53

الوطن الشرعي ومقياس تعدد الوطن

54

 

55

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

هل يشترط في التمام في غير الوطن الغالب على الإنسان أن يكون مستوطناً في المكان الثاني أيضاً (أو قل: غير مسافر)، أو يكفيه في التمام أن يكون مالكاً لمنزل أو شجرة أو ضيعة ونحو ذلك؟

الروايات منقسمة إلى قسمين:

القسم الأوّل: ما يشترط الاستيطان وفيه الصحاح من قبيل:

1_ صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن الأوّل(علیه السلام)أنّه قال: «كلّ منزل من منازلك لا تستوطنه فعليك فيه التقصير»(1).

2_ صحيحته الأُخرى قال: «قلت لأبي الحسن الأوّل(علیه السلام): الرجل يتّخذ المنزل فيمرّ به، أيتمّ أم يقصر؟ قال: كلّ منزل لا تستوطنه فليس لك بمنزل، وليس لك أن تتمّ فيه»(2).

 

 


(1) وسائل الشيعة، ج8، ص492، الباب14 من أبواب صلاة المسافر، ح1.

(2) المصدر السابق، ص493، ح6.

56

ويحتمل كونها نفس الصحيحة الأُولى.

3_ صحيحته الثالثة قال: «سألت أبا الحسن الأوّل(علیه السلام)عن رجل يمرّ ببعض الأمصار وله بالمصر دار، وليس المصر وطنه، أيتمّ صلاته أم يقصّر؟ قال: يقصر الصلاة. والضياعُ مثل ذلك إذا مرّ بها»(1).

ويحتمل كونها نفس إحدى الصحيحتين السابقتين.

4_ صحيحة حمّاد بن عثمان أو الحلبي عن أبي عبدالله(علیه السلام)«في الرجل يسافر فيمرّ بالمنزل له في الطريق، يتمّ الصلاة أم يقصر؟ قال: يقصر، إنّما هو المنزل الذي توطّنه»(2).

5_ صحيحة رابعة لعليّ بن يقطين رواها سعد بن أبي خلف قال: «سأل أبا الحسن الأوّل(علیه السلام)عن الدار تكون للرجل بمصر أو الضيعة فيمرّ بها؟ قال: إن كان ممّا قد سكنه أتمّ فيه الصلاة، وإن كان ممّا لم يسكنه فليقصر»(3).

ويحتمل اتّحادها مع إحدى صحاحه الأُوَل.

6_ صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبي الحسن(علیه السلام)قال: «سألته عن الرجل يقصر في ضيعته؟ فقال: لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيّام، إلّا أن يكون له فيها منزل يستوطنه، فقلت: ما الاستيطان؟ فقال: أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستّة أشهر، فإذا كان كذلك يتمّ فيها متى دخلها...»(4).

والقسم الثاني: ما يصرّح بكفاية وجود بيت أو ضيعة أو نخلة ونحو ذلك للإنسان في كون صلاته تامّة هناك، وفيه أيضاً الصحاح من قبيل:

 


(1) وسائل الشيعة، ج8، ص493، الباب14 من أبواب صلاة المسافر، ح7.

(2) المصدر السابق، ح8.

(3) المصدر السابق، ح9.

(4) المصدر السابق، ص494، ح11.

57

1_ صحيحة أو موثّقة إسماعيل بن الفضل قال: «سألت أبا عبدالله(علیه السلام)عن الرجل يسافر من أرض إلى أرض، وإنّما ينزل قراه وضيعته؟ قال: إذا نزلت قراك وأرضك فأتمّ الصلاة، وإذا كنت في غير أرضك فقصّر»(1).

2_ موثّقة عمّار بن موسى عن أبي عبدالله(علیه السلام): «في الرجل يخرج في سفر فيمرّ بقرية له أو دار، فينزل فيها؟ قال: يتمّ الصلاة ولو لم يكن له إلّا نخلة واحدة ولا يقصّر، وليصم إذا حضره الصوم وهو فيها»(2).

3_ صحيحة عمران بن محمد قال: «قلت لأبي جعفر الثاني(علیه السلام): جعلت فداك، إنّ لي ضيعة على خمسة عشر ميلاً خمسة فراسخ، فربّما خرجت إليها فأُقيم فيها ثلاثة أيّام أو خمسة أيّام أو سبعة أيّام، فأُتمّ الصلاة أم أُقصّر؟ فقال: قصّر في الطريق، وأتمّ في الضيعة»(3).

4_ رواية موسى بن الخزرج _ وهو رجل مجهول _ قال: «قلت لأبي الحسن(علیه السلام): أخرج إلى ضيعتي، ومن منزلي إليها اثنا عشر فرسخاً، أُتمّ الصلاة أم أُقصّر؟ فقال: أتمّ»(4).

5_ رواية سهل بن اليسع _ وفي السند ابنه محمد بن سهل الذي يقال: إنّه مجهول _ قال: «سألت أبا الحسن(علیه السلام)عن رجل يسير إلى ضيعته على بريدين أو ثلاثة، وممرّه على ضياع بني عمّه، أيقصُر ويُفطر أم يُتمّ ويصوم؟ قال: «لا يقصُر ولا يفطر»(5).

 


(1) المصدر السابق، ص492، ح2. وإنّما قلنا: «صحيحة أو موثّقة» لوجود أبان بن عثمان في السند.

(2) المصدر السابق، ص493، ح5.

(3) المصدر السابق، ص496، ح14.

(4) المصدر السابق، ح15.

(5) المصدر السابق، ح16.

58

6_ رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر _ وفي السند سهل بن زياد _ قال: «سألت الرضا(علیه السلام)عن الرجل يخرج إلى ضيعته، ويقيم اليوم واليومين والثلاثة، أيقصر أم يُتمّ؟ قال: يتمّ الصلاة كلّما أتى ضيعةً من ضياعه»(1).

ويحتمل كونها نفس صحيحته الآتية الآن.

7_ صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: «سألت الرضا(علیه السلام)عن الرجل يخرج إلى الضيعة، فيقيم اليوم واليومين والثلاثة، يتمّ أم يقصُر؟ قال: يتمّ فيها»(2).

والتعامل مع هاتين الطائفتين يكون بأحد وجوه:

الوجه الأوّل: أنّ تقيّد الطائفة الثانية بفرض كون محلّ الضيعة أو النخلة أو القرية أو الدار وطناً له.

وقد أورد السيد الخوئي(رحمه الله) على ذلك أنّ هذه الطائفة أو بعضها _ في الأقلّ _ آبية من التقييد؛ لظهورها في أنّ المقياس نفس عنوان امتلاكه لشيء من منزل أو ضيعة أو نخلة، وليست المسألة مجرّد مسألة الإطلاق حتى تقيّد(3).

الوجه الثاني: ما أفاده السيد الخوئي(رحمه الله): «فلابدّ من حملها على التقيّة؛ لموافقتها مع العامّة كما قيل»(4).

أقول: إنّني بقدر فحصي الناقص في كتب العامّة لم أر لهم رأياً من هذا القبيل، نعم لا إشكال على العموم في تسامحهم في مسألة التقصير حتى أنّهم رووا روايات في أصل أنّ التقصير في السفر بلاخوف ليس إلا مجرّد ترخيص، وليس عزيمة(5).

 


(1) وسائل الشيعة، ج8، ص497، الباب14 من أبواب صلاة المسافر ، ح17.

(2) المصدر السابق، ح18.

(3) راجع موسوعة الإمام الخوئي، ج20، ص239.

(4) المصدر السابق.

(5) راجع السنن الكبرى(للبيهقي)، ج 3، ص 202 _ 207.

59

الوجه الثالث: ما أفاده أيضاً السيد الخوئي(رحمه الله): من إسقاط هذه الطائفة عن الاعتبار؛ لمخالفتها لإطلاق السنّة المتواترة القطعية الواردة في التقصير في السفر.

الوجه الرابع: ما أفاده أيضاً السيد الخوئي(رحمه الله): من فرض سقوطها بالمعارضة مع الطائفة الأُولى والرجوع إلى مطلقات التقصير(1).

ولنا بحث مبنائيّ في الأُصول في أصل فكرة تساقط المتعارضين والرجوع إلى المطلق الفوقاني من إبداء احتمال جعل التعارض ثلاثي الأطراف.

فالعمدة من هذه الوجوه هي الوجه الثاني والثالث.

يبقى الكلام في الوطن الشرعي، ويقصد السيد الخوئي(رحمه الله) بذلك الوطن الاعتباري الفرضي البحت من قبل الشريعة ولو لم يعتبر العرف ذلك وطناً له أصلاً.

وقد حمل على ذلك صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع الماضية: «سألته عن الرجل يقصّر في ضيعته؟ فقال: لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيّام، إلّا أن يكون له فيها منزل يستوطنه، فقلت: ما الاستيطان؟ فقال: أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستّة أشهر، فإذا كان كذلك يتمّ فيها متى دخلها»(2).

أقول: إنّ حمل الاستيطان على معنىً فرضيٍّ واعتباريّ بحت خلاف الظاهر جدّاً، وبحاجة إلى قرينة قويّة، وفرقٌ بين حمل الكلمة على فرد اعتباري فرضيّ بحت وبين حملها على تدخّل شرعي في المصاديق العرفية كمصداق الملك حيث أبطلت الشريعة ملكية الخمر أو الخنزير مثلاً، أو التدخّل في التحديد ببعض الحدود المشكّكة كتحديد كثير الشكّ بالشكّ في كلّ ثلاث مرّات ونحو ذلك.

فالظاهر أنّ التدخّل في المقام من هذا القبيل، فلا إشكال في أنّ الاستيطان بحاجة عرفاً إلى مقدار من السكن، وهو مقدار مشكّك، فتدخّلت الشريعة بجعل مقداره ستّة أشهر.

 


(1) راجع موسوعة الإمام الخوئي، ج20، ص239.

(2) المصدر السابق، ج20، ص242.

60

ويشهد لذلك _ كما عن بعض الأعاظم كالمحقّق الهمداني(رحمه الله)(1) _ التعبيرُ بصيغة المضارع في المفسَّر والمفسِّر الظاهرة في معنى الدوام حيث قال:... إلّا أن يكون له فيها منزل يستوطنه...، وفسّر الاستيطان بأن يكون له منزل يقيم فيه ستّة أشهر...، وهذا يعني: أنّ الاستيطان أو المقام ستّة أشهر يكون دائميّاً وفي كل سنة.

ومن الطريف ما أجاب به السيد الخوئي(رحمه الله) عمّا ذكرناه من مسألة التعبير بصيغة المضارع: من أنّ الوجه في التعبير بصيغة المضارع أنّه كان المفروض بالرجل عدم الاستيطان أو المقام ستّة أشهر حتى الآن، فعبّر بصيغة المضارع، أي: ما دام أنّه لم يفعل ذلك في الماضي فعليه أن يفعل ذلك في المستقبل حتّى يصبح البلد وطناً له، فهذا نظير ما لو فرضنا أنّه قال: «امرأة في دارنا لها زوج ولها ابنة صغيرة، وإنّني مبتلى بالنظر إلى شيء من بدنها أو لمسه بغير شهوة؟ قال: ليس لك ذلك، إلّا أن تعقد على ابنتها، قلت: وما العقد على ابنتها؟ قال: تتزوّجها ولو ساعة، فإذا كان كذلك جاز لك النظر واللمس بغير شهوة متى شئت»، أفهل يدلّ هذا على شرط دوام العقد أو التزويج والتوالي فيهما؛ لأنّه عبّر عنهما بصيغة المضارع؟!(2).

أقول: الفرق بين المقام وبين هذا المثال واضح، وهو: أنّه فُرض في هذا المثال رجلٌ لم يعقد ولم يتزوّج بنتها من قبل، فكان هذا هو مناسبة التعبير بصيغة المضارع، أمّا في موردنا فصحيحة ابن بزيع ذكرت رجلاً فرضيّاً يملك ضيعة ولم يفترض عدم استيطانه أو إقامته سابقاً في وقت ما، فلا نكتة في التعبير بالمضارع إلّا إرادة الإشعار بالدوام.

ومن الطريف أيضاً مناقشته في أصل دلالة صيغة المضارع على الدوام والتلبّس وإن اشتهرت على الألسن، وربّ شهرة لا أصل لها، وهل يحتمل التجدّد في المثال

 


(1) مصباح الفقيه، ج2، ص738.

(2) راجع موسوعة الإمام الخوئي، ج20، ص247.

61

المزبور _ يقصد مثال امرأة في دارنا... _ أو هل يفهم من مثل قوله تعالى: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ﴾(1)ضرورةُ تجدّد نكاح زوج غيره على الدوام؟!

أقول: الفرق بين هذه الموارد والمقام ما قلناه: من أنّ نكتة التعبير بالمضارع في المثال الذي ذكره السيد الخوئي(رحمه الله) وكذلك في الآية الشريفة أنّ الكلام كان في رجل كان المفروض عدم صدور ما طلبته الشريعة منه، بخلاف صحيحة ابن بزيع التي لم يكن فيها فرض من هذا القبيل.

ثم قال السيد الخوئي(رحمه الله): «ويؤكّد ما ذكرناه، بل يعيّنه التعبير بصيغة الماضي في صحيحة سعد بن أبي خلف قال: «سأل علي بن يقطين أبا الحسن الأوّل(علیه السلام)عن الدار تكون للرجل بمصر والضيعة فيمرّ بها؟ قال: إن كان ممّا قد سكنه أتمّ فيه الصلاة، وإن كان ممّا لم يسكنه فليقصّر»، حيث علّق(علیه السلام)الحكم بالتمام على ما إذا سكنه سابقاً وإن أعرض عنه، غايته أنّها مطلقة من حيث تحديد السكونة بستّة أشهر وأن تكون في منزله المملوك، فيقيّد بكلا الأمرين بمقتضى صحيحة ابن بزيع»(2).

أقول: إنّ تفسير صحيحة سعد بن أبي خلف _ أو قل: صحيحة علي بن يقطين التي رواها سعد بن أبي خلف _ بباقي صحاح علي بن يقطين وخاصّة مع احتمال اتّحادها معها أو مع بعضها أولى من تفسيرها بصحيحة ابن بزيع، فليس المقصود بها إلّا شرط الاستيطان لا بيان الوطن الشرعي، بل قد عرفت أنّنا لا نفهم من صحيحة ابن بزيع أيضاً إلّا ذلك.

نعم، يبقى الكلام في شيء واحد، وهو: أنّ الظاهر بالمناسبات العرفية أنّ المقصود بستّة أشهر الواردة في صحيحة ابن بزيع هو تحديد الأمر المشكّك في تعدّد الوطن،

 


(1) البقرة: 230.

(2) موسوعة الإمام الخوئي، ج20، ص248.

62

وهو مقدار السكن في كلّ واحد منهما بالتساوي العرفي في مقدار السكن في كلّ واحد منهما، فلو كانت له ثلاثة أوطان مثلاً كان الشرط هو أن يسكن في كلّ واحد منها ثلاثة أشهر.

وإن تردّدنا في كل ما ذكرناه فلا أقلّ من إيجاب الاحتياط بالجمع بين القصر والتمام في البلد الذي يكون سكنه فيه أقلّ من باقي البلاد.

63

صلاة الجمعة في عصر الغيبة

64

 

65

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين.

إنّ وجوب صلاة الجمعة عند عدم وجود الحاكم العادل قد يعني: وجوب إقامتها، وقد يعني: وجوب الالتحاق بها لو أُقيمت، وكلّ واحد من المعنيين قد يُستفاد من بعض الروايات.

فقد يدل على كلا الوجوبين ما عن عمر بن يزيد بسند تام عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلّوا في جماعة، وليلبس البرد والعمامة ويتوكّأ على قوس أو عصا، وليقعد قعدة بين الخطبتين...»(1).

وما عن زرارة بن أعين بسند تام عن الباقر (علیه السلام): «إنّما فرض الله(وجل عز) على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمساً وثلاثين صلاة منها صلاة واحدة فرضها الله(وجل عز) في جماعة، وهي الجمعة، ووضعها عن تسعة: عن الصغير، والكبير، والمجنون، والمسافر،

 


(1) وسائل الشيعة، ج7، ص313، الباب6 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح5.

66

والعبد، والمرأة، والمريض، والأعمى، ومن كان على رأس فرسخين»(1).

وقد يدل على الوجوب الثاني ما عن أبي بصير ومحمد بن مسلم بسند تام عن أبي عبدالله(علیه السلام): «إنّ الله(وجل عز) فرض في كلّ سبعة أيّام خمساً وثلاثين صلاة منها صلاة واجبة على كلّ مسلم أن يشهدها إلّا خمسة: المريض، والمملوك، والمسافر، والمرأة، والصبي»(2).

وفي رأيي أنّ عمدة ما يقيّد إطلاق ما يدل على الحكم الثاني ويوجب حمل ما يدل على الحكم الأوّل على الاستحباب ارتكاز أو احتمال ارتكاز كون الوجوب الأوّل خاصّاً بالحاكم العادل وكون الوجوب الثاني خاصّاً بما إذا تصدّى الحاكم العادل بنفسه أو بتعيين نائب عنه، وأقصد بذلك الارتكاز في زمن صدور النصّ، فإنّ احتمال ذلك يعني احتمال القرينة المتصلة، وهو يبطل الظهور والإطلاق، وإذا كانت القرينة المتصلة المحتملة عبارة عن الارتكاز لم يمكن دفعها بترك ذكر الراوي لها.

وتؤيّد هذا الاحتمال روايات من قبيل:

1_ رواية زرارة بسند تام عن الباقر(علیه السلام): «صلاة الجمعة فريضة والاجتماع إليها فريضة مع الإمام...»(3)، حيث إنّ المظنون أنّ المقصود بالإمام في هذا الحديث هو الحاكم العدل لا إمام الجماعة؛ إذ لو كان المقصود هو إمام الجماعة لم يكن القيد احترازيّاً؛ إذ من الواضح أنّ الاجتماع إليها لا يمكن أن يكون إلّا مع إمام الجماعة، وبناءً على الجزم بظهور الإمام في هذا النص في الحاكم العدل يصبح هذا الحديث بنفسه دليلاً على عدم وجوب صلاة الجمعة إلّا مع الحاكم العدل، ويكفينا عن

 


(1) وسائل الشيعة، ج7، ص295، الباب الأول من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح1.

(2) المصدر السابق، ص299، ح14.

(3) المصدر السابق، ص297، ح8 و12.

67

الاستدلال بالارتكاز أو احتمال الارتكاز.

2_ ما عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر(علیه السلام)قال: «تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين (المؤمنين) ولا تجب على أقلّ منهم: الإمام، وقاضيه، والمدّعي حقّاً، والمدّعى عليه، والشاهدان، والذي يضرب الحدود بين يدي الإمام»(1)، وهنا من الواضح أنّ المقصود بالإمام هو الحاكم العدل لا إمام الجماعة، ونحن وإن كنّا لا نقول بمفهوم اللقب لكن قد يقال: إنّ ذكر الإمام هنا في مقام التحديد، وأمّا ذكر القاضي والمدّعي...، فكأنّ المقصود منه أنّ الحاكم العدل أقلّ ما يتصوّر معه هو أن يكون له قاض، وضارب الحدود، والمتخاصمان، والشاهدان، وهذا عدد كاف لوجوب الجمعة.

إلّا أنّه يكفي في التحفّظ على كون ذكر الإمام هنا في مقام التحديد والتقييد كونه مقيّداً لخصوص الوجوب الأوّل، فالوجوب الأوّل ثابت على الإمام لا على كلّ الناس، فهو الذي يجب عليه أن يصلّي بالناس الجمعة أو يهيّئ نائباً عنه في ذلك، وليس هذا الوجوب ثابتاً على الآخرين، إذاً فلا شاهد في هذا الحديث على تقييد الوجوب الثاني، فلو وجد من يقيم الجمعة فمقتضى إطلاق دليل الوجوب الثاني وجوب الالتحاق به ولو لم يكن إماماً ولا نائباً عنه في ذلك.

3_ ما عن زرارة بسند تام قال: «حدثّنا أبو عبدالله(علیه السلام)على صلاة الجمعة حتّى ظننت أنّه يريد أن نأتيه، فقلت: نغدو عليك؟ فقال: لا، إنّما عنيت عندكم»(2)، حيث إنّ هذا الحديث ظاهر في تعوّد زرارة على الترك.

وأوضح منه في هذا المعنى ما عن عبدالملك أخي زرارة _ والسند إلى ما قبل عبدالملك تام _ عن أبي جعفر(علیه السلام)قال: «قال: مثلك يهلك ولم يصلّ فريضة فرضها الله. قال:

 


(1) المصدر السابق، ص305، الباب5 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح9.

(2) المصدر السابق، ص309، ح1.

68

قلت: كيف أصنع؟ قال: صلّوا جماعة يعني صلاة الجمعة»(1) فهذا واضح في تعوّد عبدالملك على الترك.

إلّا أنّه من المحتمل كون الترك في ذاك الزمان كان لعدم إقامة الجمعة ممن يصح الاقتداء به، فهاتان الروايتان إنّما تشهدان على تقييد الوجوب الأوّل فحسب.

4_ ما عن هشام بسند تام عن أبي عبدالله(علیه السلام)قال: «إنّي لأُحبّ للرجل أن لا يخرج من الدنيا حتّى يمتّع ولو مرّة، وأن يصلّي الجمعة في جماعة»(2)، لظهور كلمة «أُحبّ» والإقران بين الجمعة والمتعة في الاستحباب.

إلّا أنّ هذا أيضاً لا ينفي وجوب الالتحاق على تقدير إقامتها من قِبَل من يصحّ الاقتداء به، فهذا لا يشهد لأكثر من تقييد الوجوب الأوّل.

وعلى أيّ حال فثبوت ارتكاز أنّ إقامة صلاة الجمعة هي شأن الحاكم غير بعيد في ذاك الزمان الذي كان المتعارف عند الناس هو ذلك، وإن كانوا قد أخطأوا في تشخيص الحاكم الصحيح الذي من حقّه شرعاً أن يحكم، والقدر المتيقّن من هذا الارتكاز هو ارتكاز كون وجوب الإقامة خاصّاً بالحاكم، لكن من المحتمل على أيّ حال توسعة الارتكاز لوجوب الالتحاق بأن يفترض أيضاً ارتكاز اختصاص وجوب الالتحاق بما لو أقامها الحاكم بنفسه أو بتعيين نائب لذلك عنه، واحتمال ذلك كاف في تقييد كلا الوجوبين.

أمّا التفصيل بين الوجوبين بأن نعترف بأنّ وجوب الإقامة خاص بالحاكم العدل ونقول في نفس الوقت بأنّه لو أقامها غير الحاكم ممن يصحّ الاقتداء به وجب الحضور، فيمكن تخريجه بأحد وجوه:

 


(1) وسائل الشيعة، ج7، ص310، الباب5 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح2.

(2) المصدر السابق، ج21، ص14، الباب2 من أبواب المتعة، ح7.

69

1_ أن يُدّعى أنّ المقيّد للإطلاقات هو الإجماع دون الارتكاز، وأنّ القدر الثابت من الإجماع إنّما هو الإجماع على تقيّد الوجوب الأوّل.

ولكن قد عرفت أنّ الارتكاز مقيّد في المقام.

2_ أن يُجعل المقيّد هو الارتكاز ويقتصر في الارتكاز على ما كان ثابتاً عملاً وقتئذٍ من كون إقامة الجمعة شأن الحكّام، أمّا أنّه لو أقامها غير الحاكم أو نائبه فهل على الناس الحضور عند الاطّلاع أو لا؟ فهذا ما لم يتّفق عملاً وقتئذٍ، فيدّعى الجزم بعدم ارتكاز لعدم الوجوب وقتئذٍ للحضور، فنتمسّك بالإطلاقات الناظرة إلى خصوص الوجوب الثاني.

ولكن لا جزم لنا بعدم التوسعة في الارتكاز على أنّه لا يبعد مقيّدية رواية زرارة الماضية، وهي تقيّد كلا الوجوبين.

3_ أن يجعل المقيّد هو الأخبار الماضية التي ذكرناها كتأييد لوجود ارتكاز من هذا القبيل مع إنكار مقيّدية الخبر الأوّل منها بدعوى عدم ظهور لكلمة الإمام فيه في الحاكم، فمن المحتمل كون المقصود به إمام الجماعة، وقد عرفت أنّ باقي الأخبار لو قيّدت فإنّما تقيّد الوجوب الأوّل، وحينئذٍ لو كان كلا الوجوبين ثابتين بإطلاق واحد لَانخرم إطلاق الوجوب الثاني أيضاً بوحدة السياق، لكن عرفت أنّ بعض الإطلاقات خاص بالوجوب الثاني، فيبقى على حاله.

4_ أن يقال: إنّ المقيّد هو احتمال الارتكاز الثابت في كلّ الروايات المطلقة، ولكن الآية الشريفة سليمة عن هذا الاحتمال؛ إذ لم يكن ارتكاز في أوّل تشريع صلاة الجمعة، والآية لا تدل إلّا على الوجوب الثاني، وهو السعي إذا نودي للصلاة في يوم الجمعة.

إلّا أنّنا لو آمنّا بمقيّدية الرواية الأُولى من الروايات التي جعلناها مؤيّدة لفرضيّة الارتكاز _ وهي رواية زرارة الماضية _ فهي تقيّد الآية أيضاً.

70

على أنّه لا يبعد انصراف الآية إلى نداء الحاكم باعتبار أنّ النداء والإعلان هو عادة شأن الحاكم، أمّا غيره فقد يخبر بعض أصدقائه عن إقامته لصلاة الجمعة، لكن هذا لا يسمّى نداءً.

وقد اتّضحت بكلّ ما ذكرناه قوّة تقييد كلا الوجوبين.

ثم الظاهر أنّ الارتكاز موضوعه مطلق الحاكم العدل لا خصوص الإمام المعصوم، وكذلك الظاهر أنّ المفهوم من كلمة الإمام في هذه الروايات حينما لا يكون مستعملاً في إمام الجماعة هو الحاكم الذي يحكم فعلاً عن حقّ، لا خصوص الإمام المعصوم الذي استقرّ أخيراً اصطلاح الشيعة على استعمال كلمة الإمام فيه.

71

تقدّم الزكاة على الخمس أو بالعكس

72

 

73

بسم الله الرحمن الرحيم

قد يتّفق في السكك الذهبيّة كالسكّة الإيرانية أو العثمانية أو غيرهما أنّها تصبح موضوعاً للزكاة لتماميّة النصاب، وفي نفس الوقت تكون زائدةً على المؤونة فيتعلّق بها الخمس، فيدور الأمر بين أن تزكّى أوّلاً ثم يخمّس الباقي وبذلك ستقلّ حصّة الخمس، أو تخمّس أوّلاً ثم يزكّى الباقي وبذلك ستقلّ حصّة الزكاة، بل قد تنعدم نهائيّاً بسبب سقوط المال باستثناء خمسه عن النصاب، فأيّ الطريقين هو الصحيح؟ ويتصوّر نحو هذا الحديث في الغلّات والأنعام أيضاً.

وقد تقول في سكك الذهب المألوفة اليوم إنّها خارجة عن هذا البحث؛ لأنّها ليست من النقد الرائج في السوق، وذلك إمّا بسبب عدم وضوح مقدار قيمة الذهب والفضّة لأكثريّة الناس، أو بسبب تزلزل مقدار قيمة المادّة بالصعود والنزول في مساحة واسعة من درجات الصعود والنزول أو في أزمنة متقاربة، وقد تكون كلّ هذه الأُمور مجتمعة مؤثّرة في عدم رواج التعامل.

إلّا أنّ الدليل على شرط الرواج بهذا المعنى غير واضح، فإنّ المتيقّن من تقييد إطلاقات الزكاة في الذهب والفضّة من قبيل روايات الباب الثامن من أبواب زكاة

74

الذهب والفضة هو التقييد بالسكّة كما ورد في صحيحة علي بن يقطين: «قلت: وما الركاز؟ قال: الصامت المنقوش»(1).

والدليل على شرط الرواج الفعلي بالسوق يمكن أن يكون أحد أُمور ثلاثة:

الأوّل: خبر علي بن يقطين عن أبي الحسن موسى بن جعفر(علیه السلام): «لا تجب الزكاة في ما سبك فراراً به من الزكاة، ألا ترى أنّ المنفعة قد ذهبت فلذلك لا تجب الزكاة»(2).

فقد يستظهر منه: أنّ المقصود بالمنفعة الذاهبة رواجه الفعلي كنقد في السوق.

إلّا أنّ سند الحديث ضعيف بإسماعيل بن مراد.

والثاني: عنوان الدرهم والدينار الواردين في موضوع زكاة النقدين فإنّهما لا يخلوان من الإشارة إلى رواج النقديّة في السوق.

والجواب: أنّ موضوع الزكاة في الروايات _ كما أشرنا _ إنّما هو الذهب والفضّة، وأمّا الدينار والدرهم فأكثر ذكرهما في الروايات لا يكون بعنوان شرط رواج النقديّة، بل يكون بعنوان تحديد النصاب،(3) وقسم منها ورد عنوان الدينار والدرهم فيهما كإشارة إلى ما يقابل التبر أو النقر أو غير المسكوك، وليست واضحة في الإشارة إلى رواج النقديّة في السوق بحيث تكون صالحة لتقييد إطلاق عنوان الصامت المنقوش أو عنوان الذهب والفضّة برواج النقديّة في السوق، فمقتضى إطلاق الأدلّة كفاية النقش الثابت على السكك الذهبية المألوفة اليوم.

والثالث: دعوى انصراف عنوان النقش أو ما يشير إليه أيضاً إلى نكتة الرواج في السوق؛ إذ لا تتصور نكتة عرفية أو عقلائية لدخل النقش في ضريبة الزكاة إلّا بنكتة دخلها في الرواج السوقي.

 


(1) وسائل الشیعة، ج9، ص154، الباب8 من أبواب زكاة الذهب والفضة.

(2) المصدر السابق، ص160، الباب 11 من أبواب زكاة الذهب والفضة، ح11.

(3) راجع المصدر السابق، ص137، الباب الأول والثاني من أبواب زكاة الذهب والفضة.

75

والجواب: أنّه يكفي في بقاء الإطلاقات على إطلاقها احتمال عقلائي آخر، وهو أن يكون أثر النقش من قبل السلطة إعطاؤه للذهب أو الفضّة قوّة التعامل بهما ولو بمقدار ما ينشأ عن سكّة الحكومة من ضمان الوزن والجودة، وهذا ثابت في السكك الذهبية المألوفة اليوم. وعليه فالأقوى تعلّق الزكاة بها.

وأمّا الحديث عن تقدّم الخمس على الزكاة وبالعكس فقد يقال: إنّه يخرج عن هذا البحث ما يتعلّق به الخمس منذ البدء كما في المعدن والغوص والكنز وغنيمة الحرب، فإنّ الزكاة تجب بعد سنة والخمس قد وجب قبل ذلك، وطبيعي أنّ الزكاة لا تجب إلّا على ما بقي في الملك وهي الأربعة أخماس الباقية لو بقيت سنةً.

ومن هنا قد يقال: إنّ الخمس دائماً يتقدّم على الزكاة؛ لأنّ الخمس يتعلّق دائماً بالمال من أوّل يوم وإن كان متعلّقه هو المال الذي سيبقى في علم الله سنة كاملة ولا يصرف في المؤونة، ولهذا يجوز إخراج الخمس من أوّل السنة وإن جاز تأخيره إلى آخر السنة، في حين أنّ الزكاة تجب في آخر السنة فلا تجب إلّا في الأربعة أخماس الباقية.

وهذا البيان لو تم فإنّما يتم في الأعيان الزكوية التي تكون الزكاة فيها مشروطة بمضي الحول وهي النقدان والأنعام.

أمّا لو مضى الحول على أُصول الغلّات وخُمِّست بعينها قبل بدو الصلاح فاختصاص الزكاة على المالك الأوّل بغلّات ما بقي في ملكه واضح، ولو أُخرج خمس الأُصول بدفع القيمة فبقيت الأُصول لمالكها فثبوت الزكاة على تمام الغلّات واضح، ولو بقي غاصباً لخمس الأُصول فاختصاص الزكاة بغلّات الأربعة أخماس غير المغصوبة واضح.

وهناك وجه ثان لإثبات تقديم الخمس على الزكاة وهو أنّ الزكاة تتعلّق بالماليّة، لا بالعين بخصوصيّاتها العينية؛ بدليل جواز إخراجها من غير ذات الأعيان المتعلّقة للزكاة، ولكن الخمس يتعلّق بالأعيان على نحو الشركة والإشاعة على ما هو الظاهر من رجوع الضمير إلى ما غنمتم في قوله تعالى: ﴿َكوَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ

76

خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ و...﴾(1)وقد فسّرت الغنيمة الواردة في الآية في صحيحة علي بن مهزيار بمطلق الفائدة، حيث قال بعد قراءة الآية: فالغنائم والفوائد يرحمك الله، فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها... (2).

وعليه فتعلّق الخمس يُسقط ملكيّة خمس العين وقد أُخذ في موضوع الزكاة شرط ملكيّة العين، إذاً فالخمس متى ما تعلّق بالعين الزكوية يكون رافعاً لموضوع الزكاة.

ولعلّه لأحد هذين الوجهين أفتى السيد الخوئي(رحمه الله) بتقدّم الخمس على الزكاة حيث ورد عليه سؤال هذا نصّه:

«الأموال التي تتعلق بها الزكاة _ الغلّات والنعم والنقدين _ إذا حال عليها الحول، هل تخمّس أيضاً، وعلى فرض التخميس أيّهما يقدم أوّلاً؟».

فأجاب(رحمه الله) بما نصّه:

«نعم، إذا كانت بشرائط كلّ واحد منهما والخمس منهما مقدّم، والله العالم» (3).

والآن نريد أن نقلب الأمر فنفترض أنّ الزكاة هي التي ترفع موضوع الخمس وذلك لعدّة وجوه:

الأوّل: روايتان قد تفترض دلالتهما على ذلك، أوليهما: صحيحة علي بن مهزيار كتب إليه إبراهيم بن محمد الهمداني: «أقرأني عليّ كتاب أبيك في ما أوجبه على أصحاب الضياع أنّه أوجب عليهم نصف السدس بعد المؤونة وأنّه ليس على من لم تقم ضيعته بمؤونته نصف السدس ولا غير ذلك، فاختلف من قبلنا في ذلك فقالوا: يجب على الضياع الخمس بعد المؤونة، مؤونة الضيعة وخراجها لا مؤونة الرجل

 


(1) الأنفال: 41.

(2) وسائل الشيعة، ج9، ص501، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، ح5.

(3) صراط النجاة، ج3، ص 119.

77

الأوّل: روايتان قد تفترض دلالتهما على ذلك، أوليهما: صحيحة علي بن مهزيار كتب إليه إبراهيم بن محمد الهمداني: «أقرأني عليّ كتاب أبيك في ما أوجبه على أصحاب الضياع أنّه أوجب عليهم نصف السدس بعد المؤونة وأنّه ليس على من لم تقم ضيعته بمؤونته نصف السدس ولا غير ذلك، فاختلف من قبلنا في ذلك فقالوا: يجب على الضياع الخمس بعد المؤونة، مؤونة الضيعة وخراجها لا مؤونة الرجل وعياله. فكتب وقرأه عليّ بن مهزيار: عليه الخمس بعد مؤونته ومؤونة عياله وبعد خراج السلطان»(1).

والسند منتهٍ بإبراهيم بن محمد الهمداني وهو وكيل الناحية، فإن لم تثبت وثاقته بذلك وفقاً لمناقشة السيد الخوئي(رحمه الله) في ثبوت الوثاقة بالوكالة(2) فلعلّه يكفي في المقام ما في الحديث من جملة: «وقرأه علي بن مهزيار» فإنّ هذا إسقاط لإبراهيم بن محمد الهمداني من السند ويصبح علي بن مهزيار راوياً مباشرة.

وأمّا الدلالة فيقال: إنّ خراج السلطان هو الزكاة أو يشمل الزكاة، فالحديث دلّ على أنّ الخمس يحسب بعد خروج الزكاة.

ويمكن أن تناقش هذه الدلالة أوّلاً: بأنّ المقصود بالسلطان السلطان الجائر، فمعنى العبارة أنّ ما يأخذه السلطان قهراً على الإنسان لا يجب دفع خمسه، وهذا لا علاقة له بأنّه لو كان السلطان عادلاً فهل تحسب معه أوّلاً الزكاة ثم الخمس أو بالعكس.

وثانياً: أنّ هذا وارد في الضياع والغلّات والتي قلنا: إنّ بدوّ الصلاح فيها لا يعني مرور الحول عليها، وإذا أُخذ منها شيء سواء كان بظلم السلطان أو بعنوان الزكاة من قبل إمام عدل فمن الواضح أنّه حينما يمرّ عليه الحول لا يتعلّق به الخمس إلّا بما هو موجود فعلاً عنده.

والثانية: رواية أحمد بن محمد بن عيسى بن يزيد(3) أو رواية أحمد بن محمد بن عيسى عن زيد(4) قال: «كتبت جعلت لك الفداء تعلّمني ما الفائدة وما حدّها؟

 


(1) وسائل الشيعة، ج9، ص500، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، ح4.

(2) معجم رجال الحدیث، ج1، ص71.

(3) الكافي، ج2، ص729، الباب 130 من أبواب التاريخ، ح12.

(4) وسائل الشيعة، ج9، ص 503، الباب 8 من أبواب ما يجب فیه الخمس، ح7.