1

حقوق المرأة في الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

لابأس ببحث الشبهة التي قد تورد على الإسلام من أنّه دين متخلّف عن الحضارة المترقّية اليوم، ويناسب مستوى فهم العصور القديمة المتخلّفة ممّا يشهد لعدم كونه ديناً سماويّاً حقّاً، وذلك لأنّه قد ظلم المرأة في القضايا الاجتماعية، ولم يعطها حقّها، وحرمها من كثير من الأُمور من قبيل منصب القضاء.

والمقدار المناسب من البحث للمقام و إن كان هو قسم القضاء، إلّا أنّه لابأس بشيء من التوسّع كي يكون البحث متكاملا شيئاً مّا.

فنقول: قد يقال من قبل أعداء الإسلام، إنّ الإسلام قد ظلم المرأة في حقوقها الاجتماعية في عدّة حقول:

۱. أنّه حرمها من بعض المناصب، وجعل تلك المناصب من امتيازات الرجال من قبيل منصب القضاء، والإمرة، ومدى قيمة شهادتها.

۲. أنّه ظلمها في الحقل الاقتصادي؛ كما يظهر في باب الإرث.

2

۳. أنّه لم ينصفها في حقل الوداد و الوفاء حيث سمح للزوج بتعديد الزوجات، ولم يسمح لها بتعديد الأزواج، فلو فرض كون ذلك خلاف مراسيم الوداد و الحبّ و الوفاء فلماذا تحرم المرأة من هذه المراسيم، ويسمح للزوج بتعديد الزوجات، وإلّا فلماذا تمنع المرأة من تعديد الأزواج؟!.

٤. وظلمها أيضاً في مجال الحرّيّة الشخصية حيث قيّدها بالحجاب من ناحية، وجعل الرجال قوّامين على النساء من ناحية اُخرى.

٥. وقد يكون أشدّ من كلّ هذا أنّ الإسلام لم يعتبرها في حقّ الحياة والسلامة بمستوى الرجل بدليل أنّه جعل ديتها حينما تصل إلى مستوىً معين نصف دية الرجل

وقبل أن ندخل في تفصيل الجواب عن كلّ واحد من هذه الإشكالات تباعاً نذكر مقدّمةً ما يجعل موقفنا كمسلمين موقف الهجوم أيضاً على مدرسة الغرب، وليس موقف الدفاع محضاً.

فنقول: إنّ النظرة الأساسية إلى المرأة التي يجب أنّ تتفرّع عليها كلّ هذه الفروع و أمثالها هي إحدى نظرات ثلاث:

الاُولى ـ نظرة الجاهليّة الاُولى إليها التي كانت متعارفة في البيئة التي كان منها رسول اللّه (صلى الله عليه و آله)، وهي أن تعدّ بمستوى الحيوانات أو أتعس، ولاتعدّ في صفوف الإنسان، وقد نطق بحكاية ذلك القرآن الكريم كما في قوله ـ تعالى ـ﴿وإذا بُشّر أحدُهُم بالأُنثى ظلّ وجهُه مُسودّاً وهو كظيم. يتوارى من القوم من سوء ما بُشِّر به أيُمسِكُهُ على هُوْن أم يدُسُّه في التُّراب﴾(۱)، وقوله ـ تعالى ـ﴿وإذا المؤودةُ سُئِلت


(۱) النحل: الآية ٥۸، ٥۹.
3

بأىِّ ذنب قُتِلت﴾(۱).

الثانية ـ نظرة الجاهلية اليوم التي تدّعي أنّها ترى المرأة إنساناً كالرجل، فهي من ناحية تفترض أنّها ترى المرأة في عرض الرجل و مثله في الإنسانية، ومن ناحية أُخرى تغفل أو تتغافل عن الفوارق الفسلجية و السيكولوجية الثابتة فيما بينهما.

الثالثة ـ نظرة الإسلام، فالإسلام يرى من ناحية أنّ المرأة في عرض الرجل ومثله في الإنسانية، ومن ناحية أُخرى لايُغفِل الفوارق الفسلجية والسيكولوجيّة الثابتة. بحسب طبيعة الخلقة ـ فيما بينهما، كغلبة الجانب العقلي على الجانب العاطفي في الرجل، وغلبة الجانب العاطفي على الجانب العقلي في المرأة، وقوّة الرجل بنيةً وقدرةً على الصمود في خضّم مشاكل الحياة، وضعف المرأة في ذلك، وكون المرأة مثاراً للشهوة أكثر من الرجل و غير ذلك.

ولئن فرضنا صدق صاحب النظرة الثانية في دعواه للإيمان بالمساواة بينهما في الإنسانية وحقوقها ـ وهذا تماماً هو ما يؤمن به الإسلام، فغفلته عن أمر واقع ـ وهو الفوارق الفسلجية و السيكولوجية الثابتة بينهما بحسب الخلقة. أو تغافله عن ذلك أو جبت أن يصل في النتائج الخارجيّة إلى العكس ممّا كان يفترض تقصّده من إسعاد المرأة، و إعطائها الحقوق الطبيعية لها في عرض الرجل، فقد أدّت هذه النظرة إلى دمار وضع المرأة، و تردّي الحالة النفسيّة و الأخلاقيّة بشكل عامّ.

وتوضيح ذلك: أنّ الإسلام يرى أنّ المجتمع السعيد ـ بلحاظ الحياة الدنيا، وبغضّ النظر عن مسألة الآخرة ـ هو المجتمع المبني من وحدات صغيرة عائليّة متماسكة، وذلكبنكتتين:

الاُولى ـ أنّ النظام العائلي هو النظام الأنجح في تأمين مايحتاج إليه الإنسان


(۱) التكوير: الآية ۸ و ۹.
4

من استقرار الحياة و نظمها بأحسن وجه.

والثانية ـ أنّ النفس البشريّة بحاجة إلى مسألة الحبّ و الوداد و العطف والرحمة، كما هي بحاجة إلى الخبز و الماء، فإنّ من أهمّ حاجات الإنسان الروحيّة الفطريّة أن يتبادل الحب، وأن يقيم علاقة الودّ و التعاطف مع آخرين، والطفل بطبيعته الروحية يحتاج إلى من ينظر إليه بعين الرأفة، ويلاطفه بعين المحبّة، ويداعبه بيد العطف والرحمة، و المرأة تحسّ بالحاجة الروحية الماسّة إلى جذب عواطف الرجل، وامتلاك قلبه، والرجل بحاجة روحيّاً إلى ريحانة يحبّها وينشىء معها علاقة الودّ و الرعاية إلى جنب العلاقة الجنسيّة، ومجرّد العلاقة الجنسيّة لايشبع إلّا حاجته الجسميّة، ويبقى جانبه الروحي غير مرتو، ولذا تراهم يريدون أن يشبعوا هذه الحاجة ـ بعد فقدهم للنظام العائلي بشكله الصحيح الإسلامي ـ عن طريق تبادل العشق، قال اللّه تعالى﴿ومن آياته أن خلق من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مؤدّة و رحمة إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون﴾(۱).

وبما أنّ نظام الغرب أغفل الفوارق الطبيعية الموجودة في خلقة الجنسين أدّى ذلك إلى تمييع النظام العائلي، و تفسيخ أواصر المحبّة في أفراد العائلة، كما هو مشاهد في المجتمع الغربي، وذلك بنكتتين:

۱. حاجة الوحدة العائلية إلى قيّم يشرف عليها، وينظّم أمرها بنوع من الولاية، بينما قد فرض الرجل و المرأة على حدّ سواء، وهذا يُفقد الوضع العائلي حالة التماسك التي تحدث ضمن تنظيم الأمر عن طريق الولّي المشرف.

۲. رفع الحجاب عن المرأة التي هي مثار للشهوة بحجّة الحرّيّة الشخصيّة ممّا أوجب تفسخ الوضع العائلي بشكل كامل.


(۱) الروم: الآية ۲۱.
5

وبكل هذا قد فقد المجتمع الغربي نعمة الحبّ والوداد الحقيقي فيما بين الأفراد، وحلّ محلّ ذلك التفسخ الأخلاقي والنظرة الحيوانية البحتة في الحياة.

بينما الإسلام لاحظ من ناحية أنّ المرأة كالرجل سواء بسواء في الإنسانية، فجعل يخاطبهما بنسق واحد، قال اللّه تعالى﴿فاستجاب لهم ربهم أنّي لا اُضيع عمل عامل منكم من ذكر أوأُنثى﴾(۱)، وقال تعالى﴿إنّ المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدّقين والمتصدّقات والصائمين الصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين اللّه كثيراً والذاكرات أعدّ لهم مغفرة وأجراً عظيماً﴾(۲). وقال تعالى﴿وإذا المؤودة سئلت بأيّ ذنب قتلت﴾(۳).

ولاحظ من ناحية أُخرى أنّها تختلف عن الرجل في الخلقة في مدى القوة والضعف، ومدى غلبة الجانب العقلي أو العاطفي على الجانب الآخر، وغير ذلك. قال اللّه تعالى﴿أو من يُنَشؤُا في الحلية وهو في الخصام غير مبين﴾(٤)، وقال تعالى﴿الرجال قوّامون على النساء بما فضّل اللّه بعضهم على بعض وبما أنفقوا﴾(٥). وفي وصية أميرالمؤمنين (عليه السلام)لولده محمّد بن الحنفية بسند غير تامّ: (لا تملك المرأة من الأمر مايجاوز نفَسها، فإنّ ذلك أنعم لحالها وأرخى لبالها وأدوم لجمالها، فإنّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، فدارِها على كلّ حال، وأحسن الصحبة لها ليصفو


(۱) آل عمران: الآية ۱۹٥.
(۲) الاحزاب: الآية ۳٥.
(۳) التكوير: الآية ۸ و ۹.
(٤) الزخرف: الآية ۱۸.
(٥) النساء: الآية ۳٤.
6

عيشك)(۱).

وقد أسّس الإسلام كلّ تشريعاته بالنسبة للمرأة على أساس التفاته إلى هاتين النكتتين، أعني كون المرأة مساوية للرجل في الإنسانية، وحقوق الإنسانية من ناحية، وكونها مختلفة عنه في الخلقة سيكولوجياً وفيسيولوجيّاً من ناحية أُخرى.

والآن نبدأ بالجواب على الاعتراضات الماضية تباعاً:

أمّا الاعتراض الأوّل ـ وهو حرمانها من بعض المناصب كالقضاء: فالإسلام ينطلق من منطلق الإيمان بالفرق الموجود بين الجنسين في الخلقة وضعفها عن مقاومة الضغوط والمشاكل من ناحية، وغلبة الجانب العاطفي على الجانب العقلي فيها من ناحية أُخرى. ومن هذا المنطلق حرمها من بعض المناصب كالقضاء، وأعفاها أيضاً بالمقابل ـ منطلقاً من نفس النكتة ـ عن بعض المسؤوليات والأعباء كالجهاد. بل في رؤية الإسلام يرجع كلّ هذا إلى الإعفاء عن المسؤوليّات والأعباء، لأنّ من يتربّى بتربية الإسلام لاينظر إلى منصب القضاء ونحوه كمغنم، وليست أمثال هذه الأُمور في منطق الإسلام مغانم، بل ينظر إليها كمسؤوليّة وأمانة.

وأمّا الاعتراض الثاني ـ وهو ظلمها من الناحية الاقتصادية في مسألة الإرث، فازدياد حصّة الذكر في الغالب على الأُنثى في منطق الإسلام يوازي كون الرجل هو الذي يتحمّل عبء العائلة الاقتصادي دون المرأة.

وأمّا الاعتراض الثالث ـ وهو السماح بتعدّد الزوجات للرجل وعدم السماح بتعدّد الأزواج للمرأة فالواقع أنّ ملاك رفض التعدّد المشترك بين الجانبين يمكن أن يكون أحد أُمور ثلاثة:


(۱) الوسائل، ج ۱٤، ب ۸۷ من ابواب مقدمات النكاح، ح ۳، ص ۱۲٠.
7

۱ ـ الغيرة.

۲. الحسد.

۳. أنّ اللّه لم يجعل لرجل في جوفه من قلبين، فاتّخاذ زوجة أُخرى يوزّع قلب الرجل ومودّته بين الزوجتين، وهذا خلاف الوفاء بشأن الزوجة الاُولى.

أمّا الغيرة. فالواقع أنّها ليست شيئاً أصيلا في طبيعة الإنسان وثابتاً قبل القوانين والعادات؛ كي يترقّب تأثيرها على كيفيّة تشريع القوانين، بل هي وليدة للنظم والقوانين والعادات، وقد شاء نظام الإسلام أن يحرّم الغيرة على النساء، ويوجبها على الرجال للنكتة الآتية.

وأمّا الحسد ـ فهو محارب من أساسه من قبل الإسلام باعتبار قبحه العقلي من ناحية، ومفاسده الاجتماعية من ناحية أُخرى، فلا معنى لترتيب أثر على ذلك في المقام.

وأمّا الأمر الثالث ـ وهو أنّ القلب لا يمتلكه اثنان، وأنّه إذا وزّع الودّ على شخصين قلّت حصّة كلٍّ منهما عمّالو اختصّ القلب ب أحدهما. فما أروع النقض الذي أورده المرحوم الشهيد الشيخ المطهري (رحمه الله)، وهو النقض بما هو محسوس ومجرّب من أنّ الإنسان المحبّ لولده والغارق في حبه حينما يحصل على ولد آخر يشعر بحبه كالأوّل من دون أن ينقص من الأول شيء.

والواقع أنّ النكتة التي أو جبت حرمة تعدّد الأزواج للمرأة، وجواز تعدّد الزوجات للرجل، وأوجبت الغيرة على الرجل وحرّمتها على النساء هي أنّه بعد أنْ رأى الإسلام أنّ حياة المجتمع ترتبط بمدى استحكام وتماسك بنية الوحدة العائلية، ورأى أنّ هذا التماسك في بنيتها يتوقّف على قوّاميّة الرجل كما سيأتي إن شاء اللّه رأى أنّ تعدّد القيّم بتعدّد الزوج يفسد وحدة وتماسك البنية العائلية، بينما لو اتّحد القيّم فتعدّد العائلة لايوجب مفسدة من هذا القبيل، بل هذا القيّم الواحد يبني وحدتين عائليّتين

8

من هذا القبيل، وكلّ منهما بحدّ ذاته وحدة متماسكة، على أنّ اختلاط النسل في موارد ثبوت النسل أيضاً يضر بتماسك بنية الوحدة العائلية ضرراً كبيراً كما هو واضح.

وأمّا الاعتراض الرابع ـ وهو سلب حرّيّة المرأة في مسألة الحجاب، وفي قوامية الرجال على النساء ـ: فالجواب عن مسألة الحجاب واضح ممّا تقدم، فإنّ الحجاب مبتن على الفرق الفسلجي الموجود بين الجنسين من كون المرأة مثاراً للشهوة؛ إذ على أساس ذلك يكون رفع الحجاب موجباً لارتباط الزوج برفيقات، وارتباط الزوجة برفاق ممّا يُنهي تماسك الحياة العائلية الذي قلنا أنّه هو أساس سعادة المجتمع في نظر الإسلام.

كما أنّ الجواب عن القوّاميّة أيضاً واضح ممّا تقدّم، وبيانه هو: أنّ القوّاميّه ليست ثابتة في الإسلام لجنس الذكر على جنس الأُنثى ولذا الاقواميّة للأخ على الأُخت مثلا، وإنّما هي ثابتة في خصوص الحياة العائلية للزوج على الزوجة، ومنشأ ذلك مجموع أمرين:

الأوّل ـ أنّ تماسك الوحدة العائلية الذي هو أساس سعادة المجتمع في نظر الإسلام يتوقّف على وجود قيّم واحد عليها.

والثاني ـ أنّ الرجل هو الأوْلى بالقيمومة لما له من امتياز فسلجي وسيكولوجي في القوّة والصمود في خضم المشاكل، وفي غلبة جانب العقل والحنكة فيه على جانب العاطفة بخلاف المرأة.

وأمّا الاعتراض الخامس ـ وهو أنّ الإسلام افترضها أقلّ شأناً من الرجل في حقّ الحياة والسلامة بدليل نقصان ديتها من دية الرجل، فالجواب على ذلك هو أنّ الحكم بنقصان ديتها من دية الرجل لاينشأ من كون حقّ الحياة والسلامة لها أخفّ من حقّ الرجل ودون حقّ الرجل، بل ينشأ من نظرة اقتصادية للإسلام إلى الرجل والمرأة؛ حيث إنّ الرجل كمنتج اقتصادي أقوى من المرأة بلحاظ الفوارق

9

الفسلجية والسيكولوجية بينهما. والذي يدلّنا على ذلك أنّ الإسلام أعطى للمرأة حقّ القصاص كاملا من الرجل مع دفعها لنصف الدية، ولم يحرمها من القصاص بأن يفرض عليها التنزّل منه إلى نصف الديّة، وهذا يعني أنّ النكتة في باب الدية لم تكن تكمن في حقّ الحياة والسلامة، بل كانت تكمن في الجانب الاقتصاديّ، فالرجل اقتصاديّاً يقوّم بأكثر ممّا تقوّم المرأة به للفوارق الفسلجية والسيكولوجية بينهما، أمّا بما هما إنسانان يستحقّان الحياة والسلامة فهما سيّان. ولذاترى أنّ الذمّي الذي ديته أقلّ من المسلم بنكتة اعتباره أقلّ مستوىً في حقّ الحياة والسلامة من المسلم حينما يقتله المسلم أو يجني عليه لا يسمح له بالقصاص ودفع الفارق من الدية، بل ينتقل رأساً إلى تغريم المسلم بدية الذمّي التي هي أقل من دية المسلم.

هذا، ولا يخفى أنّ كلّ ماذكرناه وأمثاله كمصالح وحكم للتشريعات الإسلامية إنّما هو مبلغ فهمنا وحدسنا، واقناعاً لبعض قطاعات الناس، والواقع هو أنّ الشريعة الإسلامية وأحكامها تقبل تعبّداً من قبل المشرّع بعد إثبات اللّه، والنبوة، والكتاب، والسنة، ببراهين عقلية؛ علماً بأنّ البشر لا يعرف ما يصلحه عمّا يفسده بالشكل الذي يعرفه خالقه و باريه وخالق العالم والكون أجمع.