلزم عدم حجّية باقي فتاواه لا عدم حجّية نفس هذه الفتوى.

نعم، لو قال أحد: إنّنا لا نحتمل حجّية هذه الفتوى _ أعني الفتوى بالتحريم _ فحسب دون باقي فتاواه في حين أنّنا نحتمل العكس كان معنى ذلك الجزم الابتدائي بعدم حجّية هذه الفتوى دون توسيط فكرة استلزام وجود الشيء لعدمه؛ وذلك لأنّ الأمر منحصر عقلاً في أربعة فروض: إمّا حجّية جميع فتاواه بما فيها الفتوى بتحريم البقاء، أو عدم حجّية شيء منها، أو حجّية فتواه بتحريم البقاء دون باقي الفتاوى، أو العكس، والأوّل مستحيل لاستحالة اجتماع حجّية فتواه بالتحريم مع حجّية باقي فتاواه، والثالث فرضناه مقطوع العدم، والثاني والرابع يعنيان عدم حجّية فتواه بتحريم البقاء، فهذا يعني القطع بعدم حجّية هذه الفتوى بالخصوص.

147

أمّا الوجه الثاني فالظاهر أنّه صحيح؛ لأنّ الحياة إمّا هي شرط في علم الله في حجّية رأي الفقيه حتّى بقاءً أو لا، فإن كان شرطاً في علم الله في ذلك فلا مبرّر لحجّية فتواه بتحريم البقاء؛ لأنّ شرط حجّيته هو الحياة وهي مفقودة، وإن لم يكن شرطاً في علم الله في ذلك فتحريمه للبقاء خلاف الواقع.

إذاً فالنتيجة هي أنّ فتوى الميّت بالتحريم لا تصلح للحجّية، فتكون الحجّة عندئذٍ فتوى الحيّ بجواز البقاء، فيجوز للعامّي البقاء على سائر فتاوى الميّت في مسائل الصلاة والصوم وغيرهما من الفروع.

وأمّا الأمر الثاني: _ وهو أنّه هل من الصحيح ما ذكر من أنّ المعتمد ابتداءً في مسألة البقاء يجب أن يكون هو الحيّ؛ لأنّ حجّية رأي الميّت أوّل الكلام بحسب الفرض، ولا يمكن إثبات حجّية رأي الميّت برأي الميّت؟ _ فالظاهر أنّ هذا المبنى غير صحيح، وتوضيح ذلك: أنّه كما لا يجوز للعامّي التقليد في أصل التقليد كذلك لا يجوز له أن يقلّد في خصوصيّات التقليد إلّا من يكون داخلاً في القدر المتيقّن أو أن يتّخذ ما أجمع على صحّته تمام الأطراف المحتملة، ومن هنا تُخُيِّل أنّ المستند في البقاء على تقليد الميّت يجب أن يكون هو أعلم الأحياء؛ وذلك بتخيّل أنّ الحيّ هو المتيقّن من جواز التقليد؛ إذ يحتمل شرط

148

الحياة في التقليد ولا يحتمل شرط الموت، في حين أنّ الواقع هو أنّه لو كان الميّت أعلم من أعلم الأحياء مثلاً لم يكن هناك متيقّن بينهما؛ لأنّه كما يحتمل تعيّن الحيّ للتقليد لأنّه حيّ، كذلك يحتمل تعيّن الميّت للتقليد ولو بقاءً؛ لأنّه أعلم من الحيّ، فلو اتّفق أعلم الأحياء مع الميّت على شيء في مسألة البقاء صحّ للعامّي الأخذ بذلك الشيء، ولو قطع العامّي بشيء في ذلك بحسب فهمه أو بحسب كلام من أورث الوثوق في نفسه أيضاً صحّ له أن يعمل به، وإلّا فليس رأي الحيّ متيقّن الحجّية.

قد تقول: إنّ المتيقّن موجود في المقام وهو رأي الحيّ؛ لأنّ الأعلمية ليست شرطاً للتقليد في ذاته، وإنّما يُسقط رأي الأعلم رأي غيره بالتعارض، في حين أنّه يحتمل كون الحياة شرطاً للتقليد في ذاته. إذاً فرأي الحيّ حجّة في ذاته، ولم يثبت له معارض؛ لعدم معلوميّة حجّية رأي الميّت إلّا بإفتاء نفس الحيّ بحجّية رأي الميّت ولو بقاءً.

والجواب: أنّه من هو الذي جزم بأنّ الأعلميّة ليست شرطاً للتقليد في ذاته وجزم أو احتمل أنّ الحياة شرط في التقليد وعرف أنّه في هكذا حالة يصبح ما يعلم بحجّيته في ذاته مع احتمال سقوطه بالمعارض مقدّماً على ذاك المعارض المشكوك حجّيته في ذاته؟

فلو كان الذي يعلم كلّ هذا عبارة عن أعلم الأحياء مع الميّت

149

الأعلم منه فقد دخل ذلك فيما فرضناه من اتّفاق الحيّ مع الميّت في وجوب الرجوع في هذه المسألة إلى الحيّ، وقد قلنا إنّه عندئذٍ لا إشكال في رجوع العامّي في هذه المسألة إلى الحيّ.

ولو كان الذي يعلم بكلّ هذا هو نفس المقلَّد دخل ذلك فيما فرضناه من عمل العامّي بما يقتنع به حسب فهمه. ولو كان الذي يعلم بكلّ هذا أحد الشخصين: الميّت وأعلم الأحياء مع مخالفة الشخص الآخر فأنّى للمقلَّد بترجيح رأي الحيّ المفضول بالقياس للميّت على رأي الميّت الأعلم من الحيّ؟! وكيف يصبح ذاك الحيّ قدراً متيقّناً في الحجّية له؟!

هذا، مضافاً إلى أنّ الأمارة الحجّة إنّما تكون حجّيتها ثابتة رغم الشكّ في المعارض بلا حاجة إلى الفحص عن المعارض إذا كان الشكّ في وجود المعارض الحجّة دون ما إذا كان الشكّ في حجّية المعارض الموجود، وفيما نحن فيه لو اختلف الحيّ والميّت في جواز البقاء وعدمه فالشكّ ليس في وجود المعارض الحجّة لفتوى الحيّ، وإنّما الشكّ في حجّية المعارض الموجود، والمعارض للأمارة _ الثابتة الحجّية في نفسها _ تكون حجّيته مشروطة عقلائيّاً بوصوله، ولا تكون مشروطة بوصول نفس تلك الحجّية، فإن أخذ وصول الحكم في موضوع نفسه لو أمكن عقلاً

150

بإرجاعه إلى أخذ وصول الجعل في موضوع المجعول فهو ليس عرفيّاً بنحو يحمل عليه اللفظ لولا دلالة نصّ خاصّ عليه.

وبعد إبطال هذا المبنى _ أعني مبنى كون رأس الخيط في البقاء أو العدول هو رأي الحيّ _ تصل النوبة إلى إعادة البحث مرّة أُخرى فيما هي النتائج التي ينبغي أن تسجّل في الفروع المختلفة للمسألة؛ لأنّ ما مضى من تسجيل النتائج كان مبنيّاً على المبنى الذي أبطلناه، فالآن نحن بحاجة إلى تسجيل النتائج مرّة أُخرى، فنقول:

الفرع الأوّل: ما لو كان الحيّ مفتياً بحرمة البقاء على تقليد الميّت، وقد قلنا هناك: إنّ النتيجة التي تسجّل في المقام هي حرمة البقاء لا محالة؛ لأنّ رأي الميّت في البقاء لا قيمة له، وإنّما القيمة في هذه المسألة لرأي الحيّ حسب المبنى الذي كان مفروضاً هنا.

أمّا هنا فنقول: لو أفتى الحيّ بحرمة البقاء، فإن وافقه الميّت على ذلك أصبحت المسألة مورد اتّفاق للطرفين اللذين لا يخلوان من الحجّة وبنى العامّي على ذلك. هذا لو لم ندّع الدعوى التي مضى ذكرها في ضمن بعض الفروع على المبنى الأوّل، وهي دعوى القطع بعدم حجّية فتوى الميّت بتحريم البقاء. أمّا لو ادّعيت هذه الدعوى فرأي الميّت بحرمة البقاء يكون ساقطاً، ويكون الأمر في الحجّية دائراً

151

بين فتوى الحيّ بحرمة البقاء وفتاوى الميّت في الصلاة والصوم وغيرهما من الفروع، فيضطرّ المكلّف أن يأخذ بأحوط الرأيين في كل مسألة من مسائل الفروع.

وإن خالفه الميّت بالإفتاء بالجواز بالمعنى الأخصّ أخذ العامّي بأحوط الرأيين، وهو حرمة البقاء.

وإن خالفه الميّت بالإفتاء بوجوب البقاء اضطرّ العامّي في الاحتياط في المساحة المشمولة للفتويين المتضاربتين بالأخذ بأحوط الرأيين في كلّ مسألة مسألة في تلك المساحة، لا في أصل البقاء والعدول؛ إذ لا احتياط بين الإيجاب والتحريم.

الفرع الثاني: ما لو أجاز الحيّ البقاء بقيد غير موجود في فتوى الميّت في البقاء، وقد قلنا هناك: إنّ العامّي يأخذ برأي الحيّ في البقاء في مسائل صلاته وصومه ونحوهما.

أمّا هنا فنقول: لو وافق الميّت الحيّ في فتواه في البقاء عمل العامّي بتلك الفتوى؛ لأنّه اتّفقت عليه الأطراف التي لا تخلو من الحجّة.

ولو اختلفا فإن كان أحد الرأيين أحوط أخذ العامّي به، كما لو كان أحدهما يفتي بالجواز بالمعنى الأخصّ والآخر بالوجوب، فيأخذ العامّي بالوجوب، أو كان الحيّ يفتي بالجواز بالمعنى الأخصّ والميّت

152

يفتي بالتحريم، فيعدل إلى الحيّ. هذا إن لم ندّع القطع عندئذٍ.

وإن تضادّ الرأيان بالوجوب والتحريم اضطرّ العامّي أن يأخذ في كلّ مسألة مسألة بأحوط الرأيين، إلّا أن يدّعى القطع بعدم حجّية رأي الميّت في التحريم، فيؤخذ بوجوب البقاء.

الفرع الثالث: ما لو أجاز الحيّ في البقاء من دون قيد منتفٍ في فتوى الميّت في البقاء، وقد مضی منّا تقسيم هذا الفرع إلى فروض ثلاثة:

الفرض الأوّل: أن يكون الميّت مجوّزاً أيضاً للبقاء في نفس الدائرة التي جوّز الحيّ، وقد قلنا هناك: إنّه يثبت للعامّي الجواز في تلك الدائرة، وهنا أيضاً نقول بأنّه يثبت له الجواز في تلك الدائرة إلّا أنّنا نضيف هنا: أنّه لو كان أحدهما يفتي بالجواز بالمعنى الأخصّ والآخر بالوجوب التزم العامّي بالوجوب؛ لأنّه أحوط الرأيين.

الفرض الثاني: أن يكون الميّت مجوّزاً في دائرة أوسع من دائرة تجويز الحيّ، وقد قلنا فيما مضى بجواز اتّباع العامّي للتجويز في الدائرة الأوسع، وهنا أيضاً نسجّل نفس النتيجة، ونضيف إلى ذلك أنّه لو كان أحدهما يقول بالجواز بالمعنى الأخصّ والآخر يقول بالوجوب التزم العامّي بالوجوب، لأنّه أحوط الرأيين.

153

الفرض الثالث: أن يكون الميّت محرَّماً للبقاء في تمام مساحة تجويز الحيّ أو في جزء منها، وهناك قلنا بأنّه لو كان تحريم الميّت للبقاء مشروطاً بشرط لم يوجد في نفس هذه الفتوى أصبحت هذه الفتوى حجّة ببركة فتوى الحيّ، وأوجبت حرمة البقاء في موارد وجدان ذاك الشرط، ولو لم يكن مشروطاً بشرط من هذا القبيل فهذه الفتوى لا يمكن أن تكون حجّة، ويجوز البقاء في الدائرة التي جوّزه الحيّ فيها.

وهنا نقول في الشقّ الأوّل _ وهو ما لو كان تحريم الميّت مشروطاً بشرط لم يوجد في نفس هذه الفتوى_: إنّه يأخذ المقلَّد بأحوط الرأيين، وهو التحريم لو كان تجويز الحيّ تجويزاً بمعنى الإباحة بالمعنى الأعمّ، أمّا لو كان الحيّ يوجب البقاء والميّت يحرّمه فيضطرّ إلى الأخذ بأحوط الرأيين في كلّ مسألة. وفي الشقّ الثاني _ وهو ما لو لم يكن تحريم الميّت مشروطاً بشرط لم يوجد في نفس هذه الفتوى _: إنّ فتوى الحيّ بالجواز لا مزاحم له، لا من ناحية فتوى الميّت بالتحريم؛ لأنّه لا يمكن أن يكون حجّة، ولا من ناحية فتاوى الميّت في سائر الفروع؛ لأنّه لا تضادّ بين حجّيتها وحجّية فتوى الحيّ بالجواز. إذاً ففتوى الحيّ بالجواز سارية المفعول.

154

وفي ختام البحث لا بأس بالتعرّض لفرع وهو: أنّه لو قلّد فقيهاً فمات فقلّد من يجوّز أو يوجب العدول فعدل إليه ثم مات الفقيه الثاني فقلّد فقيهاً ثالثاً يوجب البقاء وبنينا على المبنى المعروف القائل بأنّ مسألة البقاء تؤخذ من الحيّ، فهل الأخذ من الحيّ هنا يعني البقاء على تقليد الثاني أو يعني الرجوع إلى تقليد الأوّل؟ طبعاً لابدّ له في نفس مسألة البقاء على الثاني أو الرجوع إلى الأوّل من تقليد الثالث، ولكن الكلام يقع فيما ينبغي أن يقوله الثالث، هل ينبغي أن يرجعه إلى الأوّل أو ينبغي أن يبقيه على الثاني؟ هذا يختلف باختلاف المباني في البقاء، فمثلاً:

قد يقول قائل: إنّ رجوعه إلى الأوّل يعتبر تقليداً جديداً؛ لأنّ التقليد هو الالتزام، وهذا التزام جديد، وهذا معناه تقليد الميّت ابتداءً وهو لا يجوز، فالنتيجة هي وجوب البقاء على تقليد الثاني.

وقد يقول قائل: إنّ التقليد هو التعلّم، فما كان من المسائل قد تعلّمها من الأوّل ولم ينسها يرجع فيها إلى الأوّل، وبهذا أفتى السيّد الخوئي(رحمه الله) في منهاج الصالحين.

ونحن نقول: يجب تقليد أعلم الثلاثة ولو سمّي تقليداً ابتدائيّاً.


(1) منهاج الصالحین، ج1، ص7، المسألة 16.

155

مسألة 16: عمل الجاهل المقصّر الملتفت باطل(1) وإن كان مطابقاً للواقع، وأمّا الجاهل القاصر أو المقصّر الذي كان غافلاً حين العمل وحصل منه قصد القربة فإن كان مطابقاً لفتوى المجتهد الذي قلّده بعد ذلك كان صحيحاً(2) والأحوط مع ذلك مطابقته لفتوى المجتهد الذي كان يجب عليه تقليده حين العمل.


(1) يعني البطلان في العبادات على أثر عدم تمشّي قصد القربة، ولكن الواقع أنّ التقصير والالتفات لا يمنعانه عن قصد التقرّب بعنوان الرجاء، وفقدان الجزم أو قصد الوجه لا يبطل العمل، إذاً فلو طابق العمل الواقع كان صحيحاً.

(2) المقياس في الحكم بالصحّة هو مطابقته لفتوى من يقلّده في الوقت الحاضر؛ لأنّ المقصود من الحكم بالصحّة عدم الحاجة إلى الإعادة والقضاء أو عدم إبطال الآثار في الوقت الحاضر، والمقياس في كلّ هذا فقيهه الحاضر دون من كان المفروض أن يكون فقيهه الماضي في وقت العمل.

نعم، لو كان مستنداً بالفعل في وقت العمل إلى رأي الفقيه الماضي لقلنا بالإجزاء بنصّ خاصّ بالتفصيل الماضي، ولكن بما أنّه لم يستند إليه فالنصّ الخاصّ وهو حديث الفزع والاستراحة لم يشمله، كما هو واضح.

156

مسألة 17: المراد من الأعلم من يكون أعرف بالقواعد والمدارك للمسألة وأكثر اطّلاعاً لنظائرها وللأخبار وأجود فهماً للأخبار والحاصل أن يكون أجود استنباطاً والمرجع في تعيينه أهل الخبرة والاستنباط(1).


المقصود بالأعلم

(1) المقصود بالأعلم من تكون نكتة الحجّية في فتاواه وهي الخبرويّة أرجح منها في فتاوى غيره، سواء فرض أنّ تعيين الأعلم كان ممّا نستنبطه بوجه من الوجوه من نفس دليل الحجّية أو فرض أنّه ثبت بنصّ خاصّ، وسواء فرض أنّ أصل دليل الحجّية عبارة عن البناء العقلائي على الرجوع إلى أهل الخبرة أو عبارة عن نصّ خاصّ.

فإن كان الدليل على أصل حجّية فتوى الفقيه عبارة عن بناء العقلاء وكان ترجيح الأعلم أيضاً ببناء العقلاء فمن الواضح أنّ الترجيح العقلائي يكون بنفس ترجيح النكتة العقلائية للحجّية وهي الخبرويّة.

157

وإن كان الدليل على حجّية فتوى الفقيه عبارة عن بناء العقلاء وكان دليل ترجيح رأي الأعلم عبارة عن نصّ خاصّ فمن الواضح أنّ النصّ الخاصّ ينصرف إلى الترجيح برجحان نفس النكتة العقلائية، وإن كان الدليل على حجّية فتوى الفقيه عبارة عن نصّ خاصّ فلا إشكال في أنّ هذا النصّ منصرف إلى نفس النكتة العقلائية للحجّية، فعندئذٍ إن كان ترجيح الأعلم مستقى من بناء عقلائيّ فمن الواضح أنّ البناء يكون على الترجيح بنفس نكتة الحجّية، وإن كان مستقى من نصّ خاصّ فمن الواضح أيضاً انصرافه إلى الترجيح بنفس نكتة الحجّية العقلائية.

وعليه فكلّ ما كان دخيلاً في الخبرويّة يكون رجحانه دخيلاً في الأعلمية، سواء كان ذلك عبارة عن القوّة في فهم الكبريات والقواعد الأُصولية أو الفقهية أو قدرة استحضارها لدى التطبيق أو الإحاطة بالصغريات أو قوّة التطبيق وما إلى ذلك من الأُمور.

أمّا كون المرجع في تعيين الأعلمية هو أهل الخبرة فهذا أيضاً واضح، فإنّ تشخيص ذلك من الأُمور التخصّصية، وليس بيد كلّ أحد، والذي يعتبر متخصّصاً في فهم ذلك يكون الرجوع إليه داخلاً في كبرى الرجوع إلى أهل الخبرة.

158

مسألة 18: الأحوط عدم تقليد المفضول حتّى في المسألة التي توافق فتواه فتوى الأفضل(1).

مسألة 19: لا يجوز تقليد غير المجتهد وإن كان من أهل العلم كما أنّه يجب على غير المجتهد التقليد وإن كان من أهل العلم(2).


(1) ليست الأعلمية من شروط التقليد في ذاته، فإنّ مقياس رجوع الشخص في أيّ فنّ من الفنون هو خبرويّة من يرجع إليه، والمفروض بالمفضول أن يكون خبرة وإلّا لما كان رأيه حجّة حتّى مع عدم وجود الأفضل منه، وإنّما شرط الأعلمية نتج من أنّ المفضول إذا تعارض رأيه مع رأي الفاضل سقط رأيه عن الحجّية بالمعارض الأقوى، فلو فقد التعارض وتماثل الرأيان كان كلاهما حجّة لا محالة وجاز للعامّي الاستناد إلى هذا كما جاز له الاستناد إلى ذاك.

(2) مقصوده هو وجوب التقليد في مقابل عمله برأي نفسه، لا في مقابل الاحتياط.

159

مسألة 20: يعرف اجتهاد المجتهد بالعلم الوجداني(1) كما إذا كان المقلّد من أهل الخبرة وعلم باجتهاد شخص وكذا يعرف بشهادة عدلين من أهل الخبرة(2)،


(1) وكذلك الاطمئنان الملحق عقلائيّاً بالعلم.

حجّية البيّنة في الموضوعات بما فيها الاجتهاد

(2) وقع الكلام في حجّية شهادة العدلين في الموضوعات _ في غير باب القضاء _ بناءً على عدم حجّية خبر الواحد فيها.

وهناك أُمور يمكن أن يستشهد بها على حجّية شهادة العدلين في الموضوعات:

منها: الإجماع. وقد ناقش السيّد الخوئي(رحمه الله) في الاستدلال به بما تعارف ذكره عادة في مناقشة الإجماعات من أنّه لو ثبت فهو محتمل المدركيّة.

إلّا أنّ أُستاذنا الشهيد(رحمه الله) رأى أنّ قوّة الإجماع والوضوح الفقهي وصلت في المقام بلحاظ حساب الاحتمالات إلى حدّ لا مجال للنقاش فيه، فذكر أنّ هذا الإجماع لو فرض استناده إلى رواية مسعدة بن صدقة أوجب بنفسه الوثوق برواية مسعدة بن صدقة، ولو فرض استناده إلى


. التنقيح، ج1، ص208.

160

روايات القضاء بالبيّنات أوجب بنفسه الوثوق باستظهار القاعدة الكليّة من تلك الروايات وعدم اختصاص حجّية البيّنة بباب القضاء، ولو فرض عدم استناده إلى شيء فهو إجماع تعبّدي كاشف بحساب الاحتمالات عن رأي المعصوم.

ومنها: رواية عبدالله بن سليمان عن أبي عبدالله(علیه السلام) في الجبن قال: «كلّ شيء لك حلال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه ميتة» ، بناءً على إلغاء خصوصية المورد بالفهم العرفي خصوصاً بالنظر إلى وجود الجذر العقلائي لحجّية البيّنة. وسند الحديث ما يلي: الكليني(رحمه الله) عن أحمد بن محمد الكوفي عن محمد بن أحمد النهدي عن محمد بن الوليد عن أبان بن عبدالرحمن عن عبدالله بن سليمان عن أبي عبدالله(علیه السلام). وأحمد بن محمد الكوفي الذي يروي عنه الكليني لم نر دليلاً على وثاقته، كما لم نر أيضاً توثيقاً لأبان بن عبدالرحمن. أمّا عبدالله بن سليمان فهو مشترك، وقد يقال بانصرافه إلى الصيرفي؛ لأنّه صاحب كتاب، وبانصراف من روى عنه ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى أيضاً إلى الصيرفي؛ لنفس النكتة، فإن صحّ ذلك ثبتت وثاقته. وعلى أيّ حال فيكفي في سقوط سند


(1) بحوث في شرح العروة الوثقى، ج2، ص83.

(2) وسائل الشيعة، ج25، ص118، الباب61 من أبواب الأطعمة المباحة، ح2.